منوعات

سابقة .. هايتي تطلب مساعدة دولية لمواجهة العصابات الإجرامية

تقدم حالة دولة هايتي صورة عن المدى الخطير الذي يمكن للمنظمات الإجرامية أن توصل إليها دولة قائمة الأركان.

وتعد دعوة هايتي المجتمع الدولي للتدخل العاجل لحمايتها من سطوة العصابات الإجرامية المسلحة سابقة في تاريخ صراع الدول مع المجرمين فيها، لكنها تكشف أيضا كيف يمكن للإجرام أن يتحول إلى قوة تعجز الدولة عن احتوائه، مما قد يحول المجرمين إلى دولة داخل الدولة.

وتستنجد دولة أول ثورة للعبيد بالمنتظم الدولي لإنقاذها من تفاقم المنظمات الاجرامية المسلحة، وقد عانت ويلات الانقلابات والصراعات المسلحة عبر تاريخها، كما عانت الاستعمار، فهل يحل المجتمع الدولي إحدى أعقد مشكلات أمن الدول الداخلية؟

دعوة رسمية للمنتظم الدولي من أجل التدخل

حسب الجزيرة نت، طلبت هاييتي مساعدة دولية للتصدي للعصابات الإجرامية التي تسبب أزمة أمنية تعجز الشرطة عن احتوائها، وفق ما أفاد سفيرها في الولايات المتحدة بوكشيه إدمون لوكالة الصحافة الفرنسية.

وقال إدمون على هامش الجمعية العامة لمنظمة الدول الأميركية في ليما “أستطيع أن أؤكد أننا طلبنا المساعدة من شركائنا الدوليين”، مضيفا “هذه قضية أمنية لا تستطيع شرطتنا الوطنية التعامل معها بمفردها”.

وأكد الدبلوماسي أن المساعدة طُلبت رسميا، وأن هاييتي تنتظر “المجتمع الدولي والشركاء الدوليين ليقرروا الشكل الذي ستتخذه”.

وتبنّى مجلس الوزراء الهاييتي قرارا يمنح رئيس الوزراء أرييل هنري تفويضا “بالالتماس والحصول من شركاء هاييتي الدوليين على دعم فعال عبر النشر الفوري لقوة مسلحة متخصصة بأعداد كافية لوقف الأزمة الإنسانية في أنحاء البلاد، الناتجة من بين أمور أخرى عن انعدام الأمن الناجم من الأعمال الإجرامية للعصابات المسلحة ورعاتها”.

من جهته، قال الأمين العام لمنظمة الدول الأميركية لويس ألماغرو -عبر تويتر- إنه ينبغي لهاييتي أن تطلب “مساعدة عاجلة” من المجتمع الدولي “لحل الأزمة الأمنية”. وأكد أنه كرر ذلك في اجتماعه مع وزراء خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن، وكندا ميلاني جولي، وهاييتي جان فيكتور جينوس.

وقال بلينكن عبر تويتر إنه التقى في ليما نظيره الهاييتي، وأكد له “الدعم الثابت” للولايات المتحدة، وأضاف وزير الخارجية الأميركي “نظل ملتزمين بمساعدة هاييتي على استعادة الأمن والنظام الديمقراطي حتى يكون لكل الهاييتيين مستقبل أفضل”

وتشهد هاييتي أعمال شغب ونهب واحتجاجات منذ أعلنت الحكومة رفع أسعار البنزين في سبتمبر/أيلول، وتعاني الشرطة الهاييتية من ضعف إمكاناتها منذ أعوام، ويبلغ عدد قواتها نحو 10 آلاف عنصر فقط.

هاييتي دولة أول ثورة للعبيد في العالم

في السابع من يوليو/تموز 2021 استيقظ العالم على نبأ اغتيال رئيس هاييتي، جوفينيل مويس، في منزله على أيدي مجموعة مسلحة تضم أجانب، حسب ما أعلن رئيس الوزراء الانتقالي كلود جوزيف حينها.

وجزيرة هيسبانيولا (هاييتي)، حسب الجزيرة نت، اسم مشتق من كلمة هندية تعني الأرض المرتفعة، وهي إحدى بلدان البحر الكاريبي في أميركا اللاتينية التي وصلها كريستوفر كولمبوس عام 1492، وأسس هناك مستعمرة إسبانية، احتلتها فرنسا عام 1626، واعترفت إسبانيا بهذا الاحتلال عام 1679.

طوّر الفرنسيون المستعمرة الجديدة، وأطلقوا عليها اسم “سان دومينغو”، وجعلوها أغنى مستعمرة في البحر الكاريبي، وجلبوا إليها أعدادًا كبيرة من الأفارقة، للعمل في مزارع البن والتوابل.

وبحلول عام 1788 كان عدد الأفارقة يربو على نصف مليون نسمة، أي ما يعادل 8 أضعاف المستعمرين الفرنسيين أنفسهم.

وفي عام 1791، خلال اشتعال الثورة الفرنسية، ثار الأفارقة على الفرنسيين، ودمّروا المزارع والمدن، واستولى توسان لوفتير -أحد زعماء الأفارقة- على السلطة.

وبعد أن تولى نابليون الأول الحكم في فرنسا عام 1799، أرسل جيشًا إلى هاييتي، لاستعادة الحكم الفرنسي مرة أخرى، فاعتقل الجيش توسان، وزُجّ به في السجن، ثم أُرسل إلى فرنسا.

غير أن كثيرًا من أفراد الجيش الفرنسي وقعوا صرعى الحمى الصفراء، فتمكن الثوار عام 1803 من هزيمة الجيش، وفي مطلع يناير/كانون الثاني 1804، أُعلن استقلال البلاد، وإقامة دولة تحمل اسم “هاييتي”، البلد الوحيد الذي استقل إثر ثورة قادها العبيد.

نزاعات مستمرة

منذ الاستقلال، حسب نفس المصدر، وهاييتي تغرق في حروب ونزاعات سياسية مستمرة، إذ تولى حكمها 32 حاكمًا، خلال الفترة من 1844 حتى عام 1915.

وهاييتي التي أصبحت تحت حماية الولايات المتحدة بين عامي 1905 و1934 تعدّ واحدة من أفقر الدول في النصف الغربي من الكرة الأرضية.

فبعد نحو 3 عقود من الحكم الدكتاتوري والعسكري انتُخب جان بيرتراند أريستيد، وهو قس سابق، رئيسًا للجمهورية عام 1990، ولكن سرعان ما استولى العسكريون على السلطة مرة أخرى.

وعام 1994 تمكن أريستيد من العودة إلى الحكم مرة أخرى، بعد أزمة عنيفة اجتاحت البلاد، وتدخلٍ مباشر من الولايات المتحدة الأميركية.

وهاييتي التي استقلت قبل 217 عامًا شهدت أول انتقال سلمي للسلطة في السابع من فبراير/شباط 1996، إذ خلف رينيه بريفيال، أريستيد الذي عاد إلى الحكم مرة ثالثة عام 2001، واستمر حتى عام 2004، إثر اندلاع تمرد مسلح نتج عنه استقالته ونفيه خارج البلاد في فبراير/شباط 2004.

وبعد حقبة من الصراع المسلح في هاييتي، أنشأت الأمم المتحدة مطلع يونيو/حزيران 2004 بعثة متعددة الجنسيات لبسط الأمن والاستقرار في البلاد التي لا تمتلك جيشا وطنيا حتى اليوم.

وفي 2004 أيضا شُكلت حكومة انتقالية تولت السلطة وعملت على تنظيم انتخابات جديدة تحت إشراف “بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في هاييتي”.

وتسبب استمرار العنف في تأجيل الانتخابات حتى عام 2006، إذ انتُخب الرئيس رينيه بريفيال في مايو/أيار 2006، ليعود لحكم البلاد مرة ثانية واستمر حتى عام 2011، تولى بعده الحكم ميشال مارتيلي الذي تنحى في فبراير/شباط 2017، ليتولى بعده جوفينيل مويس الذي كان يعمل في مجال تصدير الموز قبل أن يتحول إلى السياسة واغتيل اليوم الأربعاء السابع من يوليو/تموز 2021.

إعصار ماثيو

وفي 2010 وقع زلزال مدمر في هاييتي بقوة 7 درجات على مقياس ريختر أدى إلى تسوية أجزاء كثيرة من العاصمة بالأرض.

بعد ذلك بنحو 6 سنوات اجتاح هاييتي إعصار ماثيو في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول 2016، فأودى بحياة نحو ألف شخص وترك أكثر من 1.4 مليون آخرين بحاجة إلى مساعدات إنسانية بينهم 175 ألفا شرّدوا.

وعقب الإعصار بأيام، وفي 15 أكتوبر/تشرين الأول 2016 اضطر مواطنون من هاييتي يعانون الجوع والمرض إلى الانقضاض على شاحنات للأمم المتحدة في أثناء زيارة قصيرة قام بها الأمين العام للمنظمة الدولية وقتئذ بان كي مون.

وتسببت السيول التي رافقت الإعصار في موجة جديدة من الإصابات بمرض الكوليرا، وخلصت دراسات علمية عديدة إلى أن ظهور مرض الكوليرا بهاييتي يرجع إلى قاعدة في ميرباليه يستخدمها جنود حفظ السلام النيباليين وتبعد نحو ساعة عن العاصمة، وأن سلالة الكوليرا تتطابق مع سلالة مزمنة في نيبال.

الاقتصاد

يعيش 80% من السكان تحت خط الفقر، 54% منهم في فقر مدقع، ويعتمد نحو ثلثي السكان على الزراعة، وأهم الحاصلات الزراعية هي البن وقصب السكر، والأرز، والذرة، والكاكاو، والبطاطا الحلوة والموز، والقطن.

وفي هاييتي موارد طبيعية مثل الرخام والحجر الجيري والبوكيست والنحاس.

وزادت حركة تصدير الملابس والاستثمارات أخيرا بعد ارتباط الاقتصادي الهاييتي بالاقتصاد الأميركي، بتوقيع اتفاقية ايجاد فرص اقتصادية في نصف الكرة الغربي وتشجيع المشاركة الاقتصادية، في ديسمبر/كانون الأول 2006.

وساعدت هذه الاتفاقية على حرية وصول منتجات هاييتي إلى الأسواق الأميركية برسوم جمركية قليلة، كما وقعت اتفاقية، في أكتوبر/تشرين الأول 2008، زادت صادرات قطاع الملابس.

ويحقق قطاع الملابس ثلثي صادرات هاييتي، وتقريبًا عُشر إجمالي الناتج المحلي، أما التحويلات المالية الخارجية فتُعدّ المصدر الرئيس للعملة الأجنبية، وتعادل ربع إجمالي الناتج المحلي، وأكثر من ضعف قيمة صادرات البلاد.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *