وجهة نظر

“قمة” العبث بالتضامن العربي …في الجزائر

في نهاية اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب، في القاهرة، الثلاثاء، أكّد الأمين العام للجامعة العربية بأن القمة العربية في الجزائر، مطلع نونبر المقبِل، ستُعقد وِفق ما كان مقرَّرا أصلا. إنه “سابع” تأكيد لعقد تلك القمة، للرد على “سابع ” تكهُّن بتأجيلها… ومع ذلك، فلا يقين بعقدها… كما لا يقين بتأجيلها… مرَّات عِدَّة، أطلقت من الجزائر تصريحات رسمية عن الاستعداد لعقد تلك القمَّة، فيما يُشبه مونولوج جزائري، بالرّدّ على شكٍّ لدى القيادة الجزائرية نفسها في إمكان عقدها…

الرئاسة الجزائرية ، بكل أذرُعِها السياسية و الديبلوماسية و الإعلامية، أحاطت أمْرَ عقد قمة الجامعة العربية في الجزائر “بحفاوة” خاصة… زَفَّتها للعالم العربي باعتبارها فاصلا بين “عهدين” عربيين … عهد ما قبل القمة و عهد ما بعدها… لأشهُرٍ خلت، وإلى اليوم، عزفت الرئاسة الجزائرية ألحان الزَّهو، بأن قمة الجامعة العربية التي تقرَّر عقدها، في الجزائر العاصمة، ستكون قمَّة القِمَم، لا عيْن مثلها رأت ولا خطرت ببال عرب… وهات يا كلام عن أن قمة الجزائر، ستكون منطلق واقع عربي آخر، لتوحيد الصف العربي، و ضمنه إعادة سوريا إلى موقعا في الجامعة العربية، ورفع كل التحدِّيات التي تواجهها الأمة العربية… كل التحديات المتصلة بالقضية الفلسطينية، بالتنمية، بالديمقراطية وبمخاطر تعميق الضعف العربي… السَّادة المتحكمين في القرار الجزائري، أنتجوا لتلك القمة عناوين نجاح أكبر، من قُدُراتهم وقُدُرات الأنظمة العربية، مجتمعة أو متفرقة .

أصلا ثلتا، أو أكثر، الدول العربية لا تعير، في العادة، قمة الجامعة العربية كثير اهتمام ولا صادق آمال، وضمنهم دولة جنيرالات الجزائر نفسها… وهي التي تحوَّلت، فجأة، إلى فاتح لعهد عربي جديد… لمُجرد عقد قمة عربية بالجزائر… وقد كان واضحا، لكل مُتابع سياسي، دقيق مُنصف وموضوعي، أن رئاسة الجزائر حمَّلت القمة العربية أثقل من قدرتها على تحمُّله… لاكتساب “زعامة” إعلامية عابرة، عربية و حتى داخلية، بمُزايدات كالفقاعات، تنفجر في الهواء، بمُجرد تطايُرها من قصبة النفخ… ورُبَّما أن الرئاسة الجزائرية رمت، بتحميل القمة العربية أكثر من سعتها، و بمزايدات تفوق وُسْعَها… إلى التحلُّل من “مَغَبَّات “عقدها، بتِعِلَّة تعذُّر توفير شروط نجاحها… فلا تُعقد أصلا ولا يتحمل مُضيفها تبعات فشلها… ما يُبْقي القمة “مُطاردة ” باحتمالات التأجيل… أو تُعقَد بتخفيض كبير في حَمولة ونوعية جدول أعمالها … كما حدث مع وعْد الرئاسة الجزائرية بإعادة سوريا إلى موقِعها في الجامعة. القيادة السورية تلطَّفت مع الرئاسة الجزائرية، وأسعفتْها، بطوْق نجاة، من الغرَق في مزايدتها أمام القمة، حين أعلن فيصل المقداد، وزير الخارجية السورية، عن عدم استعداد سوريا للعودة للجامعة الآن. سقطت نقطة من جدول أعمال القمَّة على بُعد حوالي شهرين من عقدها، النقطة التي يا ما تردَّد في الجزائر أنها ستكون الدفعة الجزائرية في “تضميد” الجراح العربية و استنهاض مفاعيل التضامن عربيا …المُضيف لهذه القمة بذلك الطموح و “المُزغْرد” بذلك الشِّعار يُفترض فيه أن يتوفر على رصيد أفعال في ذلك المسعى، وليس مُجَرّد شِعارات للاستهلاك… والحال أن المُضيف تعتريه “نواقض” تمُس مصداقيته في وُلوج مسار التضامن العربي وتوحيد الصفّ والفعل العربيين… في الممارسة، و في المحيط الإقليمي المغاربي، جنرالات الحكم في الجزائر هم الفاعل، “النشيط”، في تعطيل الآمال والمساعي الوحدوية المغاربية … وبالتالي يعطِّلون رافعة هامَّة من روافع الآمال الوحدوية العربية… تلك الآمال التي يزعُمون قدرتهم، في قمَّة الجزائر، على إنعاشها… هل ضروري أن أُذَكِّر، بحماس رئاسة الجزائر على القطع الكلي والشامل لعلاقاتها، كل علاقتها مع المغرب… حتى أن الوفد المغربي، المُفترض أن يُشارك في القمة… إذا ما تقرَّر عقدُها… وإذا ما قرَّر المغرب المشاركة فيها… ذلك الوفد سيكون عليه أن يستأجر طائرة أجنبية ليدخل إلى الجزائر من الأجواء المغربية، كأن الطائرة المغربية مُعادية للجزائر أو كأن الوفد المغربي أجنبي، مغربا وعربيا… أليس هذا عبث “صُراح” ونفي “فصيح” لكل مزاعم جنرالات الحكم في الجزائر حول حرصهم على التضامن والتعاون البين عربي… وهذا رغم نداءات الملك محمد السادس، المتكررة والمتجددة للحوار مع الرئاسة الجزائرية والتفاهم والتعاون معها… ذكَّرت بهذه العيّنة من السُّلوك “الأخوي”، للداعين للقمة العربية، اتجاه الجار الجغرافي، الاجتماعي، الثقافي والرَّاسخ الأواصر التاريخية مع الجزائر… وهي عيِّنية من عداء أصلي ومُزمن لدى جنرالات الحكم هناك، لقُرابة نصف قرن، في رعاية ورَمٍ انفصالي، يريدونه ضد المغرب، والحالُ أنَّه ضد المنطقة المغاربية ولهم منه الضَّرر الأكبر … وآخر الفصول في العبث بآمال التعاون والتضامن البين المغاربي… هي في ما تابعناه، قبل أيام، من توريطٍ للرئيس التونسي، السيد قيس سعيد، في استفزاز المغرب باستقباله الرسمي لرئيس المنظمة الانفصالية، البوليساريو … في مُقايضة، جزائرية له بمساعدات عينية ونقدية مقابل ذلك الاستفزاز… وعلى أمل أن يتصاعد التوتُّر بين تونس والمغرب إلى مستوى القطيعة، ليتسع و يتعدد التمزُّق في النَّسيج السياسي للدول المغاربية…كل ذلك، ليشتغل حكام الجزائر بتلك “القطيعة”، لفائدة مسعاهم، المعادي للمغرب، و الذي هو… ضد التضامن المغاربي وضد ذلك التضامن العربي… الذي يزعمون عقد القمة العربية من أجل النهوض به… إنه عبث آخر بالقمة، أن يكون مضيفُها “مُثْقَل” بهذا الرصيد العابث بشعاراتها… بل، له فيه إضافات، دائما في الفضاء المغاربي، عبر ما يقترفُه حكام الجزائر في الأزمة الليبية… من إسناد كامل لحكومة طرابلس، وبإعلان رسمي من الرئيس الجزائري… و هو ما قلص مساحات التوافق بين الفرقاء… و ساهم في التشجيع على التَّقاتُل الذي شهدته طرابلس في الأيام الأخيرة… مرة أخرى تضع الرئاسة الجزائرية انشغالها بمعاكسة المغرب و معاداته، موجها لها، و تعصِف بمصلحة الشعب الليبي، تُفاضل بين أطرافه، و تُحرِّض ضد اتفاق الصخيرات، منتوج التوافق الوطني الليبي، والذي سيبقى هو المدخل الأمثل لحل الأزمة بالتراضي وبالتفاهم وبدون غالب ولا مغلوب. المغرب سعى إلى مساعدة الأشقاء على الإنتاج الذاتي لتوافقاتهم وبإرادتهم… ويفعلُ حُكّام الجزائر كل ما يستطيعون لتأبيد الأزمة الليبية وحتى لتعميقها… أليس هذا عبث بمصير الشعب الليبي… وعبث بوحدته وبتضامن أطرافه… أوَ ليس هذا إسهام، من مضيف القمة، في تأزيم أوضاع هذا المغرب الكبير…

ليس مُهما الآن أن نُتابع السؤال حول احتمالات عقد القمة، أو تأجيلها… لقد أفرغها مضيفها، بطبيعته وسياساته، من احتمال نجاحها في “حلحلة” الوضع العربي، أو إنتاج قرارات سياسية تميِّزها عن قمم كثيرة… إذا ما انعقدت… وفقط لزوم إسكات “جعجعتها”…وعسى أن يجعل الله خيرا بعدها…

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • غزاوي
    منذ سنتين

    مجرد تساؤل. طحين الجزائر أو جعجعة المغرب !!!؟؟؟ "ويفعلُ حُكّام الجزائر كل ما يستطيعون لتأبيد الأزمة الليبية وحتى لتعميقها " انتهى الاقتباس. أذكر الكاتب ببعض الأحداث والواقع التي تفند مزاعمه: يوم 18/04/2022 رئيس الوزراء الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة يزور الجزائر رفقة رئيس الأركان العامة الفريق محمد الحداد، ورئيس جهاز المخابرات العامة محمد خليفة، ورئيس جهاز الأمن الداخلي لطفي الحراري". يوم 15/09/2022 أعلن رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي مشاركته في القمة العربية بعد تلقيه دعوة من نظيره الجزائري للمشاركة في القمة العربية. يوم 20/03/2022 وفد أمني من وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية يزور الجزائر. يوم 10/10/2022 انعقاد الاجتماع الوزاري ألتشاوري الثلاثي في تونس بين وزراء خارجية تونس والجزائر وليبيا. يوم 29/05/21 حل رئيس الحكومة الوطنية الليبية عبد الحميد دبيبة بالجزائر، مرفقا بوفد وزاري ليبي كبير وهام يضم 150 متعامل اقتصادي. للمشاركة في أشغال المنتدى الاقتصادي الجزائري – الليبي. يوم: 28/07/2021 رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، يزور الجزائر وفي صائفة 2021 حولت شركة الكهرباء والغاز الجزائرية (سونلغاز) ثمانية توربينات لبناء محطة لتوليد الكهرباء بطاقة 160 ميغاواط بطرابلس في إطار مخطط استعجالي لتخفيف الضغط على الشبكة الليبية. وفي أكتوبر 2021 توجهت فرقة متكونة من اثني عشر تقني ومهندس للشركة الجزائرية لإنتاج الكهرباء فرع سونلغاز إلى ليبيا بطلب من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون من أجل تصليح خلل وقع على مستوى المحطة الكهربائية “خمس” التي تزود طرابلس الليبية. وتم إصلاح المحطة خلال أسبوع.

  • غزاوي
    منذ سنتين

    مجرد تساؤل. هل استقبال إبراهيم غالي بدعة تونسية !!!؟؟؟ جاء في المقال ما نصه: "توريطٍ للرئيس التونسي، السيد قيس سعيد، في استفزاز المغرب باستقباله الرسمي لرئيس المنظمة الانفصالية، البوليساريو " انتهى الاقتباس الجزائر ليست لها علاقة باستقبال إبراهيم غالي في تونس بدليلين وجيهين: أولا: قد سبقتها موريتانيا سنة 2017 عند احتضانها القمة الإفريقية 31، وبلجيكا عن احتضانها القمة الأوربية الإفريقية سنة 2021 وبعدهما كينيا وؤخرا أنغولا. كلهم استقبلوا إبراهيم غالي بالبساط الأحمر وبصفته رئيسا للجمهورية العربية الصحراوية ولم ينبس المغرب ببنت شفة. ثانية: جريدة "الشروق" الجزائرية نشرت الوثيقة التي تتضمن دعوة إبراهيم لحضور قمة “تيكاد 8” بتونس. الوثيقة ممضية من طرف موسى فقي رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي وموجهة لإبراهيم غالي بصفته رئيسا للجمهورية العربية الصحراوية، ومقر إقامته الرسمي مدينة العيون الصحراوية، ورد فيها ما نصه: " على سلطات الجمهورية التونسية، البلد المستضيف لهذه القمة، أن تعمل على تسهيل مشاركتكم، بموجب النصوص القانونية للاتحاد الإفريقي"انتهى الاقتباس الرسالة مؤرخة في: 18/08/2022، بأديس بابا. نسخة منها موجه لكل من بعثة تونس وبعثة اليابان لدى الإتحاد الإفريقي الوثيقة نشرتها جريدة "الشروق" الجزائرية، يوم:06/08/2022، مرفقة لمقال تحت عنوان: "وثيقة: ننشر لكم دعوة الاتحاد الإفريقي الرسمية للرئيس الصحراوي لحضور قمة “تيكاد” بتونس.". إليكم رابط الوثيقة: https://www.echoroukonline.com/أبو-الغيط-يعلن-تسوية-الخلاف-بين-تونس-وا

  • غزاوي
    منذ سنتين

    مجرد تساؤل. من عطل الإتحاد ألمغاربي !!!؟؟؟ جاء في المقال ما نصه: "جنرالات الحكم في الجزائر هم الفاعل، “النشيط”، في تعطيل الآمال والمساعي الوحدوية المغاربية" انتهى الاقتباس. منذ نهاية الحماية الفرنسية والمغرب يبحث عن مصلحته خارج محيطه الإقليمي لأنه يعي جيدا أن مستقبله ليس مع جمهوريات شمل إفريقيا بسبب الخلافات العميقة معهم، سوى بسبب أطماعه الترابية أو توجهاتهم السياسية. فبعد 5 سنوات من تأسيس الإتحاد وفي سنة 1994 جمد الحسن الثاني عضويته فيه، ووريثه الملك محمد السادس نعى وفاته في أديس بابا سنة 2017. المغرب هو البلد الوحيد الذي لم يصادق إلا على 9 اتفاقيات من بين 38 اتفاقية، وسعى بكل قوة إلى الانضمام للإتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة إيكواس لو لم توصد في وجهه الأبواب. وهذا يدل على المتسبب الرئيسي في جمود الإتحاد ألمغاربي. وقد أصاب وصدق من دعوا إلى تنظيم بديل، وفكرة الغنوشي تستحق التفكير.

  • غزاوي
    منذ سنتين

    مجرد تساؤل. لماذا الجزائر لم تقاطع قمم المغرب جاء في المقال ما نصه: "أصلا ثلثا، أو أكثر، الدول العربية لا تعير، في العادة، قمة الجامعة العربية كثير اهتمام ولا صادق آمال " انتهى الاقتباس. أول ثلثا الدول العربية هو المغرب الذي لم يحضر ملكه ولا قمة عربية منذ 2005 ورفض احتضانها سنة 2017. وفي القمة العربية الـ30 التي احتضنتها تونس سنة 2019 بعث وزير العدل آنذاك محمد أوجار كممثل له. أما الجزائر فقد شاركت في ثلاث قمم أحتضنها المغرب عندما قطع علاقته معها بين 1976 و1988. قمة فاس 1981 التي غابت عنها مصر. قمة فاس 1982 التي غابت عنها ليبيا ومصر. قمة الدار البيضاء 1985 التي غابت عنها الجزائر وليبيا ولبنان و سوريا واليمن الجنوبي ومصر. قمة الدار البيضاء 1989 التي غابت عنها لبنان. كان على الكاتب أن ينصح سيده الملك بأن لا يشارك في قمة العبث . لكن ماذا يقول لو شارك أو بعث ممثلا عنه ليشارك في قمة العبث !!!؟؟؟

  • منذ سنتين

    انعقاد القمۃ العربيۃ والمقال اعلاه وجهان لعملۃ واحدۃ.للاسف.