سياسة

الوحداني لـ “العمق”: هكذا اشتعلت إفني يوم المسيرة الخضراء

محمد الوحداني، شخصية باعمرانية طبعت الساحة السياسية والجمعوية بسيدي إفني بكثير من الجدل، وذلك بسبب تحركاته التي بصمت عن لحظات ذات انعطافة تاريخية بعاصمة آيت باعمران، بدءً بأحداث السبت الأسود سنة 2008، ومرورا بتشكيل السكرتارية المحلية وانتهاء بترؤس المجلس البلدي لسيدي إفني، فدخول السجن بعد ذلك.

في هذه الحلقات المعنونة بـ “السر” والتي خص بها الوحداني جريدة “العمق المغربي”، نتعرف بشكل أقرب إلى شخصية الوحداني ومساره طيلة عشرين سنة من حياته، حيث يحكي عن تجربته بانتصاراتها وانكساراتها، حكايات وفاء وحكايات خيانة مقربين وأصدقاء، تقاطعت حكاية حياته مع حيواتهم.

الجزء الثامن: الفتنة في عيد المسيرة الخضراء

ياك لا باس اسي لحسن، فقال لي: بولعلام كلها عافية وعشرات البوطات دالغاز شاعلة فيهم العافية! الله يجعل السلامة اليوم غادي يطيحو الأرواح مصيبة هادي.

في تلك اللحظة نظرت إلى خديجة زيان دون أن أنبس بكلمة، حركت رأسي بهدوء، كانت تعابير وجهي تترجم ما يجول في خاطري من إحساس كبير بالغصة والاستسلام والألم.

لحسن بولقطيب جلس القرفصاء في أقصى الصالون، وهو ينظر إلي، مرت لحظات صمت. أسقط في يدينا جميعا. فجأة قلت لهما: غلطة الشاطر بألف، ألم أقل لكما طيلة هذا العام، ومرات عديدة أن هناك من يتآمر دون كلل على المنطقة ويريد تصفيات الحسابات معها ويخطط كي يضعها أمام فوهة البركان، وفي نفس الوقت يريد توريطي أيضا في ملف ما، كي تخلو الساحة للبعض ويستفرد بها.

قالت زيان وهي تنظر إلي وإلى لحسن: لا علاقة لك بما يقع الآن في بولعلام، وأنت لم تحضر أصلا هناك، والكل شاهد على أنك غير متواجد في موقع الأحداث. فرد عليها بولقطيب: صحيح ماتقولين نحن شهود أيضا على أنه قضى المساء كله في كولومينا وتعشى عندي، وعندنا صور توثق لجلستنا هذه منذ الثامنة ليلا وهانحن الآن في منتصف الليل وأخد صورا أخرى.

نظرت إليهما طويلا ثم قلت: على أي، من قرر وخطط كي أحضر إلى إفني ودعاني إلى ضرورة أن أقطع سفري ثم بعد ذلك بدأ يسوف في لقائي، وهو يتوفر على معلومات أمنية مؤكدة مسبقة بأن إفني ستشهد أحداثا ما في هذا اليوم الوطني، كان قصده واضحا ….. أنا من كان غبيا وعنيدا. سهوت قليلا، عاد إلى ذهني حوار هاتفي مع الأستاذ عمر إفضن أجريناه ليلة البارحة، اتصل معي منتصف الليل:

عمر إفضن: مرحبا الرايس، باقي من الساهرين؟

محمد الوحداني : مرحبا أمغار، مازال فايق يييه.

إفضن: فين كاين باقي؟

الوحداني: إفني.

إفضن: ورا أنت راسك قاصح، أش إوا كدير تما، وسافر بدل ساعة بأخرى، مانعرف أنا واش أنت كتدير السياسة أو كتحلل الأمور بالعقل والمنطق، أو غار طلقها ماشية بوحدها. را غادي إيديرو لك شي قالب أنت را هادوا ماكتعرفهوم مزيان، بما أنك ماباغي تدير داكشي اللي بغاو وأنت منافس تاعهوم وبقوة، را غادي يطحنوك كيما قالو ليك.

الوحداني: أش عندهوم مايديروا أنا راد البال وداكشي اللي ممكن يورطني ويخليهوم انتقموا مني داير منو بلاش!

إفضن: وباز دابا تشوف، را كاين أطراف متعددة تخطط للانتخابات وأنت إما تمشي معهم أو غادي يغبروك من الصورة. انسى عليك داك اللعب السابق، إفني دابا تحت المجهر اللي كيخطط ليها لوبيات لاترحم وممكن تدير كل شيء كي لا تعاد تجربة السكرتارية تاع ايت باعمران، لن يقبلوا أبدا بأية مفاجآت، الضربة تاع 2008 وانتخابات 2009 كانت درسا لهم، على أي أنت راسك قاصح وماكتسمع. شفتي باقي العامل؟

الوحداني: لا قال لي أجي نتشاوفو، من بعد فاش جيت، أصبح يتهرب …

إفضن: أجي بعدا واش صيفت لك تحضر غدا لتحية العلم بمناسبة 6 نوفمبر؟

الوحداني: لا! والعجيب أنه أرسل للدار كلها مابقا ليه غار أنا وأمي، جات استدعاءات تاع السلطة لأبي وإخوتي كلهم من غير أنا!

إفضن: عجيب برتوكوليا أنت رئبس سابق وشخصية عمومية ومن وجوه آيت باعمران المعروفة من الواجب أن يستدعوك بل من المفروض، وهوما أصلا كيستدعو كل الرؤساء السابقين، شوف كن تسمع، عندك حلين إما غادي تخوي البلاد حتى يقربوا الانتخابات أو غدا إمشي لتحية العلم ضروري.

أنا فاش كنحلل كيبان ليا الريحة تاع شي حاجة خايبة كيوجدها داك العامل وشي وحدين أخرين من المنافسين الانتخابيين تاعك، أنا بالله وبالشرع معاك خوي إفني وخوي إفني وبدأ يصرخ في الهاتف ويردد تلك الكلمات، فجأة نفذ شحن الهاتف وانطفأ.

خديجة زيان: فين مشيتي آ الرايس واه سهيتي نيت؟

قلت لها، كنت أفكر في ماحكيته لك عن مكالمتي مع إفضن ليلة البارحة، على أي اكتملت الآن الصورة، ونجحت اللوبيات في خطتها الأولى وهي فبركة أحداث في يوم عيد وطني، كي تسيء علاقات القصر مع المنطقة، ونجحت في توظيف عامل الإقليم في إحضاري لإفني، وتوظيف مجهول عبر الفايس كي أحضر لهذه الوقفة المنظمة في كولومينا، وحينما فشل سيناريو انطلاق الأحداث هنا حيث كنت حاضرا كي يوظفوا محضر معاينتي ضبطيا كي يتم إدانتي بالدليل المادي، غالبا هم من تسبب في إثارة أحداث بولعلام وإشعال قنينات الغاز بها.

منذ سنوات ونحن نناضل أبدا لم يتجرأ أحد على مثل هذا الأسلوب! هذه طريقة غريبة على أبناء إفني ….. في هذا الوقت كان بولقطيب يتصفح الفايس بوك، ثم ردد قائلا: داكشي اللي قلتي آ الرايس هو اللي كاين، ثم بدأ يقرأ تعاليق ومنشورات في الفايس بووك، كلها تصب في أن قوات التدخل هي من استفر مجموعة من الشباب وبدأوا في تعنيفهم في منطقة بأعلى حي بولعلام، حيث ألف دائما بعض شباب الحي السهر والسمر هناك.

حينها قلت لهما: وكل شيء باين بلا مانصدعو راسنا هادوا بغاوني، وغادي تشوفو قريبا. الفرصة مواتية لن يضيعوها أبدا. تساءل بولقطيب: ولو لم تكن حاضرا؟! أجابته: ولو لم أكن حاضرا.

الظلم ظلمات ولكن هذا جنيته على نفسي، الثقة في الذيب تورث الهلاك. وقد أهلكت نفسي بنفسي. نهضت قائما وقلت لهما: أنا باغي نتمشى شوية، لا يمكن أن أقف متفرجا حتى تسقط روح ما، لن أغفر أبدا لنفسي أن أكون حيا وتشتعل حبيبتي إفني وأنا هنا أنعم بهدوء، وهناك ألف احتمال أن تقع كوراث ووفيات، أقترح عليكما أن نتمشى قليلا، قاطعني بولقطيب: سألبس ملابس الخروج وأحضر مفاتيح السيارة ونمضي معا.

قلت له لا سيارة اسي لحسن. الأمر جلل أنا أريد أن أفكر وأقرر بسرعة ولا أتمكن من ذلك إلا إذا كنت ماشيا. بعد قليل عاد بولقطيب، كنت وخديجة أمام باب منزله في الشارع، وجدنا في انتظاره. قبل أن أعود إلى نفسي وأتأمل فيما يجب فعله، قلت لهما: مادام في هذه الدولة بعض الموظفين قليلو الضمير ومنعدمو الوطنية والنزاهة، بإمكان أي لوبي فاسد أن يشتري التقارير ومن يكتبها كي يتم إدانة منافسي ومزعجي هذه السرطانات التي أودت بالبلد إلى هذه الهاوية السحيقة، وبدل أن يتم توظيف الدولة وأجهزتها وموظفيها لتحقيق نظام عادل وحياة كريمة وتوفير حقوق العيش لمواطني البلد، يوظف الوطن كله في مؤمرات بئيسة وحقيرة كي يربح الموظف الفاسد بعض دريهمات، ويربح الفاسدون أرصدة مسروقة، ويخسر في الأخير الوطن. 

وصلت بهم الدناءة والفساد والجشع، أن يتآمروا ضدي إلى هذا الحد، كي أخرج من مشهد الانتخابات القادمة، التي أحسوا فيها بأنني منافسهم المزعج، وكل ذلك من أجل أن تسرق ميزانيات إقليم إفني، فنسق موظفون ولوبيات من أجل إقناع الدولة بضرورة اعتقالي، وكانت فبركة كل هذه الأحداث هذه الليلة، وفي ذكرى عزيزة علينا، نحتفل فيها بإحدى ملاحم التاريخ المغربي عبر قرون: ملحمة المسيرة الخضراء. 

عمنا الصمت وهدوء مريب، ونحن نتمشى في أزقة كولومينا نتجه صوب منحدر وادي إفني، ودخان الحرائق في جبل بولعلام يفتض بكارة سماء صافية، تشهد على جريمة غير شرعية نسبوها لمحمد الوحداني ظلما لأنه وقف أمام كل محاولاتهم اغتصاب أرزاق البلاد والعباد.

… يتبع

هذه المادة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “العمق المغربي”.