منوعات

بويخف يكتب: سوق الصحافة الورقية يواصل الانهيار

ليس في ما نشرته هيئة مراقبة نشر وتوزيع الصحف بالمغرب، “لوجيدي”، أي شيء مما يمكن الاحتفاء به، فجميع الصحف الورقية وبدون استثناء تقريبا انهارت مبيعاتها بشكل فضيع. وإذا تربعت يومية “الأخبار” على رأس الصحف الأكثر مبيعا سنة 2015، حسب آخر المعطيات التي أفرجت عنها الهيئة، فذلك لا يعني أبدا أنها حققت إنجازا استثنائيا، فهذه الصحيفة التي تحتل الصدارة في سنة 2015 بمبيعات فعلية تبلغ 54 أف و862 نسخة، قد فقدت آلاف المبيعات مقارنة مع السنتين التي قبلها، حيث سجلت مبيعاتها الفعلية 64 ألف و324 نسخة سنة 2014، أي أنها فقدت 9462 نسخة بيع، كما بلغت مبيعاتها الفعلية 62 ألف و224 نسخة سنة 2013، حسب نفس الهيئة.

بمعنى أننا أمام انهيار للمبيعات، نتج عن القفزة الحرة ليومية المساء التي ظلت على عرش الصحف اليومية الأكثر رواجا إلى حدود سنة 2015، حيث انهارت مبيعاتها الفعلية من 81 ألف و18 نسخة سنة 2013، إلى 74 ألف و547 نسخة سنة 2014، لتنتهي سنة 2015 إلى رقم مقلق هو 47 ألف و453 نسخة مبيعة! وهذا الانهيار، الذي سمح لومية “الأخبار” بتصدر الصحف الأكثر رواجا في المغرب لسنة 2015، يقدم مؤشرات خطيرة ومقلقة عن مستقبل الصحافة الورقية في المغرب.

ولم تسلم الصحافة الناطقة بالفرنسية من الظاهرة، فإذا أخذنا على سبيل المثال يومية “ليكونوميست” التي تتصدر تلك الصحف من حيث مبيعاتها الفعلية، فنجدها سنة 2015، حسب “لوجيدي”، تبيع فعليا 16 ألف و608 نسخة، بعد أن كانت تبيع في السنتين السابقتين أزيد من 17 ألف نسخة بحيث أنها فقدت أزيد من ألف نسخة من معدل مبيعاتها الفعلية.

وظاهرة تراجع مبيعات الصحف الورقية ظاهرة عالمية، أثارت جدلا كبيرا بين من يعتبرها تسير نحو الانقراض بعد توقف عدد من كبريات الصحف، ومن يرى أنها تبحث فقط عن نقطة التوازن في السوق. وبعد ركود مزمن في سوق مبيعات الصحف الورقية بالمغرب، دخلت تلك السوق مرحلة الانهيار بشكل قوي وواضح ومستمر مند سنة 2010، حيث تعكس بيانات “لوجيدي” استمرارا حادا في تراجع المبيعات مند ذلك التاريخ، ويتوقع أن يستمر النزيف في المبيعات خلال سنة 2016 أيضا بحكم غياب أية عوامل قد تفيد العكس.

ورغم أن مبيعات الصحف في المغرب كان دائما الأضعف عربيا، وخلفه عوامل كثيرة، سياسية واقتصادية وثقافية معقدة، فإنه لا شك أن أقوى العوامل ترجع إلى انتعاش الصحافة الالكترونية، وانتشار الانترنيت وتكنولوجية الاتصال الحديثة.

والمهم في الظاهرة ليس توصيفها، وتتبع تطورات تراجعها بالمؤشرات الرقمية، وتسجيل البطولات على أنقاضها وفوق جراحها، بل الأهم هو مقاربة الحلول المناسبة للحيلولة دون وقوع فاجعة في قطاع حساس من الناحيتين السياسية والاجتماعية.

وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى أن الصحافة الورقية لا تعاني فقط من المنافسة الشرسة من زميلتها الالكترونية، فهذه المنافسة يمكن إنشاء التوازن معها بتفعيل الصحف لمواقعها الالكترونية، ولكنها تعاني من الاختلالات التي تنخر سوق الإشهار، بصفته من الموارد المالية الأساسية للصحافة، والذي لا يخضع للشفافية، بل ما تزال تتحكم فيه الزبونية والاعتبارات السياسية.

كما أن سياسة الدعم العمومي الموجه للصحافة يعاني من اختلالات كبيرة، حيث أنه يتحول إلى ريع مالي في كثير من الحالات، حين يعتمد معايير ينطبق عليها المثل الشعبي “زيد الشحمة فظهر المعلوف”، وبذل تقديم أغلفة مالية شبه ريعية للمؤسسات الصحافية، يكبر حجمها بكبر مبيعات الصحيفة، وجب أن تنهج الحكومة سياسية الإعفاءات الضريبية، ودعم التحملات الاجتماعية، وتمويل التكوين والتجهيز، لأنه بهذه السياسة نقطع مع الريع، ونضع سياسة عادلة يمكن للمؤسسات الضعيفة أن تتقوى دون الإضرار بالقوية.

إن الأزمة الخانقة التي تعيش عليها الصحافة لا تهم مهنيي القطاع فحسب، بل هي قضية الدولة أيضا، وتتمثل مسؤولية الدولة في العمل على دمقرطة سوق الإشهار وعدالة الدعم العمومي وتنميته، وفي اعتماد سياسات ناجعة في تشجيع القراءة عموما وقراءة الصحف خاصة. وتتمثل تلك المسؤولية أيضا في القطع مع السياسات التي توظف الإعلام في معارك لا تجني منها الصحافة سوى مزيدا من انهيار أخلاقيات العمل فيها وانهيار مصداقيتها لدى القراء تبعا لذلك.