أدب وفنون

أبرز تاريخه.. خبير: الخط المغربي الصحراوي شاهد على مغربية الصحراء

خبير في الخط العربي

شدد الخبير في الخط العربي والخط المغربي محمد البندوري على أن الخط المغربي الصحراوي يعد شاهدا على وحدة المغرب الترابية، فهو دليل على أوجه الانتقال التاريخي للخط المغربي من دوره النفعي إلى المجال الجمالي، ثم إلى المجال الثقافي، حتى صار واجهة ثقافية تخدم القضية الوطنية بامتياز.

وأبرز البندوري في محاضرة أطرها ضمن فعاليات مهرجان مراكش للفنون، المنظم احتفاء بذكرى المسيرة الخضراء، أن رسائل البيعة التي كتبها قادة القبائل الصحراوية للسلاطين المغاربة كتبت كلها بالخط المغربي، مما يؤكد مغربية الصحراء كتابيا وتوثيقيا.

وأفاد أنه “استنادا إلى مجموعة من المخطوطات والنصوص المكتوبة بالخط المغربي ومنه الخط المغربي الصحراوي، فإن عددا من الوثائق والدلائل الخطية المغربية الصرفة، تعلل الكتابات الخطية المغربية بانصهارها في مجموعة من المقومات الاجتماعية والثقافية، لتثبت حزمة من الحقائق العلمية، استنادا إلى وثائق فكرية وثقافية، ومراسلات متنوعة، تؤكد أن الخط المغربي خدم المجال الثقافي المغربي في شموليته من البوغاز إلى الصحراء وبرهن على المجال الوحدوي المغربي”.

وأضاف الخبير أن “الخط المغربي الصحراوي هو واحد من بين الخطوط المغربية التي تعايشت فيما بينها وشكلت وحدة مغربية شاملة، بالنظر إلى ما تختزنه جميعها من ثقافة مشتركة وأسس فنية وروابط اجتماعية وثقافية موحدة، وهو ما ينم عن الروابط العميقة بين كل المكونات المغربية في كل ربوع المملكة على مر التاريخ المغربي المجيد.

وأوضح أن “لتواصل العلمي ونظام الإجازات، دليل على التداخل العلمي بين كل مكونات الشعب المغربي من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب في ظل الوحدة الثقافية والروحية والاجتماعية والوطنية بالمغرب، ودليل على التلاقح بين علماء الصحراء وعلماء باقي مناطق المغرب، مما يؤكد قطعا معاني الوحدة تلك الوحدة.  وكل هذا مدون بالخط المغربي الصحراوي والأنواع الخطية المغربية الأخرى”.

وشدد البندوري على أن “تشجيع المجال الثقافي والفني والقيام بالأبحاث والدراسات في الصحراء المغربية، يشكل مرتكزا هاما لحمايتها من الأفكار المضللة، كما أن إذكاء روح المواطنة، والإسهام في تسويق المنتوج الثقافي للمنطقة، بآليات جديدة وتنويع في الصيغ الدبلوماسية، وتثمين العمق الثقافي الصحراوي باعتباره أحد مكونات الهوية المغربية، وتشجيع المبادرات الفردية والجمعوية في نطاق الواجب الوطني والتاريخي والإنساني، يكون له انعكاس إيجابي على مختلف المجالات ذات الصلة بالهوية الوطنية والدينية والثقافية”.

وتابع “فالتراث المغربي في شموليته يزخر بالعديد من الدلائل المادية التي تغني ملف الصحراء المغربية. من ذلك ما يتوفر عليه المشهد الثقافي وخزانات المخطوطات والسكوك وغيرها مما يؤكد مغربية الصحراء، وقد قدم مجموعة من الوثائق للاستدلال”.

وقال إن “لقد عمل الأدباء والفقهاء والشعراء والفنانون والخطاطون المغاربة على إرساء دعائم العمل الوحدوي منذ القديم في كل مناطق المغرب عبر أنواع الخط المغربي ومنها الخط المغربي الصحراوي، الذي تتسم أشكاله وصوره بخصائص وجدانية وروحية وجمالية، وتشع حروفه بأنوار العلم والمعرفة، ما يضفي عليه صفة ثقافية، وصبغة حضارية مغربية صرفة، طيلة مسيرته التاريخية المغربية المجيدة. وهو بذلك يكون ذا جذور متينة تثبت قوتها في عمق التاريخ المغربي العريق”.

واسترسل “وإن تفاعل الخط المغربي الصحراوي مع التراث المغربي عامة يمنحه أهمية تاريخية، وأهمية وحدوية، ولاشك أن أعيان الصحراء المغربية وكل الفئات المثقفة قد وظفوا مختلف العناصر التراثية المغربية في إبداعاتهم الخطية بجمالياتها وفنيتها المتنوعة، وكذلك بقيمتها الحضارية، حتى أضحى مجد الحرف المغربي الصحراوي تعبيرا عن العبقرية المغربية الصحراوية الفذة التي سعت من خلال ابتكاراتها الأدبية والفنية، ومن خلال مراسلاتها المتنوعة اقتحام مجال الجمال والتجويد والتطور غير المحدود في نطاقه المغربي الشمولي، وفي نطاق ما يحتوي عليه هذا الخط من عمق دلالي وبلاغي، وفي نطاق تفاعله وانسجامه مع كل المجالات الثقافية المغربية، ومع مختلف المضامين الروحية المرتبطة بالقرآن الكريم والقيم الإسلامية الراقية والثوابت الوطنية المغربية، مما تحلى به في كل مواطن الوحدة التي ترسخت في الذاكرة المغربية الصحراوية، وما تجذّر من قيم البيعة الشريفة في أبناء الصحراء المغربية”.

وأشار إلى أن “كل هذا الاهتمام منذ القديم وفي العهود العلوية، دلالة على التفاعل القوي بين كل مكونات الثقافة المغربية”، موضحا “فكان الحرص على مختلف الخاصيات الجمالية المغربية المتنوعة، وتم الاهتمام بالخطاطين والشيوخ، فساد الإتقان والضبط والتنميق والزخرفة في الخط المغربي الصحراوي، فظهرت على إثر ذلك مجموعة من الرسوم الحروفية، خاصة ما يتعلق بالنعال وما رافقها من فنيات وجماليات وتركيب خطي مغربي جميل”.

وتابع “وظهرت خطاطات صحراويات بارعات في انتساخ الكتب، منهن على سبيل الذكر لا الحصر ” هندو وهند بنت عبد الله المجلسية حفيدة الشيخ محمد بن سالم المجلسي الصحراوي المغربي، عالمة نشأت في بيت علم وصلاح، واشتغلت مثل أهلها بالتعليم والتأليف.. هذا بالإضافة اهتمامها بانتساخ الكتب. وهذا الانتساخ الذي أنجزت هو عملية تقويمية بعد قراءة مستوعبة لكتاب أحد أقاربها، وهو العلامة عبد القادر بن محمد سالم المجلسي، وهو المسمى: تمان الدرر في هتك أستار المختصر، في ستة أجزاء ضخام”.

ودعا البندوري إلى “دراسة مختلف النصوص المغربية؛ الأمازيغية والصحراوية، وفي نطاق التفاعل مع الثقافة المغربية بكل مكوناتها ومع التراث المغربي بكل مفرداته وعناصره، وبرصد للخط المغربي في النصوص وفي كل الوسائل، وفي المخطوطات وفي الأنسجة وفي الجدران وفي السكة النقدية وعلى الرق، وفي القنوات التواصلية، التي أسهمت في التحولات التي عرفها المجال الثقافي، يتبدى هذا التنوع؛ في التراث المغربي، وتتبدى مختلف الصيغ المظهرية والسبل الإقناعية للخط المغربي؛ في الثقافة المغربية، خصوصا وأن مختلف النصوص قد كتبت بخطوط مغربية متفاوتة الجمال ومختلفة الشكل والنوع، لتزكي مختلف العمليات التداخلية بين جمالية الخط المغربي المجوهر والمبسوط وبين الخط المغربي الصحراوي في الوثائق والشواهد ورسائل البيعة المباركة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *