وجهة نظر

من يقف خلف عمليات “شرملة” مونديال 2022 إعلاميا؟

لم يمض وقت كثير عن أعظم لحظات فرحة الشعب المغربي، ومعه شعوب العالم العربي والإسلامي والإفريقي، بعد عودة المنتخب المغربي إلى أرض الوطن حيث حضي باستقبال وتشريف ملكيين كريمين واستقبال شعبي باهر يليق بهم كأبطال الوطن، حتى انطلقت بعض الأقلام والألسن، عبر بعض وسائل الإعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي، تنفث السموم وتحاول تسويد الصفحة المشرقة التي خطها أسود الأطلس، و”شَرملة” منجز المنتخب الوطني.

ولا يُعدم هؤلاء الأعذار والمبررات والمصوغات و”المُغَلَّفات” أيضا، وكل ذلك تحت يافطة حرية التعبير والحق في الاختلاف. وعمليات “التشرميل” تلك يمكن تصنيفها إلى نوعين، الأول، قد يكون فقط بدوافع إشباع رغبات “خالف تعرف”، كما قد يكون مجرد تجسيد لثقافة السلبية المنتشرة في المجتمع مع الأسف الشديد، والتي لا تسترجع من الأفراح إلا ما قد يشوبها من أخطاء ونقائص أو من مظاهر خاصة. والنوع الثاني، قد تكون الخلفيات السياسية حاضرة بقوة خلفه.

بالنسبة للنوع الأول من الخلفيات، نجد الكثير من المضامين السيئة التي حاولت “شرملة” الوجه المشرق لأداء المنتخب الوطني في مونديال قطر، ولا نقصد هنا أي عملية نقد جادة لمشاركة المنتخب المغربي ولا لتنظيم قطر للمونديال، فالنقد البناء لا يمكن إلا أن يكون مفيدا، لكن نقصد ما عبرنا عنه بـ”التشرميل”، وهو عملية استهداف واضحة ليس لها هدف سوى التنقيص من قيمة الحدث، أو تشويهه، أو تضخيم بعض المظاهر أو “النقائص” التي شابته، أو التشويش الذهني والنفسي على فرحة الشعوب واعتزازها بهويتها الثقافية والدينية كنتيجة للحضور المتميز للمنتخب المغربي كرويا وثقافيا وعلى مستوى الجمهور، …

إن أكثر ما صدم الشعب المغربي وأثار ردود فعل مستنكرة كبيرة وواسعة هو المقال الذي نشرته الصحيفة الالكترونية المغربية “آشكاين” بعنوان “أبو خلال سلفي بالمنتخب الوطني”، يوم الجمعة 23 دجنبر، لذلك سنتوقف عنده.

وصاحب المقال المشار إليه سابقا، سمح لنفسه بالانطلاق من مظاهر تدين اللاعب المغربي زكرياء أبو خلال لوسمه بكونه “سلفي”. وبالطبع فمصطلح سلفي لو كان يحمل في المقال مجرد دلالاته المذهبية القديمة التي تعني “اتباع السلف الصالح” لما أثار أية ردود فعل ولَكان بالعكس مَوضِع اعتزاز للاعب أبو خلال نفسه، لكن مصطلح “سلفي” اعتمده المقال بدلالاته في السياقات الحالية التي يستعمل فيها، والتي تربطه إعلاميا بالتطرف أوالإرهاب.

ووصف أبو خلال بـ”سلفي” بالحمولة التي للمصطلح اليوم، يجعل ذلك المقال لا يختلف كثيرا عن التقرير الذي بثّته قناة “فيلت” (Welt) الألمانية مباشرة بعد إقصاء المنتخب المغربي للمنتخب البرتغالي من المونديال، حيث ربط التقرير، حسب مصادر إعلامية، بين لاعبي المنتخب المغربي لكرة القدم وتنظيم الدولة (داعش)، فقط لأنهم رفعوا إصبع السبابة احتفالا بذلك الفوز الاستثنائي الذي صدم الغرب المتعصب في ربع نهائي كأس العالم “قطر 2022”. بل إن مقال “آشكاين” نفسه، حسب مصادر إعلامية بعد تعذر العثور عليه في الموقع الرسمي للصحيفة، يدعي أن أبو خلال “قام بتصرفات وإيحاءات ذات مرجعية دينية سلفية، إلى درجة دفعت بإعلام أجنبي إلى الحديث عن اختراق داعشي للمُنتخب الوطني”!

لكن الصحيفة، وبعد ردود الفعل القوية التي أثارها المقال، وخاصة بلاغ الجامعة الملكية لكرة القدم، دافعت عنه وقالت في توضيحها “إن النقاش العمومي حر ضمن ثوابت المملكة، وأن كل رأي يحترم وليس هناك أي عقد في كتابة آراء مثل هاته التي كتبت في المقال المذكور، … كما أننا قمنا بحجب المقال يوم أمس السبت 24 دجنبر الجاري، احتراما لعدد من الآراء التي رأت أنه لا ينبغي نشره في مثل هذا السياق المطبوع بالنصر، غير أن بلاغ الجامعة اضطرنا لإعادة نشره اليوم الأحد حتى يقف الجميع أو من لم يتمكن من قراءته سابقا، للنظر في لغة المقال التي كانت موضوعية ولم تمس بأي شكل من الأشكال جوانب شرف أو عرض أو غيرها، وإنما ناقشت فكرة عامة قد تفيد نقاش التدين في المغرب الذي يتعرض لتوغل مذاهب مشرقية غير منسجمة مع الثقافة المغربية”؛

والصحيفة بدورها تعترف بالمدلول الذي لمصطلح “سلفي” في المقال حين قالت في توضيحها السابق، إن لغة المقال “إنما ناقشت فكرة عامة قد تفيد نقاش التدين في المغرب الذي يتعرض لتوغل مذاهب مشرقية غير منسجمة مع الثقافة المغربية”، ورغم تهافت هذه المحاججة فإنها تعطي لوسم أبو خلال بـ”السلفي” بعدا حساسا بل وخطيرا يربطه بالمذاهب المشرقية التي توسم أيضا بالتطرف. وقد أصيبت الصحيفة المذكورة باضطراب، فحذفت المقال، ثم أعادت نشره للاعتبارات التي ذكرتها، ثم حذفته نهائيا دون أن تبين لماذا، مادام ذلك المقال لا يتناقض مع خطها التحريري ولغته في نظرها “كانت موضوعية ولم تمس بأي شكل من الأشكال جوانب شرف أو عرض أو غيرها”؟ وتجاهلت الصحيفة أن ردود الفعل، وخاصة الجامعة الملكية لكرة القدم والمجلس الوطني للصحافة المغربية، ليست مجرد انتقاد فكري لما جاء في المقال المذكور، بقدر ما هي إدانة قوية لوسم أحد أبطال المغرب بصورة نمطية خطيرة تضعه في صف “داعش”.

وبالنسبة للنوع الثاني من خلفيات “شرملة” مونديال قطر ذات الطابع السياسي، لا بد من التأكيد أن هذا المونديال يتجاوز أن يكون مجرد حدث عرضي أطلق شهية دوي الطبائع والنفوس السلبية، وأصحاب “خالف تعرف”، إذ يتعلق الأمر بحدث استثنائي استقطب تعاطف الشعوب العربية والإسلامية، وسجل حضورا استثنائيا في الإعلام الغربي، وخلف كسبا سياسيا عظيما، مما يفرض أن تشمل مقاربة ظاهرة “شرملة مونديال قطر” زوايا تستحضر فاعلين من مستوى دولي يغيظهم أن يستمر عرس المونديال بكل ذلك الكسب السياسي الإيجابي، وأن يحاولوا تقليص عمر التعاطي الإيجابي للجمهور مع الحدث، بتحريف اهتماماته نحو بعض التفاصيل الصغيرة وبعض الهوامش، وتحويلها إلى قضايا رأي عام تستبدل إيجابيات الحدث بنواقص يتم النفخ فيها وجزئيات يتم تضخيمها، ومظاهر فردية يتم تعميمها، وكل ذلك في محاولة لإطفاء الجذوة الإيجابية التي اشتعلت في النفوس.

ولفهم طبيعة الفاعلين الواقفين خلف “حملات تشرميل” إنجازات مونديال 2022 عربيا وإسلاميا وإفريقيا، يكفي استحضار أن أكثر دولتين استفادتا من الكسب السياسي لمونديال 2022 هما المغرب بالدرجة الأولى ثم دولة قطر في الدرجة الثانية، الأولى بالإنجاز الرياضي الباهر لمنتخبها، وببعد ثقافي وقيمي وحضاري استقطب التعاطف الشعبي الواسع، والثانية بالنجاح الباهر أيضا في تنظيم أكبر تظاهرة رياضية عالمية رفعت رؤوس الدول العربية.

نعم لم يتقبل الإعلام الغربي نجاح دولة عربية في تنظيم المونديال ونجاح منتخب دولة عربية من إزاحة عدة منتخبات عالمية ودخول المربع الذهبي لأول مرة في تاريخ كرة القدم بالنسبة للعرب والأفارقة، لذلك لم تتوقف حملات التشويه ضد التظاهرة الرياضية وضد المنتخب المغربي وأبطاله وأمهاتهم وزوجاتهم، وبلغت حد اتهام المنتخب المغربي بالداعشية، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، بل بلغت ببعض وسائل إعلام الغرب الذي غاظه الحضور الحضاري القوي للأم كرمز ثقافي وقيمي في قلب الحدث من طرف أسود الأطلس، أن شبه علاقات اللاعبين المغاربة بأمهاتهم بعائلات القرود!

حملات الإعلام الغربي ومحاولاته النيل من المنتخب المغربي من تنظيم المونديال كانت مفهومة وواضحة لأن الواقفين خلفها واضحون وخلفياتهم السياسية والحضارية معروفة، ولا ينتظر منهم غير ذلك. لكن “التشرميل” الذي يتعرض له بعض أبطال المنتخب المغربي، أو أمهاتهم، أو تنظيم التظاهرة من طرف قطر وسط إعلامنا ووسط مواقع التواصل الاجتماعي في أوطاننا، والتي تروم تسويد صفحتها، لا يمكن فهمها إلا باستحضار ما سبق، وأن أعداء وخصوم وحساد دولتي المغرب وقطر، هم من يقفون خلفها من دون شك.

فمن هؤلاء الفاعلون الذين غاظهم نجاح الدولتين في المونديال، ويرغبون في تقليص مدة فرحة الشعوب المرتبطة بهما، وتشويه الصورة، والتشويش على المنجز الرياضي ببعد ثقافي وحضاري؟ يكفي استعراض لائحة خصوم المغرب وقطر السياسيين في المنطقة، وحسادهما التاريخيين فيها لمعرفة هويتهم.

إن بعض عمليات “شرملة” مونديال قطر إعلاميا وفي مواقع التواصل الاجتماعي، لا يمكن فهمها على أنها فقط نوع من التعاطي التلقائي للناس مع الحدث، كل حسب خلفيته الشخصية، بل أيضا في جوانبها الكثيرة كمشاريع سياسية يغيظها أن يفرح الشعب المغربي، وتتقد فيه جذوة الوطنية، وتتوحد مشاعره الإيجابية بقوة، وأن يعيش المغرب ملكا وشعبا عرسا استثنائيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • نور
    منذ 3 سنوات

    زوين