أخبار الساعة، مجتمع

خبراء يعددون مظاهر التلاقح الفكري في ظل الحضارة العربية الإسلامية في ندوة دولية بتطوان (صور)

شهدت كلية أصول الدين بتطوان، التابعة لجامعة عبد المالك السعدي، ندوة علمية دولية حول موضوع “مظاهر التلاقح الحضاري في ظل الحضارة العربية الإسلامية”، وذلك يومي 2 و3 نونبر الجاري، بمشاركة خبراء وباحثين من جامعات مغربية وعربية وأجنبية.

الندوة التي نظمتها شعبة “الفلسفة والفكر الإسلامي والحضارة”، ومركز الدكتوراه “الدراسات العقدية والفكرية”، تندرج في إطار سياسة الانفتاح التي تنهجها كلية أصول الدين، وذلك بتناولها وإثارتها لمواضيع لها راهنيتها على المستوى الوطني والدولي.

وشارك في الندوة أساتذة جامعيون وأكاديميون يمثلون مؤسسات جامعية دولية، ويتعلق الأمر بكل من جامعة كوبنهاكن بالدانمارك، جامعة مونيستر بألمانيا، جامعة لوفان ببلجيكا، جامعة سانتا كلارا بكاليفورنيا الأمريكية، جامعة قطر، إلى جانب المنتدى العالمي للوسطية بالأردن.

ومن المغرب، شارك أكاديميون يمثلون جامعات  عبد المالك السعدي، جامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال، جامعة القرويين بفاس، جامعة محمد الخامس بالرباط، جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس.

ويأتي اختيار موضوع هذه الندوة، في ظل الطفرة النوعية التي عرفتها مواقع الإعلام والتواصل، والتي جعلت من الانفتاح على الآخر، والتعرف عليه ضرورة ملحة، بغية الاطلاع على ثقافته، وحضارته، ومعتقداته، ومد جسور التواصل معه، بحسب الدكتورة كريمة نور عيساوي، منسقة هذه التظاهرة العلمية.

وأوضحت عيساوي، أستاذة بكلية أصول الدين بتطوان، أن هذه الندوة تهدف إلى التركيز على السبق التاريخي للحضارة العربية الإسلامية في الانفتاح على الآخر المختلف لغويا وثقافيا وعقديا، وإبراز مظاهر التعايش والتسامح الذي حظي به أصحاب الأديان الأخرى من مسيحية ويهودية وغيرها في ظل الحضارة العربية الإسلامية.

وتضمن البرنامج العلمي لهذه التظاهرة الأكاديمية، محاضرات في مواضيع “التلاقح الفكري في الإسلام.. مفاهيم مؤسسة”، “دور الوساطة الفكرية الإسلامية العربية في نقل التراث الإنساني إلى أوروبا”، “المعرفي والإيديولوجي في المنهج الثلاثي في مقارنة الأديان السماوية”، “الأوبئة وتلاقح الحضارات”.

كما تضمن البرنامج، أيضا، محاضرات في مواضيع “الزواج في اليهودية والإسلام: أحد أوجه التلاقح والجدل”، “فعل الثقافة العربية الإسلامية في الفكر اليهودي في اللغة والأدب والفلسفة”، “أثر الغزالي في الفكر الديني والفلسفي بالمغرب والأندلس”، “تأثير الفلسفة الإسلامية في التفكير الديني اليهودي”.

وناقشت الندوة، كذلك، “ابن ميمون والرشدية اليهودية”، “جدل النبوات بين الأديان والشرائع: منهج لترسيخ ثقافة الحوار وتعميق الوعي بالذات والآخر”، “تجليات الجدل اليهودي الإسلامي في ظل الحضارة العربية الإسلامية”، “ثاودوروس أبو قرة والجدل المسيحي الإسلامي”.

 

كما شمل البرنامج محاضرات عن “الحوار بين أتباع الأدين وجه من أوجه التلاق الفكري والثقافي في ظل التحولات الراهنة”، “دور اليهودي في نقل التراث العربي الإسلامي الى الغرب المسيحي”، “علم الكلامي الاسلامي والثيلوجيا المسيحية واليهودية، جوانب من التفاعل الفكري والديني”.

وتطرق المحاضرات، أيضا، إلى “مكانة أبي بشر بن يونس في تاريخ الفلسفة الإسلامية”، “المجادلات المبكرة بين اللاهوتيين المسيحيين والعلماء المسلميين”، “بواكير الجدل المسحي الإسلامي والإسلامي المسيحي”، “الدور الريادي لمدرسة علماء البارونية في روما 1584 في نهضة الحضارة العربية في المشرق العربي والغرب”.

مداخلات الندوة

وعرفت الندوة جلسة ومحاضرة افتتاحية، وثلاث جلسات علمية إلى جانب جلسة ختامية، حيث ترأس الجلسة الافتتاحية نائب عميد كلية أصول الدين، الدكتور محمد زين العابدين الحسيني، وألقى خلالها نائب رئيس الجامعة، الدكتور جمال الدين بن حيون، كلمة باسم رئاسة الجامعة.

وشهدت الجلسة الافتتاحية، إلقاء كلمات لعميد كلية أصول الدين، الدكتور محمد الفقير التمسماني، ورئيس شعبة الفلسفة والفكر الإسلامي والحضارة، الدكتور أحمد الفراك، ومنسقة الندوة، الدكتورة كريمة نور عيساوي.

وتم تكريم عميد الدراسات الشرقية، الأستاذ الدكتور أحمد شحلان، بدرع سلمه له عميد الكلية، اعترافا بمجهوداته القيمة في تأصيل علم الأديان في الجامعة المغربية والعربية، وفي دراسة وتحقيق التراث اليهودي المغربي الأندلسي، وفي تكوين مدرسة مغربية في الدراسات الشرقية.

وفي هذا الصدد، تم عرض شريط فيديو للدكتور أحمد شحلان، يبين مساره العلمي والمناصب العلمية التي تقلدها، وكذا مؤلفاته وكتبة وإسهاماته العلمية، وختمت الجلسة الافتتاحية بتكريم الأستاذ الدكتور أحمد شحلان بدرع سلمه له السيد عميد كلية أصول الدين.

 

وانطلقت الجلسات العلمية بمحاضرة إفتتاحية، ترأسها الدكتور محمد زين العابدين الحسيني، وخصصت للدكتور أحمد شحلان لإلقاء محاضرته في موضوع: “أهمية التعارف المعرفي وواجب النظر”، وسط تفاعل كبير من طرف الحاضرين.

عقب ذلك، انعقدت الجلسة العلمية الأولى برئاسة الدكتور توفيق الغلبزوري، أستاذ بكلية أصول الدين، حيث تناول الدكتور سعيد شبار، أستاذ بجامعة بني ملال، مداخلة بعنوان: “التلاقح الفكري في الإسلام.. مفاهيم مؤسسة”، أشار خلالها إلى بعض مفاهيم التوحيد والعدل والحرية، وخلص إلى أن الإسلام رسالة تلاقح وتعايش بامتياز.

وفي المداخلة الثانية، تناول الدكتور أحمد فرحان، أستاذ بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة مداخلة في موضوع: “مكانة أبي بشر متى بن يونس في تاريخ الفلسفة الإسلامية”، تحدث فيها عن إسهامات المسيحيين السُريان، وأشار إلى أن الفلسفة الإسلامية نشأت نتيجة مناظرات حية بين عقائد وأفكار مختلفة.

وذكر المتحدث مناظرة أبي سعيد السيرفي ومتى بن يونس أنموذجا، والتي مثلت مظهرا من مظاهر التلاقح الفكري، وخاصة في قضية أساسية هي علاقة المنطق بالنحو، والتي شكلت محور اهتمام الفلاسفة من المتقدمين والمتأخرين، أمثال الفارابي وابن سينا وغيرهم.

ومن جامعة كوبنهاكن بالدنمارك، قدم الدكتور عبد الله صبيح مداخلة في موضوع: “المعرفي والإديولوجي في المنهج الثلاثي لمقارنة الأديان السماوية: دراسة تحليليلة لنصوص القرقساني والحريزي وابن كمونة”، ذكر خلالها أهمية مقارنة الأديان السماوية، وإشكالية المرجعية المعرفية واختلاف المفاهيم بين الديانات.

وأشار المحاضر إلى ضرورة الاهتمام بالجدل الديني من طرف الباحثين، وألقى الضوء على مفهوم التلاقح موضوع الندوة العلمية، وذكر أنه مفهوم بيولوجي يدل على تبادل المنافع.

وختمت الجلسة العلمية الأولى بمداخلة الدكتور أحمد عبد السلام، أستاذ بجامعة مونستر بألمانيا، في موضوع: “الزواج في اليهودية والإسلام، أحد أوجه التلاقح والجدل”، خلص خلالها إلى أن هناك تقاربا شديدا بين قوانين الزواج في الإسلام وفي اليهودية، معتبرا أن هذا التقارب حدث نتيجة التعايش المباشر الذي ترجم إلى عرف ثم مأسسة شرعية.

وفي اليوم الثاني، انطلقت فعاليات الجلسة العلمية الثانية برئاسة الدكتور مصطفى بوجمعة، أستاذ بكلية أصول الدين، حيث تناول إدريس اعبيزة، أستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط، مداخلة في موضوع: “فعل الثقافة العربية الإسلامية في الفكر اليهودي في اللغة والأدب والفلسفة”.

وأبرز اعبيزة خلال مداخلته، استفادة اليهود من الحضارة العربية الإسلامية عامة، ومن الحضارة الأندلسية خاصة، مشيرا إلى أن هذه الاستفادة تبلورت على ثلاث مستويات، مستوى لغوي، وأدبي، ثم فلسفي تفسيري.

وعقب ذلك، قدم الدكتور عياد أبلال، أستاذ بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، مداخلة في موضوع: “تأثير الفلسفة الإسلامية في التفكير الديني اليهودي”، ذكر فيها مستويات هذا التأثير الذي أجمله في أربعة مباحث، هي الإلهيات، الطبيعيات، المنطق، الأخلاق، وأحال إلى نماذج توضح هذا التأثير.

وقدم الدكتور حاتم أمزيل، أستاذ بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، مداخلة بعنوان: “ابن ميمون والرشدية اليهودية”، تحدث فيها عن التأثير والتأثر والتلاقح في تاريخ الغرب الإسلامي، وأشار إلى أن ابن ميمون أعطى وجودا جديدا لفكر ابن رشد في الحضارة اليهودية.

من جهته، اعتبر الدكتور أحمد الفراك، أستاذ بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، في مداخلة بعنوان: “أثر الغزالي في الفكر الديني والفلسفي بالمغرب والأندلس”، أن الإمام الغزالي هو أستاذ الفكر العربي الإسلامي والإنساني.

ومن قطر، ألقى الدكتور يوسف بلمهدي، أستاذ بجامعة قطر، مداخلة عن بعد في موضوع: “جدل النبوات بين الأديان والشرائع: منهج لترسيخ ثقافة الحوار وتعميق الوعي بالذات والآخر”، حيث انطلق من مجموعة من التساؤلات، وأشار إلى سبب اختيار مبحث النبوات موضوع مداخلته.

وختمت الجلسة بمداخلة عن بعد للدكتور حسن علي مبيضين، عضو المنتدى العالمي للوسطية بالأردن، في موضوع: “تجليات الجدل اليهودي الإسلامي في ظل الحضارة العربية الإسلامية”، ذكر فيها مجموعة من النقاط الأساسية، منها قضية الاعتراف بالآخر فكرا وثقافة، وحقيقة اليهود وجدالهم.

وفي الجلسة العلمية الثالثة برئاسة الدكتور أحمد الفراك، قدم الدكتور سعيد كفايتي، أستاذ بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، مداخلة في موضوع: “ثاودوروس أبي قرة والجدل المسيحي الإسلامي”، مشيرا إلى موضوع الجدل المسيحي الإسلامي، وذكر ثاودوروس أبو قرة نموذجا لذلك.

