أدب وفنون

هل اقتبست إسبانيا نشيدها الوطني من الموسيقى الأندلسية؟

يثير التشابه الكبير بين لحن وإيقاع النشيد الوطني الإسباني، وتوشية الوداع لـ”نوبة الاستهلال” بموسيقى الآلة الأندلسية المغربية، الكثير من التساؤلات حول مصدر ألحان النشيد الوطني الإسباني، وما إن كان مقتبسا من الموسيقى الأندلسية المغربية.

وبمقارنة سمعية بسيطة بين النشيد الوطني الإسباني، وتوشية “نوبة الاستهلال” بالموسيقى الأندلسية، يظهر تشابه كبير بينهما على مستوى اللحن والإيقاع، وهو الإيقاع الذي يهيمن على غالبية مقاطع النشيد الوطني الإسباني.

و”نوبة الإستهلال” تُعد إحدى أشهر مقاطع الموسيقى الأندلسية، حيث تشير مصادر تاريخية إلى أن العالم والفيلسوف والموسيقي السرقسطي، ابن باجة، دفين مدينة فاس، هو من ألَّفها، وتعتبر واحدة من النوبات الأندلسية الأحد عشر التي لا زالت محفوظة وتؤدى من طرف الفرق الموسيقية الأندلسية المغربية.

وبالعودة للنشيد الوطني الإسباني، فإن مؤرخين يرجعون أصله إلى أغنية قديمة تحمل اسم “مسيرة غرناطة” (Marcha Real أو Marcha Granadera)، فيما يشير آخرون إلى أن أصله يرتبط بالتراث الأندلسي، في حين يُعتبر نشيد إسبانيا واحدا من 4 أناشيد وطنية في العالم لا تحتوي على كلمات رسمية، إذ يحتوي على الموسيقى فقط.

وتشير كتابات تاريخية إلى أن نشيد إسبانيا اعتمد في 1770 من قبَل الملك كارلوس الثالث، كلحن رسمي خلال المناسبات الرسمية، ثم تحول إلى نشيد وطني في عهد الملكة إيزابيل الثانية، وتم تغييره في عهد فرانكو، قبل أن يتم إقرار صيغته الرسمية الحالية بمرسوم ملكي سنة 1997.

ويضع مؤرخون فرضيتين لمصدر اللحن الأصلي للنشيد الوطني الإسباني، الأول يشير إلى أن فريدرخ الثاني، ملك بروسيا الذي عرف بولعه بالموسيقى، هو صاحب اللحن الأصلي، ويحتمل أن يكون أهداه في القرن 18، لأحد القادة العسكريين الإسبان إبان فترة تدريبهم ضمن الجيش البروسي، وفق ما ذكرته موسوعة “إيسباسا” (Espasa) الإسبانية.

فيما تشير الفرضية الثانية إلى أن الموسيقى الأندلسية هي أصل نشيد إسبانيا، حيث اكتشف الباحثان المتخصصان في موسيقى العصر الوسيط بإسبانيا، عمر المتيوي وإدواردو بانياغوا، سنة 2007، مقطوعة موسيقية كتبها الفيلسوف الأندلسي ابن باجة في القرن 12، وهي توشية لنوبة الاستهلال، بلحن شبيه باللحن الحالي للنشيد الوطني لإسبانيا، وتم تأكيد التشابهات بين المقطوعتين من طرف الموسيقار الإسباني “تشابي بينيدا” (Chapi Pineda).

تطابق كبير

وفي هذا السياق، يرى مرتضى آية الله عمران، حفيد ورئيس جوق الفنان الراحل “عبد الصادق اشقارة” بمدينة تطوان، أن توشية الوداع لـ”نوبة الاستهلال” الأندلسية الشهيرة، تشكل 90 في المائة من لحن النشيد الإسباني الحالي، دون أن يعترف الإسبان بهذا التطابق.

وقال آية الله عمران في تصريح لجريدة “العمق”، إن هناك عدة قرائن تشير إلى أن النشيد الوطني الإسباني مقتبس من الموسيقى الأندلسية العريقة، لافتا إلى أن اللحن الحالي لنشيد إسبانيا تم إقراره بعد عهد فرانكو، أي قبل أقل من نصف قرن، في حين أن تراث الآلة الأندلسية يتجاوز عمرها 500 عام.

وأوضح عمران أنه خلال فترة فرانكو الذي حكم إسبانيا من 1939 إلى 1975، كان النشيد الوطني الإسبانيا مختلف تماما عن الحالي، مشيرا بالمقابل إلى أن توشية الوداع لـ”نوبة الاستهلال” الأندلسية تعود لأزيد من خمسة قرون، وتم تسجليها في أجهزة التسجيل منذ ثلاثينيات القرن الماضي.

وشدد المتحدث على أن اللحن الحالي للنشيد الوطني الإسباني متطابق إلى حد كبير مع توشية الوداع لـ”نوبة الاستهلال” الأندلسية، مضيفا أن جوقه (جوق الفنان عبد الصادق اشقارة) حين يقدم مقاطع “توشية الوداع” في حفلات بإسبانيا، يظن الإسبان أن الأمر يتعلق بالاحتفاء بنشيدهم الوطني، وفق تعبيره.

نشيد بدون كلمات

وبحسب الروايات الإسبانية، فإن الموسيقي الرئيسي في سلاح الحرس الملكي الإسباني، بارتولومي بيريز كاساس، قام في بداية القرن العشرين، بتعديل النشيد الإسباني إلى الصورة التي يُعزف بها الآن، غير أن الجنرال فرانسيسكو فرانكو ألغى هذا النشيد ووظف كلمات الشاعر الإسباني خوسيه ماريا بيمان.

وعقب سقوط حكم فرانكو، تم حذف الكلمات من النشيد الوطني الإسباني عام 1978، بسبب ارتباطها بفرانكو والأيديولوجية اليمينية التي كانت تعكسها، ليتم في سنة 1997، إقرار صيغته الرسمية الحالية بمرسوم ملكي، والتي يرجع توزيعها إلى الموسيقي فرانسيسكو غراو، بدون أن تحتوي على أي كلمات.

وفي 2007، جرت محاولة لإضافة كلمات إلى النشيد الوطني، حيث أطلقت اللجنة الأولمبية الإسبانية مسابقة لاختيار كلمات للنشيد، وتم اختيار رجل خمسيني عاطل عن العمل، يُدعى “بولينو كوبيرو”، غير أنها لم تجد طريقها للاعتماد الرسمي، ليبقى نشيد إسبانيا بدون كلمات حتى الآن.

والكلمات التي اقترحها “بولينو كوبيرو”، تقول: “تحيا إسبانيا! دعونا جميعاً نغني معاً بأصوات مختلفة وقلب واحد، تعيش إسبانيا طويلاً! من الوديان الخضراء إلى البحر الهائل ترنيمة الأخوة، أحب الوطن لأنه يعرف كيف يحتضن، تحت سمائه الزرقاء كل الشعوب بحرية. المجد للأطفال الذين يقدمون العدل والعظمة للتاريخ والديمقراطية والسلام”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *