الكرة العالمية، الكرة المغربية، منتدى العمق

عام المونديال.. عندما عاد الأسود بالحلم إلى القارة السمراء

في الصورةِ مُعلقٌ أرجنتيني شهير يدعى نيكو كانتور، يقف من على كرسي التعليق ويصيح بأعلى صوته ”المغرب إلى نصف نهائي كأس العالم.. مارويكوووس.. مارويكوووس”.

لقد بعثر هذا الإنجاز أوراق المعلقين والمحللين عبر العالم، وهي بالفعل لحظات جنونية عاشها جمهور كرة القدم عبر العالم مع المنتخب المغربي، وحتى المغاربة وراء الشاشات لم يصدقوا ما يصلهم من أرض الدوحة في قطر، تصديات بونو، رقصة حكيمي، احتفال بوفال رفقة والدته والركراكي يركض في خط التماس، قلوب المغاربة لم تقوى على استيعاب كل هذا. لقد تحققت المعجزة الأفريقية وأصبح لدى المغاربة منتخب يفتخرون به أمام العالم.

في قصة أسود الركراكي تعلم الجميع بأن الأسرة والأم خاصة هي أساس كل النجاحات، وفي كأس العالم تعلم الجميع بأن الأوطان كالحب لا يمكن أن تمزق إلى نصفين، والقدوة الحقيقية للشباب هم أولائك المتمسكون بحب أوطانهم وأسرهم والمعتزين بثقافتهم. هو عام ليس كباقي الأعوام في قلوب المغاربة بعد خمس مشاركات في المحفل العالمي جاءت المشاركة السادسة لطي صفحات الماضي.

قبل هذا العام لم تكن أغلب الجماهير الكروية على مستوى العالم تعترف بأن أفريقيا قادرة على تكوين شخصية كروية تتغلب بها على الغرب ولو كرويا. وجاءت مشاركة المنتخب الوطني المغربي كثمرة نجاح وطموح الأفارقة في التحدي، وفي التغلب على هزائم التاريخ والجغرافيا وعلى الخوف في ذواتهم، ولم يكن عام 2022 كباقي الأعوام، بل سيبقى وسام فخر وشّح به أسود الأطلس صدر القارة الإفريقية والعرب عموما بوسام من ذهب، احتل فيه المغاربة المركز الرابع في كأس العالم لأول مرة في تاريخ اللعبة.

انتهت قصة قطر الجميلة، ولم تعد الأمةُ حزينة على المنتخب كما كان من قبل، لقد نثروا ورود الأمل في صدور أبناء الوطن، وتسلقوا معهم سلّم المجد أمام العالم. وسيكون هذا الجمهور أول الداعمين للأسود  في نهائيات ساحل العاج في العام المقبل، فهذا إنجاز كبير وخطوة طويلة تجاوز بها المغرب نكسات الماضي  كرويا واستشرف بها أمل الغد. وسيكون على الذين شككوا في قدرة وليد الركراكي الاعتذار له أمام العالم.

قبل بداية مونديال قطر لم تكن مشاركة منتخبات القارة السمراء الخمس محط اهتمام الإعلام الغربي، لقد تعاملوا مع هذه المقاعد الخمس كأنها مكملة لدور المجموعات فقط، وحده المغرب الذي حظي بتغطية وكلام إعلامي قليل حول قدرته على تقديم نسخة جميلة كالتي قدمها في النسخة الماضية في روسيا 2018، وحتى أغلب المتفائلين لم يضع أسود الأطلس كمتأهل من مجموعةٍ تضم كبار القارة كالمنتخب الكرواتي وصيف نسخة 2018 والبلجيكي أول منتخبات العالم في تصنيف الفيفا.

خاضت منتخبات القارة السمراء قبل محفل قطر2022 ماراطونا كرويا انتهى بتأهل المغرب، السنغال، غانا، الكاميرون وتونس، حاملين بذلك آمال القارة السمراء على أكتافهم ووحده المغرب خرج مدافعاً عن هذه الطموحات بتركيبة بشرية اختارها وليد الركراري في وقت وجيز، بعد رحيل البوسني وحيد حاليلوزيتش بغضب من الجمهور المغربي.

رحل الركراري إلى قطر مُسَلحا بلاعبين وضع فيهم ثقته ودافع عنهم أمام وسائل الإعلام، وبدعم جماهيري وشعبي كبير بعد تعيينه على رأس الإدارة التقنية للفريق الوطني شهرين قُبيل انطلاق المونديال. كَتوم حول خططه ومتفائل برفع همم الأفارقة والعرب، هكذا كان يواجه الركراكي عدسات الصحافيين وأسئلتهم قبل انطلاق أول لقاء في المجموعة السادسة أمام المنتخب الكرواتي. تعادل أسود الأطلس بعد ذلك وخرج الرجل مرفوعَ الرأس أمام الجماهير المغربية ليقول لهم بأنه أخرج الأسود من مأزق الكروات وأن المباراة كانت صعبة عليه، ولن يستوعب المشككون الدرس حتى تتأهل كرواتيا إلى نصف النهائي، لتنصف بذلك أقوال الركراكي بعد أول مباراة ضدهم.

بعد مباريات الجولة الأولى من دور المجموعات بدأ الركراكي بضخ جرعات الثقة في دماء أسوده، وهكذا انطلق قطار الأسود من محطة دور المجموعات ليزحف على الأخضر واليابس راكبين على طموحات كبار القارة، فبعد بلجيكا وكندا جاء الدور على اسبانيا وبعدها البرتغال ليصل المغاربة إلى نصف النهائي أمام دهشة الجميع، وربما كان يجب على المؤلف الأرجنتينى لوثيانو برينيكى أن يضيف قصة أسود الأطلس إلى كتابه ”أغرب الحكايات في تاريخ المونديال“، لأن ما حققه المغاربة يستحق أن يروى لأجيال أخرى مستقبلا.

وبعد هزيمتين متتاليتين الأولى أمام فرنسا حرمت الأسود من التتويج بالمونديال والثانية أمام كرواتيا احتل بها المغاربة المركز الرابع، لم ينل هذا من فرحة الشعب المغربي ملكاً وشعباً. صوبت عدسات الإعلام العالمي بعدها إلى الاستقبال الملكي والشعبي الذي حظي به المنتخب بمدينتي سلا والرباط أثناء عودتهم إلى أرض الوطن.

هذه القصة التي خطها أبناء المغرب لم تمر كواحدة من المفاجآت التي تحدث أحيانا في نسخ كأس العالم، وإنما هي قصة تركت أثرا عميقا في كبريات الصحف العالمية، خاصة منها البريطانية التي أقرّت فيها صحيفة الجارديان بأن صور احتفالات المغاربة كسرت جملة من الصور النمطية خاصة حول النساء المغربيات المهاجرات اللاتي حظين بتكريم ورد للجميل من طرف ابنائهن أمام العالم. القصة المغربية لم تمنح صورة إيجابية فقط للمغاربة بل للعرب وللقارة السمراء عموما.

تفوق الركراكي طولا وعرضا، وراهن على سيرته الذاتية وتسلم قيادة المنتخب في فترة عسيرة لم يكن لينجح فيها أي مدرب، وسيكون على الجامعة أن توفر له كامل الصلاحيات والحماية ليكون في الموعد في كأس أفريقيا بساحل العاج. وانتهت حكاية أسود المونديال في عام تعلم فيه الجميع الدرس، وتعلمنا فيه بأن الحلم من حق كل واحد منا، يكفي فقط أن نقاتل لتحقيقه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *