هل يتحول هوس “الشهرة” بمواقع التواصل إلى كابوس لتفشي الجريمة بالمغرب؟

عاش الرأي العام المغربي ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، مؤخرا، على وقع جريمة قتل بدأت بالتعارف بين شخصين بموقع “تيك توك”، وانتهت بعملية “ذبح” أثارت جدلا واسعا، بحكم أن المتهمة والضحية من المراهقين والشباب الذين لجؤوا إلى العالم الافتراضي سعيا وراء الشهرة.
الفتاة القاصر المتهمة بارتكاب الجريمة، كشفت أثناء تقديمها على أنظار الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بطنجة، أنها تلقت دعوة من الضحية الذي يبلغ من العمر 19 سنة، من أجل حضور حفلة بمنزله، كوسيلة للظهور معه في تطبيق “تيك توك” وكسب متابعين جدد، ليحاول اغتصابها في المطبخ حسب أقوالها، فوجهت له ضربات قاتلة على مستوى الظهر والبطن والعنق.
فهل تحولت “الشهرة” على وسائل التواصل الاجتماعي إلى وسيلة لتفشي الجريمة في المجتمع المغربي؟
الموضة والقيم
في هذا الصدد قال رشيد المناصفي، وهو أستاذ في علم الإجرام، في تصريح لـ”العمق”، إن جريمة قتل أنور كانت متوقعة، والمجتمع المغربي لازال يتوقع مثل هذا النوع من الجرائم.
واعتبر المتحدث أن هذا نتيجة مجموعة من العوامل التي تتحكم في الجريمة على الصعيد الوطني، منها تتبع الموضة أو الهوس بها، وهذا يعتبر بعيدا كل البعد عن الثقافة المغربية عامة وعن قيم الدين خاصة، وفق تعبيره.
ونبه المناصفي إلى “تفشي الثقافة الغربية بالمغرب، المبنية عن الحرية وعدم احترام الأخلاق كثقافة من قبل الشباب، بالإضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت تأخذ وقتا كبيرا من الشباب، لدرجة أنهم نسوا دراستهم وتاريخهم ومستقبلهم”.
وقال المناصفي، إن نموذج الشاب أنور، وهو من المشاهير في وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر في مجموعة من الفيديوهات التي تكشفر بوضوح تقليده لثقافة الغرب وأفكارهم ومعيشتهم.
واعتبر أن هذا النموذج “يبين أن الأسر المغربية قدمت استقالتها في توجيه وتأطير الأبناء، خاصة أن بعض الأسر فقدت جذورها، كما انتهت صلاحية قيم العائلة ولم يعد لها أي تأثير، لدرجة أن العائلة في اتجاه والشباب في اتجاه آخر”.
وأضاف المتحدث أن الأسرة تشكل بالفعل أساس المجتمع، لكن هناك مؤسسات أخرى تساهم في توجيه المجتمع في التأطير وتربية المجتمع، وبعض هذه المؤسسات لم يعد يهمها مستقبل الشباب”.
ويرى المناصفي أن ما يتم تدريسه في المؤسسات التعليمية لا يجد أي انعكاس على واقع الشباب، حيث يتجه مجموعة من الشباب والمراهقين إلى اعتبار حمل السلاح الأبيض موضة من أجل الدفاع عن أنفسهم، بالرغم من أن أغلبيتهم لا علاقة لهم بالإجرام.
ويشدد المناصفي على أن الشعب المغربي أصبح خليطا لمجموعة من الثقافات، وقد ابتعد عن مجموعة من المبادئ والقيم الإسلامية، داعيا إلى دق ناقوس الخطر، مضيفا: “يجب على الحكومة التدخل من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه”.
صراع “التموقع”
في هذا الصدد، قال زكرياء أكضيض، وهو أستاذ في علم الإجتماع، أن حادثة أنور هي جزء من ما يجري داخل العالم الافتراضي المطبوع بالصراع، والذي يمكن أن يتطور إلى نزاع مادي أو عنف أو محاكمات في القضاء.
واعتبر أن هؤلاء الفاعلين الذين يتصارعون داخل الحقل الإفتراضي، من الممكن أن يتطور الصراع بينهم إلى الواقع كحالة أنور مثلا، والذي يعني أن أرضية العالم الإفتراضي باعتباره مجالا للصراع والتموقع والربح، يمكن أن تولد نزاعات العنف أو التصرفات المتطرفة في العالم الذي نعيش فيه.
ويرى المتخصص في علم الاجتماع، أن هذا التوتر في العالم الإفتراضي يمكن أن يتمدد ويأخذ أشكالا خطيرة قد تبرز على الشكل الذي ظهر في حالة الطالب أنور والفتاة القاصر.
وأضاف المتحدث أن الحقل الإفتراضي يتصارع داخله أفراد ومؤسسات، ضمن صراع مادي ورمزي من أجل رفع نسبة المشاهدة، والتي ترتبه مما يقدمه الفاعل من منتوج من أجل رفع قيمة الإمكانيات المادية.
وأوضح أكضاض، أن هذا الحقل المتوتر المشحون بالصراع بين الفاعلين، من الطبيعي أن تظهر فيه ممارسات واستراتيجيات لهؤلاء الفاعلين، ما يعني أن الفرد الذي لا يمتلك منتوج من أجل تسويقه، فهو يسعى للتقرب من أفراد آخرين لكي يرفع من نسب المشاهدة.
وأشار إلى أن هذا الحقل في العالم الإفتراضي فيه فاعلين متموقعين بشكل جيد ويحصدون نسب مشاهدة أعلى وتجني عليهم إمكانيات مادية مهمة، ولكن هناك آخرين مبتدؤين لا يستطيعون التموقع بشكل جيد، لذلم يلجؤون إلى استراتجية التقرب من الفاعلين الناجحين.
وتابع القول: “في الحقل الإفتراضي نلاحظ إختلافا على مستوى ما يتم تسويقه، هناك من يسوق جماله، وهناك ما يسوق نمط عيشه أو لغته أو تصوراته السياسية، ما يعني أننا أمام فاعلين يسوقون لرساميل رمزية بشكل مختلف من أجل التموقع بشكل جيد قصد حصد أرباح مهمة”.
أفلام الجريمة والضغط
فيصل الطهاري، وهو معالج نفسي، اعتبر أن جرائم القتل أصبحت كثيرة جدا وشائعة في صفوف الشباب والشابات، ليس فقط في المغرب ولكن عبر العالم، مشيرا إلى تأثير الأفلام ومواقع التواصل الإجتماعي، خاصة في ظل وجود مواد إعلامية وحتى وثائقية تتناول الجريمة بشكل كبير.
وأضاف في تصريح لجريدة “العمق” بالقول: “هنا يمكن أن نتكلم على شخصية “البسيبوكات”، وهي شخصية مرضية موجودة في كل المجتمعات، يمكن أن تصل في مرحلة معينة إلى ارتكاب جرائم”.
وأوضح الطاهري، أن جل الجرائم في المغرب تكون بالسلاح الأبيض، “وشاهدنا مؤخرا جريمة بالبندقية بتطوان، وهذا يعطي أيضا فكرة على أن الضغط النفسي الذي يعاني منه كثير من الناس داخل المجتمع يجعلهم شديدي الإنفعال والإضطراب”.
وقبل الوصول إلى جرائم القتل، يتابع المتحدث، “نجد بأن الإنفعال وعدم السيطرة على مشاعرنا، والدخول في مراحل متقدمة من الإصطدام مع النفس، يعطي بالفعل نظرة على أن الناس أصبحوا شديدي العصبية ويتعاملون مع الآخر بشكل كبير من الأنانية”.
وعن أسباب ودوافع الجريمة، قال الطاهري إنها تضل مختلفة ومتنوعة فيها ما هو مرضي مرتبط بالشخصية المرضية “السيبوكاتية”، وفيها ما هو مرتبط بعدم السيطرة عن الإنفعالات والغضب التي تؤدي إلى جرائم من هذا النوع.
وشدد المتحدث ذاته على أن الجرائم وحيثياتها تختلف حتى لو تعلق الأمر بالدفاع عن النفس أو غيره، لكنها تضل جريمة قتل في النهاية، وفق تعبيره.
الشارع وقضية أنور
وفي نفس السياق، استطلعت جريدة “العمق” عينة من آراء الشارع الطنجاوي حول مدى ارتباط الشهرة بمواقع التواصل الاجتماعي بالجرائم التي بدأت تظهر في هذا السياق، وذلك على خليفة جريمة مقتل الطالب أنوار بطنجة
يقول حمزة الرابحي، إن جريمة مقتل الطالب أنور اتخذت أبعادا مختلفة بعدما تداول مغاربة صورا وتدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث شرع البعض في محاكمة أطراف هذه القضية حتى قبل الانتهاء من التحقيق في الواقعة التي هزت الرأي العام المحلي بطنجة.
ويرى حمزة، أن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كان مؤذيا للطرفين، رغم أن لا أحد يملك الحقيقة، كما أن لا أحد من حقه أن ينصب نفسه جلادا ليشرع في الحكم على الطرفين.
وأستغرب المتحدث في تصريح لجريدة “العمق”، حملات التشهير التي انتشرت بشكل كبير بعد الأيام التي تلت ارتكاب الجريمة، في مشهد تعاني منه الأسرتين بشكل كبير.
واعتبر أن الهجوم على متهمة قاصر والترويج لصور اعتقد البعض أنها تخصها، أمر بشع ويحتاج للكثير من المساءلة، بعدما أصبحت مواقع التواصل حبلى بالممارسات المسيئة التي لن تنفع التحقيق في الواقعة وتعرقل معه إجراءات المحاكمة.
من جهة أخرى، قال أحمد الوهابي، إنه لا يجوز الربط بين الجريمة ووسائل التواصل، مثلما لا يجوز الربط بين السلاح والقاتل، فالسلاح لا يقتل إنما مستعمله من يفعل ذلك.
وأضاف: “لكن بشكل أو بآخر، وسائل التواصل تساهم إلى حد ما في عدد من الجرائم، حيث إن الأشخاص باتوا مهووسين بالمثالية ويحاولون مشاركة مثاليتهم المزيفة في غالب الأحيان على مواقع التواصل”.
وتابع قوله: “الكم الهائل من الزيف يجعل المتلقي يحس بالنقص والأسى تجاه حياته الخاصة، مع أنه غالبا لا يختلف عن الآخرين، وتلك الغيرة قد تتحول إلى حقد وقد تتحول إلى شيء آخر”.
وفي سياق متصل، قال محمد بنموسى، إن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي أدى إلى إحداث “ثورة كبرى” تترك تأثيراتها على كافة جوانب الحياة، ومن بينها الجانب الأمني.
وأضاف أنه “في وقتنا الحاضر، انتشرت جرائم من نوع آخر، عكس التي اعتدنا عليها، باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي التي تم استعمالها بطرق خاطئة، من خلال نشر أخبار كاذبة، والتطرق للحياة الخاصة، ونشر الفضائح، وتسببت في العديد من حالات الطلاق، والابتزاز، وحتى جرائم القتل”.
واعتبر أن آخر حوادث أو سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي، كانت مقتل الطالب “أنور” بمدينة طنجة، والتي لعبت صوره ومقاطع الفيديو التي ينشرها بجسمه الرياضي وبحماسه الشبابي عبر حساباته الشخصية، دورا كبيرا في إثارة انتباه فتاة قاصر أُعجبت به، حيث تحول هذا الإعجاب إلى عقد جلسة خاصة في منزله، ومنه إلى جريمة قتل بشعة اهتز لها الرأي العام المغربي.
اترك تعليقاً