منوعات

10 ملايير شخص هي الطاقة الاستيعابية للأرض .. إليك ما يقوله العلماء

منذ أن أطلق الاقتصادي البريطاني، توماس مالتوس، نظريته حول مستقبل البشرية على الأرض في القرن 18، والذي رآه متشائما بالنظر إلى عدم التناسب بين الزيادات السكانية المتوقعة ومحدودية الموارد الطبيعية، والجدل محتدم بين مختلف الاتجاهات الفكرية والاقتصادية والسياسية حول طبيعة تلك العلاقة.

وبعيدا عن المنطق الذي يفسر النظريات في هذا الجانب باستهداف فئة من البشر، ومحاولة الحد من ازديادهم، فإن سؤال العدد المثالي من البشر الذي يمكن للأرض فعلا تحملهم يفرض نفسه من الناحية العلمية.

ويفرض ذلك السؤال نفسه اليوم مع ظهور مؤشرات حساسة حول تأثيرات الكتلة البشرية البالغة اليوم زهاء 8 ملايير من البشر على كوكب الأرض، وخاصة ما يتعلق بمستقبله البيئي، ويتحدث بعض العلماء عن أن العدد المثالي لحجم البشر على الأرض هو في حدود 10 ملايير شخص.

فما هي خلفيات إثارة سؤال العدد المثالي للبشر على الأرض اليوم؟ وهل يمكن فعلا لنمو البشر أن يدفع كوكب الأرض إلى حدوده القصوى؟ وهل للأرض حدا أقصى لإنتاج الكفاف للبشر؟ وما يقول العلماء حول هذه القضية الحساسة؟ والأهم هل من الممكن أن تكون رؤية مالتوس للمستقبل صحيحة؟

نظرية توماس مالتوس

“رغبة البشر الجامحة في التكاثر ستؤدي في النهاية إلى زيادة عدد سكان الكوكب والتهام جميع موارده والموت في مجاعة جماعية” هكذا جادل توماس مالتوس، الفيلسوف والباحث السكاني والاقتصادي البريطاني، في أواخر القرن الـ18 في مقال له حول رؤيته المتشائمة لمستقبل البشرية، حسب الجزيرة نت.

وحسب نفس المصدر، يرى البعض، ومنهم السير ديفيد أتينبورو، المذيع البريطاني ومؤرخ الطبيعة الشهير، أن الحشود البشرية مثل “طاعون على الأرض”، حيث يمكن إرجاع كل مشاكل الطبيعة حاليا تقريبا من تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والإجهاد المائي والصراعات على الأرض إلى الزيادة السكانية على مدى القرون القليلة الماضية.

وجاء في موقع “ذا كونفرسيشن” The Conversation كذلك أن البشر يستهلكون ويلوثون موارد الأرض، مثل طبقات المياه الجوفية والغطاء الجليدي والتربة الخصبة والغابات ومصايد الأسماك والمحيطات، التي تراكمت عبر الزمن الجيولوجي خلال عشرات الآلاف من السنين أو أكثر. كما استعمر الإنسان كل موطن تقريبا على الكوكب ووصل تأثيره حتى لأبعد الزوايا.

ففي عام 2018 وجد العلماء كيسا بلاستيكيا عند أعمق نقطة في المحيط في قاع خندق ماريانا على عمق 10 آلاف و898 مترا، بينما اكتشف فريق آخر مؤخرا ما يطلق عليه “مواد كيميائية أبدية” من صنع الإنسان على جبل إيفرست، فلم يعد هناك جزء من العالم نقي بسبب ما يقوم به الإنسان من أنشطة.

تطور وتيرة مضاعفة عدد البشر عبر التاريخ  

ذكر موقع بي بي سي bbc، أنه في العام 1994 عندما كان عدد سكان العالم 5.5 مليارات فقط، قدر فريق من الباحثين من جامعة ستانفورد في كاليفورنيا أن الحجم المثالي المفترض لسكان الأرض هو بين 1.5 و2 مليار نسمة.

ورغم أن الجدل حول العدد المثالي للأشخاص على هذا الكوكب لا ينتهي، فالعديد من العلماء يعتقدون أن الأرض لديها قدرة استيعابية قصوى من 9 مليارات إلى 10 مليارات نسمة.

في الوقت الحالي يعيش ما يقرب من 8 مليارات شخص على الأرض، ووفقا لقسم السكان في الأمم المتحدة فإننا في طريقنا إلى بلوغ 9 مليارات بحلول عام 2050 و10 مليارات بحلول عام 2100.

لم يكن كوكبنا مزدحما بهذا الشكل من قبل، وفقا لموقع لايف ساينس العلمي Livescience، فإنه منذ حوالي 300 ألف عام، عندما ظهر الإنسان العاقل لأول مرة على الأرجح، كان إجمالي عدد سكان الأرض صغيرا بين 100 و10 آلاف شخص. ومن ثم استغرق الأمر ما يقرب من 35 ألف عام حتى يتضاعف العدد.

يقول جويل إي كوهين، عالم الأحياء السكانية ورئيس مختبر السكان في جامعة روكفلر وجامعة كولومبيا في مدينة نيويورك (The Rockefeller University and Columbia University in New York)، إنه بعد اختراع الزراعة منذ نحو 15 ألفا إلى 10 آلاف سنة، كان هناك ما بين مليون و10 ملايين فرد على الأرض، واستغرق الأمر 1500 سنة حتى تضاعف العدد.

وبحلول القرن الـ16، انخفض الوقت اللازم لتضاعف عدد السكان إلى 300 عام. وبحلول مطلع القرن الـ19، استغرق الأمر 130 عاما فقط. ومنذ عام 1930 وحتى عام 1974 تضاعف عدد سكان الأرض مرة أخرى في 44 عاما فقط.

قدرة الأرض المحدودة

وفقا لموقع “إن بي سي نيوز” NBCnews، فإنه بصرف النظر عن الكمية المحدودة المتوفرة من المياه العذبة، فإنه يوجد بالفعل حد لكمية الغذاء التي يمكن أن تنتجها الأرض، تماما كما جادل الفيلسوف مالتوس منذ أكثر من 200 عام.

كتب إدوارد ويلسون، عالم الأحياء الاجتماعية البارز بجامعة هارفارد (Harvard University)  في كتابه “مستقبل الحياة ” (The Future of Life)، أنه “إذا وافق الجميع على أن يصبحوا نباتيين ولم يتركوا سوى القليل أو لا شيء للماشية، فإن 3.5 مليارات فدان حاليا من الأراضي الصالحة للزراعة ستكفي لحوالي 10 مليارات شخص”.

وأوضح أن 3.5 مليارات فدان ستنتج ما يقرب من ملياري طن من الحبوب سنويا، وهو ما يكفي لإطعام 10 مليارات شخص، لكنه لن يطعم سوى 2.5 مليار من الحيوانات آكلة اللحوم، لأن الكثير من النباتات مخصصة للماشية والدواجن.

لذا فإن 10 مليارات شخص، في نظره، هو الحد الأقصى للسكان الذين يمكن أن تتحمل الكرة الأرضية إطعامهم. ونظرا لأنه من غير المحتمل للغاية أن يوافق الجميع على التوقف عن تناول اللحوم، يعتقد ويلسون أن الحد الأقصى للقدرة الاستيعابية للأرض استنادا إلى الموارد الغذائية من المرجح ألا يصل إلى 10 مليارات.

من جهته، يقول كوهين إنه توجد بعض العوامل البيئية الأخرى التي تحد من القدرة الاستيعابية للأرض مثل دورة النيتروجين والكميات المتاحة من الفوسفور وتركيزات الكربون في الغلاف الجوي، ولكن هناك قدرا كبيرا من عدم اليقين في تأثير كل هذه العوامل.

جدير بالذكر أيضا أن البلدان الغنية تستهلك موارد بما لا يتناسب مع عدد سكانها. وفقا لمعهد الأبحاث البيئي “ورلد وتش إنستيتيوت” (World watch Institute)، يتيح كوكب الأرض 1.9 هكتار من الأرض لكل شخص لزراعة الأغذية والمنتجات المستخدمة في صناعة الملابس وفي الأنشطة الأخرى مثل التدفئة وغيرها، في حين يستهلك الشخص الأميركي العادي حوالي 9.7 هكتارات.

وتشير هذه البيانات وحدها إلى أن الأرض يمكن أن تتحمل على الأكثر خُمس السكان الحاليين، أي 1.5 مليار شخص بمستوى معيشي أميركي.

وفقا لموقع كونفرسيشن، فإنه إضافة إلى الطعام فإن الماء أمر مهم جدا بالنسبة لجميع الكائنات الحية، فمن الناحية البيولوجية يحتاج الإنسان البالغ إلى أقل من 1 غالون (حوالي 4 لترات) من الماء يوميا، إلا أنه في العام 2010 على سبيل المثال استهلك كل فرد في الولايات المتحدة أكثر من ألف غالون (4 آلاف لتر) ماء يوميا، تم توزيعها كالتالي: النصف لتوليد الكهرباء والثلث للري وحوالي العُشر للاستخدام المنزلي.

وبالتالي إذا استهلك سكان الأرض المياه بالمستويات الأميركية، فإن الاستخدام العالمي سيتجاوز 10 آلاف كيلومتر مكعب في السنة، في الوقت الذي يبلغ إجمالي الإمداد العالمي من بحيرات وأنهار المياه العذبة حوالي 91 ألف كيلومتر مكعب.

وتظهر أرقام منظمة الصحة العالمية أن 2.1 مليار شخص يفتقرون إلى إمكانية الحصول على مياه الشرب الآمنة بالفعل.

مرحلة نهاية الزمان

إن عدد الأشخاص الذين يمكن أن يتحملهم كوكب الأرض من الصعب أن يكون رقما ثابتا، لأنه يعتمد على الطريقة التي ينتج بها البشر ويستهلكون الموارد الطبيعية. فقد وجدت إحدى الدراسات المنشورة في مجلة “بروسيدينغس أوف ذا ناشونال أكاديمي أوف ساينس” (Proceedings of the National Academy of Sciences)، أنه إذا تحول سكان الولايات المتحدة إلى نظام غذائي نباتي فإن ذلك يعادل إطعام 350 مليون أميركي بالإضافة إلى العدد الحالي.

خلاصة الأمر، أنه بحسب العلماء قد يكون هناك حد أقصى لعدد البشر الذين يمكن أن تتحملهم الأرض، لكننا لا نعرف بالضبط ما هذا الرقم، لأنه يختلف بناء على كيفية إنتاجنا واستهلاكنا وإدارة مواردنا.

لكننا لحسن الحظ، قد نكون بمنأى عن دخول مرحلة نهاية الزمان بسبب الاكتظاظ السكاني والمجاعة التي تصورها مالتوس. فوفقا لقسم السكان في الأمم المتحدة فإنه رغم كوننا في الطريق إلى عدد سكان يبلغ 9 مليارات بحلول عام 2050 و10 مليارات بحلول عام 2100، فإن تقديراتها لاتجاهات السكان العالمية تظهر أن العدد سيتضاءل بعد ذلك.

يقول غيرهارد هيليغ، رئيس قسم التقديرات والتوقعات السكانية في الأمم المتحدة، إن البيانات التجريبية من 230 دولة منذ عام 1950 تظهر أن الغالبية العظمى لديها انخفاضات في الخصوبة.

على الصعيد العالمي ينخفض ​​معدل الخصوبة إلى “مستوى الإحلال”، أي طفلين تقريبا لكل امرأة، وهو المعدل الذي يحل فيه الأطفال محل والديهم، وإذا وصل معدل الخصوبة العالمي بالفعل إلى مستوى الإحلال بحلول نهاية القرن، فسوف يستقر عدد السكان بين 9 مليارات و10 مليارات.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *