خارج الحدود

من هو “قيصر” سوريا الذي شغل الناس وفضح نظام الأسد؟

“القيصر” لقب أطلق على عسكري سوري سابق انشق عن النظام وسرّب عشرات آلاف الصور لضحايا التعذيب من المدنيين السوريين، اعتمدت عليها لجنة التحقيق الدولية المكلفة ببحث جرائم الحرب في سوريا لإثبات وقوع فظاعات على يد النظام السوري.

المولد والنشأة

لا أحد مطلع على تفاصيل حياة “القيصر” ونشأته بسبب الاحتياطات الأمنية التي يتخذها حفاظا على حياته.

الوظائف والمسؤوليات

عمل “القيصر” مجندا بالجيش السوري مكلفا بالتقاط صور في الأماكن التي جرت فيها جرائم مدنية. ومنذ اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، كلف بتصوير جثث المدنيين من ضحايا التعذيب والقتل على يد النظام السوري.

تسريب الصور

منذ اندلاع الثورة السورية، لم ينفك النظام السوري يقصف مدنا وقرى بالصواريخ والمدفعية الثقيلة مخلفا مئات آلاف الضحايا من القتلى والجرحى، بينما أجبر الملايين على النزوح واللجوء، في ما تصفها المعارضة بأنها عمليات قتل وتهجير ممنهجة ترقى إلى جرائم حرب.

وإذا كان القصف بالصواريخ والمدفعية والغازات الكيميائية والبراميل المتفجرة وغيرها وسائل قتل معروفة لدى السوريين، فإن السجون الممتلئة بالمواطنين كانت بعيدة عن الأعين، ولا يكاد أحد يعرف ما يدور داخلها باستثناء ما يروج على الألسن.

لكن كانت “للقيصر” كلمة أخرى، إذ عمل على تسريب عشرات الآلاف من صور القتلى من ضحايا التعذيب الذي تقوم به الأفرع الأمنية للنظام السوري، تفضح ما يجري داخل السجون، وتسلط الضوء على ما وصفت بأنها من أكبر الفظاعات التي عرفتها البشرية في تاريخها.

البداية كانت بعيد اندلاع الثورة السورية، حيث يحكي “القيصر” أن عمليات القتل دشنت خلال مظاهرات درعا السلمية، إذ نقلت إليهم الأجهزة الأمنية نحو 45 من جثث المتظاهرين السلميين إلى داخل المستشفى العسكري المعروف باسم 601، وقيل إنها جثث “المندسين” من درعا. وبعدها بدأت الأعداد في ازدياد مهول امتلأت معه ثلاجات حفظ الموتى في وقت قياسي، الأمر الذي دفع المسؤولين إلى إلقاء الجثث في أماكن مختلفة، بينها مواقف السيارات.

وبحسب القيصر، فكل جثة مكتوب عليها رقم التوقيف والفرع الأمني الذي اعتقله، وبعدها بثلاثة أيام أو أربعة يأتي الطبيب الشرعي لمعاينة الجثث التي تركت في العراء عرضة للقوارض والحشرات. وبعد أن يكبر العدد ويتجاوز المائتين أو الثلاثمائة، يتم جمعها وأخذها إلى أماكن مجهولة.

وبحسب القيصر، فإنه لا تُجمع سوى الجثث التي يأمر الطبيب الشرعي بجمعها بعد مراجعات بياناتها، بينما تجمع المخابرات بقية الجثث. وتبدو على جثث القتلى آثار التعذيب بالكهرباء والضرب المبرح، وتكسير العظام، والأمراض المختلفة وبينها الجرب، إلى جانب الغرغرينا والخنق.

وبين القتلى أطفال أعمارهم تترواح ما بين 12 و14 عاما، وشيوخ يتجاوز عمر بعضهم 70 عاما. وحكى القيصر أن بعض الآراء تذهب في اتجاه أن الجثث التي يتم نقلها تدفن في مقابر جماعية، بينما أشارت إشاعات غير مؤكدة إلى أن جثثا كثيرة يتم إحراقها في فرن خاص. ووصل عدد الصور المهربة إلى 55 ألف صورة، بمعدل أربع صور تحديدا لكل جثة.

القيصر شرح أن التقاط أجهزة النظام السوري صورا لجثث الضحايا كان بهدف إصدار وثيقة وفاة دون الحاجة إلى تبرير قانوني للعائلة، ثم التأكد من تنفيذ الضباط أوامر الإعدام التي صدرت لهم، وعدم إطلاق سراح أي معتقل لدى الأفرع الأمنية المختلفة.

وبحسب القيصر، فكل جثة تحمل رقما يحدد الفرع الأمني الذي اعتقله، والرقم الثاني يوضع على الجثة داخل المستشفى العسكري كنوع من التدليس على العائلات التي قد تعتقد أنه توفي بالمستشفى العسكري.

وعن قصة هروبه من سوريا، تشير الأنباء إلى أن القيصر خشي على سلامته الشخصية وسلامة أسرته بعد أن بعث بآلاف الصور إلى أحد معارفه الحقوقيين خارج سوريا، فقرر -بدعم من المعارضة السورية- الخروج من البلاد برفقة عائلته.

وفي وقت لاحق، نودي على “القيصر” بالكونغرس الأمريكي حيث عرض الصور على لجنة العلاقات الخارجية، في حين تم تشكيل فريق تحقيق دولي لبحث جرائم الحرب المرتكبة في سوريا، تأكد من مصداقية الصور.

ووجه “القيصر” خطابه إلى الكونغرس قائلا “جئت لأوجه رسالة لكم: الرجاء أوقفوا القتل في سوريا”، وأضاف “هناك مذابح ترتكب والبلاد تدمر دون رحمة.. هناك عشرة آلاف ضحية لن يعودوا إلى الحياة، كانت لهم أحلام وطموحات وعائلات وأصدقاء، لكنهم قضوا في سجون الأسد.. السوريون يطالبونكم بفعل شيء مثلما فعلتم في يوغسلافيا السابقة”.

وقد صادق مجلس النواب الأمريكي في نوفمبر 2016 بأغلبية ساحقة على مشروعي قانونين يفرض أحدهما إجراءات صارمة على داعمي النظام السوري، بينما جدد الآخر قانون العقوبات المفروضة على إيران منذ عقود، في انتظار أن يخطو الكونغرس الخطوة ذاتها، ليصادق بعدها أوباما على مشروع القانون.

واتهم نواب المجلس حكومة الرئيس السوري بشار الأسد بارتكاب جرائم حرب، بينما تشهد أعداد القتلى جراء العنف الدائر في البلاد زيادة مطردة. ووفقا لمشروع القانون الخاص بسوريا، فإن آلة الحرب الطاحنة المستمرة بعد نحو ست سنوات على اندلاع الثورة، أودت بحياة نحو نصف مليون شخص تقريبا.

ويهدف الإجراء -حسب بيان الكونغرس- إلى وقف المذبحة التي يتعرض لها الشعب السوري، وحمل التشريع الأمريكي اسم “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين” نسبة لاسم “القيصر”.

الجزيرة.نت