وناقش الدكتور مصطفى أمادي، أستاذ بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة، موضوع: “دور اليهود في نقل التراث العربي الإسلامي إلى الغرب المسيحي”، تحدث فيها عن التلاقح الفكري بين اليهود والمسلمين وإسهامه في نقل التراث العربي الإسلامي إلى الغرب المسيحي.

وأشار الدكتور محمد أديوان، نائب رئيس جامعة القرويين بفاس، في مداخلة بعنوان: “دور الوساطة الفكرية العربية الإسلامية في نقل التراث الإسلامي إلى أوربا”، إلى دور الوساطة الفكرية العربية في نقل التراث العربي الإسلامي إلى الغرب المسيحي.

وقدم الدكتور التيجاني بولعوالي، أستاذ بجامعة لوفان ببلجيكا، مداخلة عن بعد في موضوع: “المجادلات المبكرة بين اللاهوتيين المسيحيين والعلماء المسلمين”، تحدث عن الجذور التاريخية للعلاقات بين المسلمين والمسيحيين الموثقة ضمن المصادر السريانية المسيحية.

وناقش المحاضر بعض الصور البارزة في الوثائق غير العربية في بعض المفاهيم التي ذكر ثلاثا منها، وهي: الإسلام، نبوة محمد، القرآن الكريم، وحاول خلال ورقته الإجابة عن هذه الإشكالية.

وختمت الجلسة الثالثة بمداخلة للدكتور كلوفيس كرم، أستاذ بجامعة سانتا كلارا بكاليفورنيا الأمريكية في موضوع: “الدور الريادي لعلماء المدرسة المارونية في روما 1584 في نهضة الحضارة العربية في المشرق العربي والغرب”، حيث قدم ورقته البحثية بعرضها على شرائح العرض باللغة الإنجليزية.

وانتهت الندوة الدولية بجلسة ختامية برئاسية عميد كلية أصول الدين، الدكتور محمد الفقير التمسماني، قدم خلالها الشكر للضيوف، خاصة الدكتور أحمد شحلان، وللجهة المنظمة للندوة، وعلى رأسها منسقتها الدكتورة كريمة نور عيساوي، مشيدا بدورها الفعال في إنجاح هذه الندوة.

وألقى الدكتور أحمد شحلان كلمة جدد خلالها الشكر للجنة المنظمة ولكلية أصول الدين في شخص عميدها، معبرا عن فرحته العارمة بوجوده في هذا المحفل العلمي الدولي، فيما قدم الدكتور محمد علا كلمة باسم الضيوف، باعتباره عضوا في اللجنة المنظمة لهذه الندوة الدولية.

وقدم رئيس شعبة الفلسفة والفكر الإسلامي والحضارة، الدكتور أحمد الفراك، كلمة للحاضرين، باعتباره الجهة التي أشرفت على تنظيم هذه التظاهرة العلمية، كما شارك في الجلسة الختامية الدكتور زين العابدين الحسيني، نائب عميد الكلية، والذي أثنى بدوره على جهود الكلية واللجهة المنظمة والمشاركين.

وفي الختام، قدم الطالب الباحث بلال بكور، توصيات الندوة الدولية، وعلى رأسها طبع أعمال الندوة بصيغة ورقية ورقمية، والانفتاح على الجامعات الأجنبية بإرسال وفود من الطلبة لدراسة اللغة الإغريقية، والدعوة إلى ترجمة التراث الإسلامي المسيحي والتراث الإسلامي اليهودي إلى اللغات الحية.

كما أبرز أن ضمن التوصيات الدعوة إلى عقد ندوة وطنية في موضوع: “الحوار الديني بين اليهود المغاربة والمسلمين”، والعمل على إنجاز موسوعة علمية تهتم بهذا التلاقح، لتُختتم الندوة الدولية كما بدأت بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *