وجهة نظر

شكون مول البلوكاج.. وشكون مول الساروت

طبيعي أن لا يجانب الكذب “إلياس العماري” في قوله مفتخرا:”جعلنا التسونامي يتحول إلى رياح عادية” حقيقة و لو كان صاحبها من الدارجين على الكذب … لعل السيد يفتخر في كلمته بإفشال حركة 20 فبراير الحراك الشعبي المنادي بالإصلاح و إسقاط الفساد و الاستبداد
هو قول يردف فيه صاحبه طلبه للمتلقي بالعودة للتاريخ …

فنعود لنكتشف مدى الرغبة الملحة “للمخزن” في التغول على السلطة منذ عهد باحماد “أحمد بن موسى” المسيطر على الجهاز المركزي للدولة ماقبل سنة 1900 و بديهي أن كل تغول تتبعه العاصفة و المتمثلة حينها في شمولية “باحماد” و كليانيته … الشيء الذي أدى إلى اندلاع ثورات من أهمها تلك التي قادها “الريسوني” و “الزرهوني الملقب ببوحمارة” الذي استعملته فرنسا كوسيلة للضغط على المخزن مستغلة بذلك “تحكم و تغول” باحماد على السلطة هي وسيلة ستمكن فرنسا من الانفراد باستعمار المغرب في اعتقادها…

فما أشبه الأمس بأمس يليه … إذ تصارعت القوى الخفية و حكومة عبد الله إبراهيم … لتتم عملية إنزال “رضى كديرة” مدير ديوان ولي العهد الحسن بن محمد بن يوسف للمعترك السياسي و الحزبي ما أدى لإعطائه الأغلبية … فيأتي بعدها صراعا مع الكتلة الوطنية الحادث الذي أدى لإنزال “المعطي بوعبيد” الذي حصل على الأغلبية ثم إنزال صهر الملك “أحمد عصمان” فيحصل بدوره على الأغلبية.

لعل ذلك تاريخ تحاكيه فترة “العهد الجديد” الذي نزل فيه مستشار الملك”فؤاد عالي الهمة” إلى الساحة مستقيلا من منصبه ذاك … فلما سئل عن سبب ذلك .. أجاب بكونه يريد التفرغ لاستكمال الدكتوراه … ليترشح بعدها للانتخابات بالرحامنة متزعما لائحة مستقلة تضم كل من “فتيحة العيادي” و “حميد نرجس” تحت مسمى “الكرامة و المواطنة” برمز “الجرار” لم يكن بعدها غريبا على كل متابع بالرحامنة للحملة الانتخابية حينها أن يتطلع للنتيجة المعتادة و هي الإكتساح في ظل استقباله من طرف الساكنة استقبالا فاخرا … ليؤسس بعد ذلك “حركة لكل الديمقراطيين” مستدعيا لها البارون “إلياس العماري” و ثلة ممن معه … فلما سئل عن غايتها؟ أجاب بأنها نادي للتفكير في الديمقراطية …

هي أحداث لا شك في كونها تؤدي للعاصفة التي جاءت بحزب “الأصالة و المعاصرة” محافظا على رمز “الجرار” المستقل سلفا … فلا دكتوراه و لا هم يحزنون و إنما هو تخطيط للتغول على السلطة … تأسس الحزب فنال أغلبية برلمانية و إن لم يشارك في الانتخابات كلام يحيل لقولة “ما دمت في المغرب لا تستغرب” … حزب اللامشروع … و اللانضال … فقط كائنات انتخابية و مطروحون على الهامش في النضال اليساري … و سلطويين متلهفين للكراسي في حاضنة المخزن … و بعض ممن غرر بهم إلى حدود الساعة.

تلك العاصفة لا غضاضة في رعد يليها … رعد تمظهر في حركة 20 فبراير التي أدت بإلياس و من معه للهروب إلى خارج المغرب رفقة المتخفين وراء النضال المزيف … ليتلقى بعدها الهمة الأمر بالخروج من الحياة الحزبية و العودة لكنف المستشارية … فلا دكتوراه و لا هم يحزنون … و لإن انقطعت الصلة ظاهريا فلا مناص أنها في التخفي … تخف يصدح بالعلنية ما تتبعه عاقل.

و ها 20 فبراير قد أفشلت أو لنقل فشلت بأخطاء مناضليها أولا المتجلية في رفع شعارات غير الذي جاءت لأجله مثل “إسقاط النظام” … ما أدى بالقوى العارفة بمحتوى “الطنجرة المغربية” لعدم النزول خوفا من الانزلاقات الخطيرة التي قد تؤدي بالمغرب للمجهول … ثم بفعل العقبات المفتعلة ثانيا.

لكل هذا أبت الحكمة إلا أن تفرض نفسها … حكمة تجسدت في 9 من مارس 2011 ما يرمي إلى هدنة تخللها جانب الحذر … ما أدى لإعلان دستور يقر جانب بتقدميته و آخر بكون طابع المنحة غالبا عليه … و ما إن هدأت الأوضاع حتى أتى من عرقل بالأمس القول المنادي بالإصلاح … ليعرقل هاته المرة العملية الديمقراطية من قبة البرلمان ملوثا بذلك البيئة السياسية … فيا للعجب في من يعترف بإفشاله للإصلاح و اعتراضه عنه ثم يأتي مبشرا به .
اختفت السحابة المظلمة … وعم الضباب بعدها بعد أن توضحت الصورة فيما لم يسبق لها هكذا وضوح … أحداث تتواثر و فضائح تتالى … فتارة مسيرة تستورد الشعارات … و تارة تصريحات من كواكب أخرى … وبعدها انزلاق الداخلية في “الأصا” و ابتعاد وزرارة “الرميد” عن الأنظار إبان إعلان النتائج … كل ذلك لا يسعه إلا أن يلوح لتبدد الثقة ما بين اطراف الحكومة … تتابعت الأحداث و اختار الملك أن لا يخرج عن معادلة الديمقراطية فعين الأمين العام للحزب المتصدر للنتائج الانتخابية “عبد الإله بنكيران” إيذانا له و تكليفا بتشكيل حكومته … فظهر الابتزاز و تشكل الوفاق و اصطف الديمقراطي في ضفة و فاقد قراره في الضفة الأخرى …

و ليه يتساءل المتأمل ترى من أخرس من كان دائما بما فيه يصدح و يهرف بما لا يعرف؟ … ترى من أخفى أصحاب 102 مقعد كما يزعم؟ … ترى لما استقال متزعم الطائر الغريب في سماء السياسة ما إن ظهرت النتائج؟ … و على أي أساس خلفه “صاحب الصيد و الفلاحة و المحروقات”؟ و هل هو سيناريو أحمد عصمان جديد؟ … و ما الداعي لطلبه بإبعاد حزب الإستقلال من التدبير ؟ و ما الداعي لعدم وضوح الموقف الاتحادي غداة هذه اللحظة الفاصلة من تاريخ المغرب ؟ …

أسئلة كثيرة تلوح في الأفق … و أمام “البلوكاج” البادي مسيره … يخرج ملك البلاد في خطاب ناري من عاصمة “السينغال” يشدد فيه على ضرورة السعي لحكومة كفاءات لا أغلبية عددية … فأي إشارة هاته سوى أن تكون ضربة لإحدى الأطراف … أو قطعا مع الحنين للماضي أمام تزايد متابعة الشعب للأمور السياسية … و أمام ذلك يبقى غموض الدستور في مسألة تشكيل الحكومة محركا للوالب حين يصرح رئيس الحكومة المعين بوضعه للمفاتيح لصاحبها و عودته لمنزله … نتساءل السؤال الأبرز في المعادلة الديمقراطية الأم هل صاحب المفتاح من أوصله لرئاسة الحكومة و المتمثل في الشعب أم صاحبها هو ملك البلاد ؟…..