حوارات

العمراني: التشرميل ظاهرة مركبة والرصاص ليس حلا

اعتبرت رئيسة جمعية زينب النفزاوية بمراكش أمينة العمراني الإدريسي أن ظاهرة “التشرميل” المنتشرة في المجتمع المغربي، ظاهرة مركبة لا تقتصر على الرغبة في الإجرام والسرقة فقط، معتبرة أنه على الدولة إيجاد حلول معقولة للحد من آثارها، وعدم الاقتصار على المقاربة الأمنية، كما أكدت أن إطلاق الرصاص ليس حلا.

وأضافت العمراني الإدريسي أن مسؤولية الدولة في هذا الباب كبيرة، كما أن الموضوع يقتضي تضافر جهود كافة الفاعلين لتوعية المجتمع بخلفيات وأسباب لجوء عدد من المراهقين إلى الإجرام، محذرة من انتشار هذه الحالات بشكل متزايد، وكذا استغلالها من طرف شبكات الدعارة والاتجار بالبشر، وكذا من طرف الخلايا الإرهابية.

اضطرابات كيميائية في الدماغ

وأكدت الناشطة الاجتماعية ذاتها، المهتمة بقضايا محاربة الإدمان وإعادة إدماج الأشخاص في وضعية صعبة، في تصريح لجريدة “العمق”، أن عددا كبيرا من الذين يلجأون لتعاطي المخدرات وسلك طريق الإجرام يعانون من اضطرابات كيميائية على مستوى الدماغ، ويحتاجون تشخيصا طبيا دقيقا وعلاجا خاصا.

وأوضحت أن ضعف وعي المجتمع المغربي بأصل المرض الذي يسبب ألما شديدا لصاحبه، يجعل الأسر لا تبذل مجهودا للبحث عن علاج لأبنائها المصابين به، فيما يتخذ المجتمع نظرة سوداء حول هذه الفئات التي تتكاثر بشكل متزايد.

وأضافت أن العامل الاجتماعي لا يكون دائما سببا في تعاطي المراهقين للمخدرات أو اللجوء إلى ما يصطلح عليه الشارع المغربي “التشمكير”، مؤكدة أنها عاينت حالات متفرقة من طبقات اجتماعية مختلفة، الرابط بينها هو الاضطرابات في الدماغ، والتي تنتج عنها سلوكات عدوانية وعنيفة.

وشددت العمراني الإدريسي أن هذه الاضطرابات ترجع في كثير من الأحيان إلى مشاكل في مرحلة نمو الجنين في بطن أمه أو عند الولادة، داعية إلى ضرورة تحسيس المجتمع بهذه الأنواع من الأمراض وتوفير الدعم اللازم لعلاجها.

المنظومة القانونية ضعيفة

أمينة العمراني الإدريسي التي اشتغلت سابقا منصب نائبة برلمانية عن حزب العدالة والتنمية والتي ترأس حاليا الملحقة الإدارية أسكجور بمراكش، اعتبرت في حديثها لجريدة “العمق” أن المنظومة القانونية المغربية مازالت ضعيفة في التعامل مع هذه الحالات.

وشددت على أن القانون يحتاج إلى تعديل يجعل القاضي قادرا على التعامل بشكل خاص مع الحالات التي تعاني من هذا النوع من الاضطرابات وتوجيهها نحو تلقي العلاج اللازم، بدل معاملتها بنفس المساطر المطبقة على الحالات الإجرامية العادية، والتي من شأنها أن تضاعف المشكل لدى هؤلاء الأشخاص.

غياب مراكز الرعاية الخاصة

وتأسفت العمراني الإدريسي على عدم وجود مراكز اجتماعية خاصة بالفئات التي تعاني من الاضطرابات النفسية والسلوكية، والتي تؤدي إلى تبنيهم سلوكا عدوانيا اتجاه المجتمع.

وأكدت أن المستشفيات المخصصة للأمراض العقلية ترفض استقبال الحالات دون سن الثمانية عشر، وأن الإصلاحيات ومراكز إعادة الإدماج لا ترقى للمستوى اللازم للنهوض بهذه الفئات، بقدر ما تجعل حالتهم النفسية تتأزم، مما ينتج عنه سلوك أشد عدوانية بعد انقضاء مدة العقوبة.

وتابعت أن العديد من الأسر تعاني في صمت إزاء الاضطرابات النفسية والسلوكية لأحد أبنائها، فمن الأسر من تبوح وتطلب المساعدة وأخرى تفضل الصمت، كما أن العديد منها تفتقد للإمكانات المادية لمعالجة هؤلاء الأبناء.

الرصاص ليس حلا

وترى أمينة العمراني الإدريسي التي احتكت مع العديد من الحالات المضطربة خاصة في سن المراهقة، أن استعمال الرصاص ليس حلا للحد من آثار مشاكل الإجرام واستتباب الأمن في المجتمع.

وشددت في حديثها لجريدة “العمق” على أن المطلوب من الدولة والفاعلين ابتكار مقاربات شمولية للتعاطي مع الظاهرة، بعيدا عن منطق “الانتقام” وكذا عن منطق “الرحمة المبالغ فيها”، وأوضحت أنه يجب التفريق بين الحالات المرضية والحالات الأخرى.

وطالبت الفاعلة المدنية ذاتها، بتوفير مراكز متخصصة للاستماع والعلاج، كما دقت ناقوس الخطر في تنامي ظواهر “التشرميل” و”التشمكير” في ظل فشل المجتمع والدولة عن إيجاد حلول عملية للحد من الظاهرة.

ودعت العمراني الإدريسي إلى حملة شعبية من أجل إحياء هذه الفئات، والمطالبة بتخصيص مستشفيات متخصصة، وليس الدعوة إلى قتلهم بالرصاص.

استغلال في الدعارة والإرهاب

وأكدت المتحدثة أن هذه الفئات باتت تؤسس مجتمعها الخاص بضوابط وأعراف خاصة، منفصلة عن المجتمع الحقيقي، مما قد يجعلها عرضة للأيادي السوداء التي تسعى لاستغلالها في أعمال الدعارة أو الانتماء للخلايا الإرهابية.

وأضافت أن الاضطرابات التي تعاني منها هذه الحالات يمكن أن تسهل استغلالها من طرف بعض المتشددين خاصة أنها يمكن التأثير على قناعاتها بسرعة، مما يجعل مسؤولية الدولة والمجتمع كبيرة في التصدي لهذه الأنواع من الاستغلال.