منتدى العمق

دار الكميدية

دار الكميدية، الكمديات، الكمدية، التياترو، الأوبرة، الدّْ يوُرَمَا، الفرجة، الطيطر، الطيطروس، الملهى، الأوبرا، المرسح، كَراند تياتر،  الملهى الكبير…

تعددت الأسماء و أبو الفنون واحد، فكل هذه التسميات أطلقها الرحالة المغاربة على المسرح الغربي في أول لقاء به. و كل واحد حسب رؤيته و تفسيره و ما حققه هذا الفعل الثقافي في نفسيته.

يعد المسرح ظاهرة فنية قائمة بذاتها، حيث يطلق العنان للتعبير عن المشاعر والأحاسيس والأفكار المختلفة، اعتماداً على الكلام والحركة والرقص والشعر والغناء.

من المعروف أن نشأة المسرح بدأت في أثينا ومعابد الإغريق، وولادته كانت من رحم الطقوس الدينية والاحتفالية بالآلهة. لذلك نجد أ ن كل الأعمال المسرحية تحاكي المسرح الإغريقي متبنية أسسه و قواعده و شكله التراجيدي و الكوميدي.

غني عن البيان أ ن المسرح لم يقتصر  على  الوظيفة الترفيهية، بل أصبح ميدانا للمقاربات  الاجتماعية  و  السياسية،  و علاجا لمشاكل الإنسانية، صار يلعب دوراً جوهرياً في بلورة وعي الأنا بالآخر، و غدا شاهداً عياناً على اِندهاش الذات من تقدم  الآخر في مجال الفنون.

من خلال بعض متون الرحلة السفارية المغربية إلى أوروبا، استطعنا أن نلمس اِندهاش الأنا المغربية من إقبال الآخر على المسرح والاهتمام به، واستغرابها مما أولاه هذا الأخير من عناية واهتمام و اِنكباب على حضور العروض المسرحية ولما قام به من تطوير للمنجزات الثقافية و المنشآت الفنية.

وصف إدريس اِبن محمد الجعيدي المسرح أو كما س ماه دار الفرجة في الإنجليز في رحلته إتحاف الأخيار بغرائب الأخبا ر[1]  قائلاً: ” في يوم الإثنين ثاني رجب الفرد، الحرام تو جهنا لقصر  عظيم يسمى عندهم بالطياطرو و هو معد عندهم للفرجات ليلاً، و هو شكل مستدير بالبيوت بعضها فوق بعض، مملوءة شوالي، و كذلك براحة يقال أنه ليس في اللوندريز عندهم متله، و تأتي إليه السلطانة (الملكة فكتوريا) في بعض الأوقات”

لم يتردد إدريس العمراوي هو الآخر  في وصف المسرح من خلال رحلته تحفة الملك العزيز بمملكة باريز حيث قال[2]: “المحال المعدودة عندهم الكمديات وهي عبارة عن محال عندهم يلعبون فيها بأنواع من اللعب من ركوب على الخيل وطيران في الهواء وقلب الأعيان..و الرقص و حكايات الأخبار و الأشعار بلغتهم والمحاجات والأسئلة و الأجوبة و نصب مجالس يحاكون بها مجالس الحكام والوزراء وذكر مساوي في الناس و غير ذلك و هذه مسائل هزليات لكنهم مغرمون بها كل الغرام مولعون بها كل الولوع و يعطي الداخل لتلك المحال دراهم معتبرة لكل رأس لرؤية ذلك و يدخلها جميع الناس من مرؤوس و رئيس ورفيع و خسيس حتى الوزراء و الحكام و في كل كمدية محل مختص يقولون أنه محل السلطان وزوجته بأنه ربما يدخل لها في بعض الأحيان، على أ ن لهم كمدية مخصوصة يلعب فيها بكل تلك الأشياء فمهما أراد نوعا من تلك اللعبات استدعيا أهله يلعبونه أمامه ويسمونها الكمدية السلطانية وكنت أضحك من ذلك و أعده من جملة المزاج الذي لا يعبأ به و لا يوبه له و أنه ليس من الجد في شيء حتى و قفت على كلام الشيخ رفاعة المصري في رحلته حاصله أنها أمور جدية في صفة الهول أما ركوب الخيل واجراؤها و التوتب عليها و الطيران في الهواء فغير خاف تعلقها بالجد من كل الوجوه و أما الغناء و الرقص فإنه مما يريح القلب من تعب الكد و ينفس على الخاطر من تعب التدبير، و قد ذكر الحكماء و الأطباء أن للغناء أثر في النفوس والأرواح حتى أ ن بعض الآلام يبرئها سماع الغناء وآلة الطرب، أما الحكايات والأشعار فإنها تهذب الأخلاق و تظهر عجائب الدهر و تحمل على الاعتبار بمن تقدم و تشجع و تعلم مكابد الحروب وترتيبات النزول و النهوض في بلاد الحرب و غير ذلك.

وقد بلغنا أن مولاي اسماعيل نصر الله وجهه كان يكتب نسخا عديدة من الحكايات المعروفة بالفداوية و الأزلية … عرضوا علينا الذهاب لبعض الكمديات فاعتذرنا في واحدة فيها الغناء و الرقص بأن الغناء لا نفهمه يثقل علينا سماعه و بأنه يحرم علينا في ديننا النظر إلى النساء التي يرقصن و في أخرى فيها المحاجات و الأسئلة و الأجوبة بأنها بغير لغتنا فلا فائدة في حضورنا فيها وتوجهنا لإثنتين الأولى فيها لعب الخيل فرأينا فيها عجائب وصفتها قبة كبيرة دائرة  بصفوف من الكراسي بعضها أعلى من بعض مثل الدرج إلى أعلاها و وسطها فارغ مستدير متسع فيجلس الناظرون على تلك الكراسي بحيث لا يحجب بعضهم بعضا عن النظر إلى وسطها و يفتحون بابا يخرجون منه إلى ذلك الوسط بلعبة …و أول ما أخرجوا هناك رجلا راكبا على فرس أنثى يجريها في وسط تلك الدائرة فتجري أشد الجري، داشرة مثل الدابة التي تدير الرحا و أوقفوا له في طريقه بابا من عود في طولها أزيد من قامة إنسان فأجرى تلك الفرس حتى وصلتها فوثبت ومرت من فوقها و لم يمسها منها شيء، ثم في الثانية أوفقوا ما بين متحاديين و جعلوا بينهما قدر الدراع…

يبدو  جلياً  انِدهاش الأنا المغربية من مكانة أبي الفنون،  الشيء الذي  جعله يحظى باهتمام بليغ و وصف دقيق للمكان  الأدوار.

[1] رحلة إلى فرنسا، بلجيكا، إنكلترا، إيطاليا 1876، تحقيق عز العرب معنينو، الطبعة الأولى 2004 ، دار السويدي، ص 301

[2] تحفة الملك العزيز بمملكة باريز ادريس العمراوي ، تقديم و تعليق زكي مبارك،  مؤسسة التغليف و الطباعة و النشر و التوزيع للشمال، ص 91.90.89

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *