وجهة نظر

المسيرة الخضراء والدرس المغربي

إن الاحتفال بذكرى المسيرة الخضراء واجب وطني وحضاري وسياسي. لأنه ارتبط بتجربة نوعية على مستوى استرجاع أقاليمنا الجنوبية، وبسط مشروع حضاري نفض الغبار على التاريخ، وأسس لمنظومة مازالت تشق طريقها نحو التقدم والتميز. إن 6 نونبر 1975 وليد قرار شجاع وجريء اتخذه الراحل الحسن الثاني رحمه الله، من أجل تشكيل مسيرة خضراء مكونة من 350 ألف نسمة متطوعة من أجل تحرير أقاليمنا الجنوبية. إنها تعبئة للجميع من أجل مصلحة الجميع.

لقد أشرت محكمة لاهاي في السبعينات على أن مناطقنا الجنوبية كانت عامرة بالساكنة التي تربطهم بالسلاطين المتعاقبة البيعة والولاء. وهذه الاستشارة صادرة عن الشرعية الدولية. مما جعل المغرب يعقد لقاء ثلاثيا جمع المغرب واسبانيا وموريتانيا وتم التفاهم بينهم. ومن تم ذهبت المسيرة الخضراء بنظام وانتظام من أجل معانقة إخواننا بأقاليمنا الجنوبية والسجود على رمالها والتأكيد للعالم أننا دخلنا إلى بلادنا واسترجعنا أقاليمنا. إذا حي على الجهاد الأكبر بعد الانتهاء من الجهاد الأصغر. أي جهاد التنمية وعمارة الأرض تحت السيادة المغربية كما هو بارز نقلا وعقلا.

إن المتطوعين في المسيرة كانوا يحملون القرآن الكريم، والراية المغربية، وصورة جلالة الملك الراحل الحسن الثاني. وهذه إشارات سيميائية تختزل ثوابت الأمة: الدين الإسلامي السمح، والملكية الدستورية، والوحدة الوطنية والترابية.

وبتربع جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، انطلق الجهاد التنموي، لإتمام ما سبق تشييده سابقا. باعتبار أن المغرب أنهى قضية الاستعمار الاسباني لأقاليمنا الجنوبية. ورغم هذا فالمغرب ظل متعاونا مع المنتظم الأممي من أجل تأكيد الحل السياسي لأقاليمنا الجنوبية، وإثبات حسن النية المغربية، قدم المغرب مبادرة مشروع الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية تحت السيادة المغربية على أراضيه. وهذا شق متنور من جهة المغرب، مقابل شق مظلم تتزعمه للأسف الجارة الجزائر، التي أعلنت عن تشكيل «دولة وهمية” تخرق كل المواثيق الدولية. هدفها الركوب عليها للوصول إلى أهدافها الخاصة.

والدلالة السيميائية الثانية بعد التحرير الرفع من وتيرة الاختيار التنموي. خاصة عندما أعلن جلالة الملك محمد السادس عن نموذج تنموي لأقاليمنا الجنوبية سنة 2015. حيث تمت ثورة تنموية نفخت الروح في المسيرة الخضراء التي استهدفت التحرير، ومن تم وقع العناق بين تحرير الأرض والتحرر التنموي. وبرز هذا في تشييد الطرقات، والمستشفيات والمطارات، والموانئ، والطاقات البديلة، والمؤسسات التعليمية والجامعية والمناطق الصناعية، والسمعي والبصري، والتقدم الرقمي، وغيرها كثير والتي كلفت ميزانية تجاوزت 80 مليار درهم. فأصبحت أقاليمنا الجنوبية قبلة إقليمية وعالمية.

وكون المغرب متشبث بتأكيد الحل الساسي كما سبقت الإشارة إليه، فقد استمر العمل الدبلوماسي عمليا من أجل إثبات ما يصبو إليه المغرب. ومن الإبداعات في هذا المجال دبلوماسية القنصليات التي انطلقت منذ2019، حيث شرعت مجموعة من الدول فتح قنصليات داخل أقاليمنا الجنوبية خاصة بالعيون والداخلة. والتي بلغ عددها اليوم 30 قنصلية. تشكل دول القارة الإفريقية منها نسبة 40 في المئة. لذلك دعا ملتقى “ميدايز” الدولي بطنجة إلى طرد الجمهورية الوهمية من الاتحاد الإفريقي. لأنها تفتقر إلى الشروط القانونية التي يؤكد عليها القانون الدولي. وهذا ما أكد عليه جلالة الملك بتصحيح الخطأ التاريخي.

والدلالة السيميائية الثالثة هو اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء وسيادته على ترابه. وتقدر الدول التي تقر بالمبادرة المغربية لمشروع الحكم الذاتي على مستوى الأمم المتحدة بأكثر من 80 في المئة. وتجتهد الدبلوماسية المغربية اليوم في مأسسة لقاء تنسيقيا بين كل القنصليات للتعاون على جميع المستويات. حتى يصبح هذا الملتقى ذا بعد استراتيجي لخدمة أمور متعددة. ويمكن أن نستحضر كذلك تأمين المغرب معبر الكركرارات الذي سيصبح موقعا استراتيجيا من أجل الربط بين القارة الأوربية والإفريقية.

ويمكن أن نوجز المكونات المهيكلة في أقاليمنا الجنوبية فيما يلي:

لقد أصبحت الأقاليم الجنوبية قطبا وقبلة إقليمية وعالمية، مما انعكس على عمل الشركات والمقاولات المغربية. وعلى البعد الاجتماعي بالتبع، إضافة إلى الاهتمام بالمجال التعليمي والتربوي. وتحفيز القطاع الخاص، والتنمية البشرية، المندمجة والمستدامة. وتثمين الغنى الطبيعي، والرأسمال غير المادي عبر البعد الثقافي. وبناء على المخطط الذي وضع بأمر ملكي، فإن هناك مشاريع انتهى إنجازها، وأخرى في الطريق، والثالثة تمت برمجتها، والمسلسل لم يتوقف لأن العملية مطردة ومستدامة.

وتم الاجتهاد في توظيف الالتقائية خدمة للاندماجية، والاستدامة. مع توظيف الطاقة البديلة، وإنعاش السياحة، والاستثمار العقلاني والمحكم للموارد الترابية والمالية وللفرص المتاحة، وتعميق التوجه الإفريقي بناء على علاقة رابح. رابح. ومبدأي التضامن والتعاون.

إذن مزيدا من إنتاج الثروة، وتوزيع عوائدها على الأقاليم الجنوبية وجميع الجهات الوطنية بالحكامة العادلة. والانطلاق الجيد والموضوعي للتنزيل الناجع للنموذج التنموي الجديد، واستمرار ورش الجهوية المتقدمة وتطويره. وتنويع الشراكات بين القطاعين الخاص والعام، والانفتاح على العالم انطلاقا من مبدأ رابح. رابح. مع استحضار الكفاءة والخبرة والخدمة العالية بغض النظر عن الهوية البصرية مع احترام الأفضلية الوطنية، خاصة وأن المغرب يعج بالفعاليات والخبرات العالية.

كل ما ذكرناه سابقا مرتبط برؤية رسم معالمها جلالة الملك في خطاباته السامية. وبذلك نلمس أن معظم المشاريع كانت مهيكلة. والتي تثير المتتبعين إقليميا ودوليا. نستحضر في هذا المقال المتواضع بمناسبة عيد المسيرة الخضراء: الطريق الرابط بين تزنيت والداخلة، والميناء الأطلسي بالداخلة، وأهميته التعبوية، إضافة إلى مشاريع مرتبطة بالفوسفاط. واللوجستيك المصاحب له. مما سيرفع من قيمة الاستثمار، وتنمية الكفاءات وتقوية إنتاج الأسمدة، وتطوير الصيد البحري.

إن الإقبال على الأقاليم الجنوبية مؤشر على التنمية السياحية والمشروعية السياسية، والرفع من الناتج القطاعي الخام. والتقليص من الفقر. ولا ننسى الاستثمار في جيل جديد من الفلاحة العصرية وانعكاساته الإقليمية، والعالمية. كل هذا مؤطر بالنمو الثقافي، وإحياء العادات والتقاليد، والفنون الغنائية والمسرحية وكل التمظهرات الثقافية لأقاليمنا الجنوبية وتقدم تموضعات الثرات.

نخلص مما سبق أن المسيرة الخضراء مدرسة راسخة في التاريخ والجغرافية والحضارة، إنها ملحمة خالدة، ومسيرة متواصلة، كما يؤكد جلالة الملك على ذلك في خطاباته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *