السينما المغربية في زمن المؤثرين.. بين تسويق الرداءة واحترام القواعد الفنية

تحولت بعض الأفلام المغربية في السنوات الأخيرة – بحسب توصيف عدد من النقاد – إلى مجرد نسخة “يوتيوب جماعي” يُعرض على شاشة كبيرة، بعدما غلب عليها هوس المخرجين بجذب متابعي المؤثرين على حساب القواعد الأساسية للفن السينمائي.
ويرى مهتمون بالشأن السينمائي، أن الأفلام المغربية التجارية التي تُسوق على أنها أعمال سينمائية لا تحترم القواعد الأساسية للفن السابع، لأنها تراهن بالأساس على أسماء لامعة في فضاء “السوشيال ميديا” لجذب الجمهور، أكثر مما تراهن على النصوص المحكمة أو الأداء التمثيلي المقنع أو الرؤية الإخراجية المتماسكة. وبذلك حولت بعض القاعات السينمائية إلى واجهات لمنتجات أقرب إلى عروض “يوتيوب جماعي” تُعرض على شاشة كبيرة.
هذا التوجه، وإن كان يجد من يدافع عنه باعتباره وسيلة “مضمونة” لتحقيق المداخيل، يثير في المقابل مخاوف كبيرة بشأن تراجع الذوق العام، وغياب فرص حقيقية أمام أعمال سينمائية رصينة لا تجد منفذا إلى التوزيع أو تُرفع بسرعة من القاعات.
وأمام هذا الواقع الملتبس الذي تعيشه القاعات السينمائية المغربية يُطرح السؤال الجوهري: هل يكفي ملء المقاعد بأي وسيلة حتى نعتبر أن السينما المغربية في صحة جيدة، أم أن الفن السابع يرتبط جوهريا بالبعد الجمالي والفني الذي يخلد الأعمال ويمنحها قيمة ثقافية تتجاوز العابر والسطحي؟.
الناقد الفني عبد الكريم واكريم لا يُخفي انتقاده لهذه الظاهرة، مؤكدا أن “كل الأفلام التي استعانت بمؤثرين جاءت رديئة ودون المستوى، ولا ترقى حتى أن تُسمى أفلاما سينمائية”.
وقال عبد الكريم واكريم في تصريح لـ”العمق” إن من حق أي مخرج اختيار من يشاء لتشخيص الأدوار، لكن الحكم في النهاية يكون على النتيجة، والنتيجة – كما يقول – جاءت مخيبة، إذ لم ينجح أي مؤثر انتقل من شبكات التواصل إلى الشاشة الكبيرة في تقديم أداء مقنع.
وشدد واكريم على أن المغرب يزخر بخريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، وهم الأجدر والأولى بالأدوار السينمائية، عوض استسهال الزج بمؤثرين يفتقرون إلى أبسط أدوات التشخيص.
واعتبر الناقد الفني، أن ما يُقدم تحت لافتة “أفلام كوميدية” ويظل طويلا في القاعات، لا علاقة له بالسينما ولا بالفن، بينما تُحرم أفلام جادة من التوزيع أو تُرفع بعد أسبوعها الأول، في مفارقة تعكس خللا عميقا في المشهد، ويصفه النقاد بـ”المجحف”.
ويرى ذات المتحدث، أن العدالة تقتضي إتاحة المنافسة الشريفة بين مختلف الأذواق، على أن تُنتج الأعمال التجارية بأموال أصحابها لا بدعم من صندوق عمومي هدفه الأساس هو الارتقاء بالذوق ودعم الفن الحقيقي، مؤكدا على أنه “من حق الرداءات أن توجد، لكن ليس من حقها أن تحتكر القاعات أو أن تمول من جيوب دافعي الضرائب”، وفق تعبيره.
وأوضح واكريم، أن النقد لا يعني المطالبة بالمنع أو الحجر على الأعمال التجارية، بل يظل الحكم النهائي بيد الجمهور، شرط أن يُمنح فرصة مشاهدة سينما راقية إلى جانب هذه التجارب. وهنا يطرح الناقد المقارنة مع تجارب عالمية، حيث تجد الأفلام الجيدة جماهير واسعة وتحقق إيرادات مهمة، دون أن تُفرط في قيمتها الفنية.
واعتبر الناقد الفني، أن الرهان الأكبر يظل هو الارتقاء بالذوق وتشجيع الإبداع الجاد، عبر تخصيص قاعات لعرض الأفلام المغربية التي شاركت في مهرجانات دولية وحظيت بإشادة نقدية، مع ضمان بقائها لمدد معقولة في الصالات
اترك تعليقاً