مجتمع

باحث يبرز عوامل وانعكاسات أزمة الماء بالمغرب وطرق تدبيره قديما وجدوائية العمل بها اليوم (فيديو)

خلفت أزمة الجفاف التي يعيشها المغرب قلقا رسميا وشعبيا كبيرا، خاصة لتزامنها مع موجة الحرارة المفرطة التي عرفتها العديد من المناطق والأقاليم مع قلة التساقطات المطرية، وانخفاض نسبة ملء السدود ب 10 مليار متر مكعب، مقارنة بالسنوات الماضية. 

وجاءت هذه الأزمة المائية بسبب عدة عوامل متداخلة فيما بينها، كما خلفت آثارا سلبية على مجموعة من القطاعات الحيوية، نتطرق لها بالتفصيل في هذا الحوار الذي أجرته جريدة العمق مع الأستاذ الباحث حسن الخلفاوي، بكلية الآداب والعلوم الانسانية شعيب الدكالي بالجديدة، الذي قارب الموضوع بتحليل تاريخاني مستحضرا نماذج وتقنيات كان يعتمدها المغاربة القدامى في تدبير المياه.

أولا، أستاذ حسن الخلفاوي، ما هو تشخيصك للوضع المائي الذي يعيشه المغرب؟

كل حديث اليوم، في السياسة والاقتصاد والمجتمع، يدور أساسا حول الوضعية الحرجة التي يعيشها المغرب فيما يتعلق بأزمة قلة التساقطات المطرية، والجفاف الذي أصبحت تهدد أمن واستقرار البلاد على غرار بلدان أخرى من العالم.

في هذا السياق، سبق لوزارة التجهيز والنقل واللوجيستيك والماء، أن قدمت بعض الإحصائيات التي توحي بأن الوضع جد مقلق في ما يخص وضعية الموارد المائية بالبلاد، إذ أن حقينة السدود في السنوات العادية تصل إلى 16 مليار متر مكعب، في حين بلغت هذه السنة إلى حدود أبريل الماضي، 5 مليار متر مكعب أي بفارق يصل إلى 10 مليارات مكعبة، وهو فارق جد مقلق يوحي بحدوث أزمات مائية وغذائية في المستقبل، الشيء الذي سينعكس جليا على نصيب الفرد من المياه وعلى الوضع الفلاحي أيضا، ناهيك على انعكاسه أيضا على دخل الأسر الفقيرة والفئات الهشة.

في نظرك، ما هي العوامل الكامنة وراء حدوث هذه الأزمة؟

يرتبط ذلك بمجموعة من العوامل، الطبيعية منها؛ التغيرات المناخية العالمية وتوالي سنوات الجفاف بالمغرب وغلبة المناخ الجاف وشبه الجاف بالمناطق الداخلية والجنوبية بالبلاد. والعوامل البشرية التي ترتبط بالنمو الديموغرافي، وتزايد حاجيات السكان للماء، كما لا يمكن أن ننفي الاستغلال والاستعمال اللاعقلاني من طرف الساكنة.

وهناك أيضا عامل آخر، وهو اعتماد المغرب على النشاط الفلاحي، إذ يستهلك هذا النشاط نسبة كبيرة من المياه تفوق 60% من حصيلة الموارد المائية. إضافة إلى تعثر مجموعة من المشاريع بالرغم من توقيع مجموعة من الاتفاقيات والشراكات في بناء السدود وبناء بحيرات مائية لإغناء الفرشة الباطنية وتحلية مياه البحار، علما أن تكلفة هذه المشاريع باهضة جدا وتتطلب مبالغ مهمة .

ينضاف إلى هذه العوامل، عدم إتمام المشاريع التي انطلق العمل فيها، وأهدرت فيها الكثير من الأموال لكنها لم تكتمل لأسباب مختلفة. علاوة على مشكل توحل السدود، إذ يتم الإعلان على كون نسبة ملء السدود تصل إلى 100 %، في حين أنها لا تصل إلى هذه النسبة بشكل فعلي، الأمر الذي يتسبب في خسارة ملياري متر مكعب سنويا من الماء، حسب ما أفادت به الوزارة المعنية بالقطاع. 

ما هي التدابير والإجراءات الاستباقية الممكن اتخاذها لتدبير أزمة المياه التي نعيشها؟ 

أمام هذه الوضعية الحرجة والمقلقة المتعلقة بندرة المياه، وأمام العوامل المتداخلة التي ذكرناها، نستحضر المقاربة التاريخية في الموضوع، وكيف تعامل المغاربة قديما مع مشكل الماء في المغرب.

لقد اعتمد المغاربة في العصور القديمة مجموعة من الأساليب نذكر منها الاعتماد على تقنية التخزين، تخزين مياه الأمطار في الخزانات و”المطافي”، (مثل خزانات سيدي بوعثمان التي سنتحدث عنها فيما بعد)، وهناك أيضا الآبار والعيون والخطارات والسواقي التي كانت تعمل على نقل المياه من المناطق التي بها وفرة المياه، نحو المناطق الجافة، وهذه التقنية هي ما تسمى اليوم بسياسة التوازن المجالي، فإذا أردنا خلق توازنا مجاليا يجب علينا مراعاة تدبير هذه الفوارق بالربط بين المناطق الغنية والمناطق التي تعاني فقر وعجز مائي.

وهناك كذلك أسلوبا آخرا من أجل تدبير المياه يصعب القيام به الآن، وهو أنه في فترة الجفاف كانت القبائل تعتمد على الترحال من المناطق التي كانت تعاني من الجفاف الى المناطق الأخرى سواء في الشمال أول الغرب أو في السواحل بين السهل والجبل، عندما كانت التعاقدات التي تربط القبائل هي الرعي والماء.

 وهي عندما تقوم قبيلة معينة بأخذ مواشيها من السهل إلى الجبل في الفترة التي تكون المياه متوفرة والأراضي خصبة، والعكس أيضا يحدث عندما يكون السهل غنيا بالموارد الطبيعية. وكانت هذه الطريقة تخلق توازنا مجاليا وسكانيا، في إطار ما يسمى اليوم بالعدالة المجالية .

حدثنا عن تجربة خزانات المياه بسيدي بوعثمان وطريقة العمل بها ؟

خزانات سيدي بوعثمان المتواجدة بمنطقة سيدي بوعثمان بإقليم الرحامنة، تعد أحد النماذج في تدبير قلة المياه بالمناطق الجافة والشبه الجافة، نموذج يعود إلى عصر الدولة الموحدية الذي من خلاله تم الإعتماد على تجميع مياه الأودية والتساقطات ونقلها عبر قناة من السد إلى 9 خزانات تقدر مساحتها ب 1230 متر مربع، تتشكل من 9 غرف مقببة، يبلغ شعاعها 1.80 متر وطولها الإجمالي 49 متر وعرضها 25 مترا، بطاقة استيعابية تصل إلى أكثر من 3 مليون لتر.

 وكانت تلعب هذه الخزانات دورا مهما في تنشيط الحركة التجارية لتجارة القوافل ومرور العساكر والحركات السلطانية والرحلات التي كان يقوم بها السلطان من العاصمة مراكش آنذاك في اتجاه الشمال وفاس، ناهيك على تخزين المياه لفترة النذرة، بمعنى أن مياه الشتاء كانت تخزن لفترة الصيف علما أن المنطقة هي منطقة ذات مناخ جاف يتميز بقلة التساقطات وغياب مجاري مائية دائمة تلبي حاجيات ومتطلبات الساكنة.

هل يمكن أن تؤدي هذه الخزانات اليوم الوظائف التي كانت تؤديها في السابق؟ 

هنا، يمكننا أن نجيب بنعم، شرط أن يكون التدخل مسؤولا ويتم إعادة تأهيل هذا النموذج واستغلال مياه “واد جبوب ” في ملء هذه الخزانات لاستفادة الساكنة المجاورة.

لكن، قبل الوصول إلى هذه المرحلة نحن مطالبون الآن بترميم هذا التراث الأثري والتراث المعماري الضخم الذي يعبر عن فلسفة تدبير المجال لدى المغاربة، ويجب أولا تثمينه وتأهيله آنذاك يمكن إعادة إحيائه وإحياء وظيفته عبر تخزين مياه الأمطار لفترات النذرة، وهذا ليس فقط مع خزانات سيدي بوعثمان عن طريق استعمال مجموعة من الخطارات والمطافي والسواقي التي يجب إحيائها لأن الوضع حرج جدا، ولا بد من اعتماد هذه التقنيات التقليدية ولو احتياطيا. 

ما تعليقك على الإجراءات التي اعتمدتها الحكومة لتدبير هذه الأزمة؟ 

يمكن القول بأن السياسات التي أعلنت عنها القطاعات الحكومية، من قبيل التنقيط وتصفية المياه العادمة وإعادة تدويرها، وتحلية مياه البحار، تبقى غير كافية لوحدها ومكلفة جدا.

إذ لا بأس أن يتم استغلال مياه الأمطار والأنهار بالطرق التقليدية عبر تخزينها قبل وصولها إلى البحار، وتجاوز بذل مجهودات من أجل تحليتها، عبر بناء سدود تلية متحكم في ميزانيتها وفي حجمها، لأننا في مرحلة لا تسمح بإنجاز المشاريع الضخمة التي تتطلب سنوات من الوقت لإنجازها، لأن الماء مسألة آنية وتوفيره يجب أن يكون آنيا.

ناهيك عن دور الإعلام في توعية المواطنين في تدبير هذه المادة الحيوية وتحسين استغلالها وتدبيرها، لأن هذه المرحلة تقتضي منا جميعا الانتقال من التبذير إلى التدبير، وهذا هو شعار المرحلة، حتى نتمكن من تحقيق الأمن الغذائي والاستقرار الداخلي للبلد .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *