مجتمع

“اللانش بوكس” بالمغرب.. هل تحول إلى “تباه” داخل المدارس؟ 

مع الدخول المدرسي، لا حديث داخل المجموعات النسائية، على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا على “اللانش بوكس” أو ما يعرف عند المغاربة بـ”علبة الطعام”، التي يأخذها التلاميذ معهم، إلى المدرسة من أجل تناول مكوناتها خلال وجبة الغذاء.

وخلق مشاركة بعض الأمهات، صوراً توثق محتويات “اللانش بوكس” الخاص بأبنائهن، نقاشاً مجتمعياً وسط مستعملات المنصات الاجتماعية، بين من اعتبرت مكوناتها “مضرة بصحة الأطفال” وبين من تقول إنها “طريقة لإبراز الوجاهة الإجتماعية”.  

من وجبة غذائية عادية إلى تباهٍ اجتماعي

أدى اعتماد نظام “التوقيت المستمر” بالمغرب، إلى ظهور ثقافة “اللانش بوكس”، حيث تضطر بعض الأمهات لتحضير الأكل لأطفالهن، الذين يتناولون وجبة الغذاء داخل مؤسساتهم التعليمية، عكس أبناء المدرسة العمومية.

إلا أن هذه الثقافة الجديدة، حسب عادل غزالي، أستاذ وباحث في علم النفس الاجتماعي بجامعة الحسن الثاني، تحوَلت من وجبة غذائية عادية إلى تباهٍ اجتماعي أمام الآخرين”، معتبراً أن “هذه التصرفات غير العقلانية تخلق نوع من الحزازات بين التلاميذ”.

وأضاف عادل غزالي، في تصريح لجريدة “العمق”، أن “رغم أن هدف المدرسة هو عدم تكريس الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين التلاميذ، إلا أنها تحولت إلى أحد مظاهر التفاخر، على اعتبار أن بعض الأسر أصبحت تختار مؤسسة دون غيرها لتأكيد انتمائها لطبقة اجتماعية معينة”. 

وسجل غزالي أن “هذا السلوك الاجتماعي كان مقتصراً على اللباس والمدرسة ووسيلة النقل، إلا أنه امتد إلى الوجبات الغذائية”، بعد حدوث تغيير في نمط عمل الأزواج”، مشيرا إلى أن “مكونات بعض المأكولات تعتبر تهديدا لسلامة وصحة الأطفال”. 

هيمنة ثقافة الاستهلاك على المغاربة

اعتبر الباحث في علم النفس الاجتماعي بجامعة الحسن الثاني، أن “ثقافة الاستهلاك تهيمن على المجتمع المغربي على غرار عدد من المجتمعات، بحيث تغيب العقلانية الاقتصادية ويعوضها نوع من الخضوع إلى سلطة المجتمع”.

وربط هذا التحول بـ”التمثلات الاجتماعية التي تتحكم في طريقة استهلاك الأشخاص”، مستدلا بمثال “الأشخاص الذين يقومون بتصوير الأكل بالمطعم ويشاركونه على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل إظهار صورة معينة عن حياتهم الخاصة”. 

وتابع بالقول إن “تصوير طبق معين لا يبرز قيمته الغذائية بل هو طريقة لمعرفة آراء الآخرين عن شخصية صاحب هذا التصرف”، مبرزا أن “هذا السلوك يستغله أصحاب المحلات من أجل الترويج لمنتوج معين اعتمادا على هذه الظواهر الاجتماعية من أجل جني أرباح هائلة”. 

تبعات نفسية على التلميذ

“اللانش بوكس”، قد يسبب مشاكل نفسية للتلاميذ، لكونه يكرس ثقافة التمييز الطبقي، ويخلق حزازات بين المتمدرسين، داخل أقسام المدرسة، وقد تصل إلى درجة إجبار أسرهم على منحهم نفس مكونات أقرانهم، الذين يحضرون وجبات بمعايير معينة. 

وفي هذا الصدد، سجل أستاذ علم النفس الاجتماعي عادل غزالي أن “هناك تبعات نفسية واجتماعية على العلاقات الاجتماعية والمناخ العام للتعلمات التي يسود فيها التركيز على المظاهر والتفاهات عوض التحصيل الدراسي”.

واعتبر أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة الحسن الثاني أن “هذه التصرفات الصادرة عن بعض الأسر تمنح المتعلم إحساساً مغلوطاً حول كفاءته وقدراته، حيث يخلط بين مستواه المعرفي والأخلاقي وبين انتماء أسرته الطبقي أو الاجتماعي”.

أخصائيو التغذية يحذرون

وبعيداً عن تحوَل “اللانش بوكس” إلى وسيلة للتفاخر بين الأسر المغربية، يرى أخصائيو التغذية أن مكونات هذه الوجبة الغذائية، أصبحت تحمل أضرارا خطيرة على الصحة، لكون أن بعض الأمهات تقدم لأبنائها مأكولات لا تراعي طبيعة سنهم. 

وفي هذا الجانب، قال يونس الزاهري، أخصائي التغذية والحمية، بمستشفى بني ملال، إن “بعض الأمهات يعدون وجبات غير مفيدة لأطفالهن، وهو ما قد يؤثر على صحتهم، خصوصاً هؤلاء الذين يعانون من أمراض مزمنة”. 

وأبرز يونس الزاهري، في تصريح لـ”العمق”، أن “الأمر لا يتوقف على نوعية الأغذية فقط، بل كذلك على العلبة البلاستيكية التي تستعمل لحفظ الأكل”، موضحا أن “بعض العلب تتكون من بلاستيك ضار بالصحة”، داعيا إلى استعمال “البلاستيك الذي يحمل رقم 5”.  

ويرى أن “الأمهات يخترن الحلول السهلة بشراء الأطعمة المعلبة أو الجاهزة التي تحتوي على مواد حافظة ودهنيات وسكريات بنسب كبيرة لا تتناسب مع صحة الطفل”، مشدداً على “عدم وضع المأكولات الساخنة والباردة في علبة واحدة”.

نصائح لـ”لانش بوكس” صحية

قدَم أخصائي التغذية، يونس الزاهري، نصائح قيمة للأمهات، من أجل تقديم وجبة غذائية مفيدة لصحة الأطفال، وفي هذا الصدد، قال إن “من الضروري إطعام الأطفال بمأكولات تحتوي على سكريات طبيعية مثل التمر والزبيب”.

وأكد يونس الزاهري على ضرورة “منح الأطفال أطعمة غنية بالألياف مثل الخضر والفواكه، بالإضافة إلى خبز مصنوع من نخالة القمح والخميرة البلدية، كما يمكن تقديم معجنات مصنوعة من القمح الكامل أو الأرز البني أو الشوفان”. 

وشدد الزاهري على أهمية توفر “اللانش بوكس” على الألياف الغذائية بنسبة 30 غرام في اليوم لتفادي الإمساك”، ناهيك عن الدهنيات الجيدة لكونها تمنح الطاقة للجسم وتساعد في التقليل من الإصابة بمجموعة من الأمراض”.

وأشار خبير التغذية إلى أن “التعامل الخاطئ مع “اللانش بوكس”، قد يؤدي إلى إصابة الأطفال بمشاكل صحية مثل السمنة والسكري وسوء التغذية”، كما يمكن أن يؤثر على قدرتهم على التركيز خلال الحصص الدراسية”. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *