اقتصاد

خاص: الفحم الخشبي بالمغرب.. إمكانات مهمة واستعمالات متعددة تصطدم بإكراهات

تتعدد استعمالات الفحم الخشبي من التدفئة والطهي إلى استعمالات طبية متعددة بعد تفحيمه. ويقبل المغاربة بشكل كبير على استعمال الفحم الخشبي لأغراض التدفئة خاصة في أوقات البرد، وكذا لأغراض الطهي في مناسبات متعددة.

يتوفر المغرب على إمكانات كبيرة لإنتاج هذا الفحم وتحويله، من خلال غطاء غابوي مهم وسوق داخلية مهمة بالنظر إلى إقبال المغاربة على استهلاكه في كثير من المناسبات.

ورغم هذه الإمكانات فإن هذه السوق تواجه إكراهات كثيرة فيما يتعلق بالتنظيم وهيمنة السوق السوداء، زيادة على الأثر البيئي خلال عمليات الاستغلال والتحويل.

 سوق سوداء

يعرف سوق الفحم الخشبي بالمغرب هيمنة السوق السوداء، بحيث إن عمليات المراقبة التي تتم في هذا الصدد لا تزال غير كافية لضبط مختلف عمليات التحويل والتسويق. سواء فيما يتعلق بالجودة والمحافظة على البيئة أو فيما يتعلق بطريقة التخزين في المستودعات وطريقة التعبئة والتوزيع. ذلك بالنظر إلى عدم احترام أغلب الفاعلين لمعايير التخزين والتعبئة والتوزيع.

أغلب عمليات التعبئة تتم عبر أكياس لا تخضع لأي معايير معينة، باعتبار أنها أكياس سبق أن تم استعمالها في تعبئة مواد أخرى، كأكياس الدقيق والحبوب أو منتجات أخرى.

وفيما يتعلق بالتخزين والمستودعات الخاصة به، ففي الغالب لا تخضع لمعايير معينة في الواقع، ويتم استغلال مستودعات دون معايير محددة.

ينطبق الأمر نفسه على مستوى عمليات التحويل والنقل والتوزيع. فعمليات تحويل الخشب إلى الفحم، تتم في الغالب عبر حرق الخشب في حفر كبيرة تعد لهذا الغرض، تسمى بتقنية “الكوشة” حيث يتم وضع الخشب في حفر معدة مسبقا وتتم عمليات التحويل بطمرها وبعدها يتم تعبئة الفحم المنتج ونقله وتوزيعه.

جهود.. ومراقبة قائمة

بحسب المعطيات التي توصلت بها “العمق” من قبل الوكالة الوطنية للمياه والغابات، فالمساحات المستغلة لإنتاج فحم الخشب تبلغ حوالي 20 ألف هكتار سنويا. وتتمركز هذه المساحات، وفق المعطيات ذاتها، في مناطق الأطلس المتوسط والغرب والريف وتادلة أزيلال.

ويقدر حجم إنتاج خشب الفحم، وفق الوكالة ذاتها، بحوالي 50.000 طن سنويا منها 10.000 طن من الاشجار المثمرة.  أما أنواع الأشجار التي تستغل في إنتاج خشب الفحم، فهي الأكليبتوس والفلين الأخضر والاكسيا  والصنوبريات، إضافة إلى بعض الأشجار المثمرة وخاصة الليمون والزيتون.

أكدت الوكالة الوطنية للمياه والغابات، في رد لها على سؤال تراخيص الاستغلال وطرق المراقبة التي تقوم بها باعتبارها جهة مسؤولة ومتدخلة في هذا السوق، أن ترخيص الاستغلال يتم عبر مسطرة إدارية تبدا بإيداع طلب الاستغلال لدى السلطة المحلية بالنسبة لغابات الخواص أو لدى مصالح المياه والغابات بالنسبة لغابات الدولة التي تفوت عن طريق السمسرة العمومية بعد ذلك تقوم لجنة مختصة بمعاينة القطعة  والمواد المراد تفحيمها، ويتم تسليم رخصة الاستغلال والتفحيم كما يتم تتبع عملية الاستخراج والنقل عبر تسليم رخصة النقل لكل شاحنة من طرف مصالح المياه والغابات وتتم مراقبة نقل الفحم الخشبي عبر الطرقات من طرف مصالح الدرك الملكي و الأمن الوطني إضافة إلى مصالح المياه والغابات التي يخول لها القانون المراقبة عبر الطرقات و كذا المستودعات.

استثمار نموذجي

اتجه المغرب في الآونة الأخيرة إلى الاستثمار في المشاريع الصديقة للبيئة على أكثر من صعيد، وخصص لذلك ميزانيات ضخمة. وفي الوقت الذي تتجه في الدولة ومؤسساتها إلى تشجيع ودعم المشاريع الخضراء الصديقة للبيئة وتقليص الإنتاج الملوث، تواجه بعض المشاريع التي تندرج ضمن هذا التوجه إكراهات على أرض الواقع.

ومن ذلك مشاريع في مجال الفحم الخشبي الصديق للبيئة الذي أطلقه مستثمر مغربي، ويعتبر مشروعا نموذجيا في المغرب  الأول من نوعه، والثاني على صعيد القارة الإفريقية، بعد مصر التي كانت السباقة في هذا المجال في مثل هذه المشاريع.

فحم ايكولوجي

ظهر في الآونة الأخيرة منتوج جديد صديق للبيئة وغير ملوث، فحم يتم إنتاجه بطرق عصرية، وفق ما صرح به محمد العربي لموقع ” العمق”، وهو صاحب وحدة صناعية في هذا المجال، وحدة صناعية تعد الأولى من نوعها في المغرب، والثانية على مستوى إفريقيا بعد مصر.

العربي صاحب الوحدة الصناعية ( وحدة تتوفر على أربعة أفرنة لتحويل الخشب إلى فحم نظيف، زيادة على فرن آخر جاهز لاستعمالات أخرى حسب ما عاينته العمق في زيارة ميدانية للوحدة الصناعية)، يؤكد في حديثه لـ” العمق” بكون هذا الفحم نظيف وصديق للبيئة وفق تقارير مختبر مغربي أجرى تحاليل على هذا المنتوج خلال عمليات الإنتاج وبعدها.

محمد أشلحي، الذي يعمل في مجال تسويق  هذا النوع من الفحم “الايكولوجي”،  يقول أن  من مميزات هذا النوع الجديد من المنتوج في المغرب، يتميز بعدد من الخصائص، منها أنه منتوج صديق للبيئة وغير ملوث، بالنظر إلى طريقة تحويله التي تعتمد على تفحيم الخشب في درجات حرارة عالية تصل إلى  ما بين 400 إلى 1000 درجة مئوية، بحيث تضمن تحويلا كاملا للخشب إلى فحم، يجعله خال من الغازات السامة، ولا يصدر منه الدخان خلال استعمالاته المنزلية في التدفئة أو في الطهي وكذا في استعماله في الطهي بمحلات الأكلات والمطاعم والفنادق وغير ذلك. ويعود ذلك، وفق المتحدث،  إلى كون هذا النوع من المنتوج خاضع لتحاليل من قبل مختبرات مغربية معتمدة، وتسلم له شهادات بهذا الخصوص.

استثمار ومخاطر

يقول محمد العربي، صاحب الوحدة الصناعية لإنتاج الفحم الخشبي “الايكولوجي”، في تصريح للعمق، أن فكرة إنتاج هذا النوع من الفحم استقاها من تجارب خارج المغرب. وعلى أساس ذلك شرع في الإعداد لفكرة المشروع، الذي انطلق فعليا في الإنتاج أواخر سنة 2019.

ويضيف، العربي، أن كمية الإنتاج في الوحدة الصناعية، خلال الظروف الجيدة، تصل إلى نحو 700 طن في السنة. مشيرا إلى أن تكلفة الاستثمار في هذا المشروع بلغت نحو 400 مليون درهم. ويعتبر المشروع الأول من نوعه في المغرب وافريقيا مع استثناء مصر.

المشروع والاستثمار فيه، وإن اعتبره، العربي، مشروعا نوعيا في المغرب واستثمار صديق للبيئة، لكنه لا يخفي هواجسه وتخوفاته من هيمنة بنية متوغلة في سوق الفحم بالمغرب، سوق تطغى عليها المضاربة، وسوق غير مهيكلة، بالرغم من جهود المراقبة التي تقوم بها المصالح المتدخلة.

استعمالات طبية

أكد الخبير في مجال الصناعات الدوائية، عبد المجيد بلعيش، أن الفحم الخشبي بعد تحويله إلى الفحم charbon، يدخل ضمن المواد الكربونية، ويتميز بكثير من الخصائص التي تجعله مادة تستعمل في الطب، ويدخل في تركيبة عدد من الأدوية، بل ويعتبر في خد ذاته دواء لعدد من المشكلات الصحية، بعد أن ينصح به من قبل الطبيب.

ويفصل بلعيش بخصوص الاستعمالات الطبية للفحم الخشبي، حيث أكد أنه يستعمل في التخلص من الغازات، حين تكون موجودة مثلا في الأمعاء، بحكم أنه يمتصها، كما يستعمل في التخلص من التسممات.

وتعود فعالية الفحم، في الاستعمالات الطبية، وفق الخبير ذاته، إلى قدرة على الامتصاص بشكل كبير والاحتفاظ بالمواد التي يمتصها دون أن يصرفها إلى محيطه.  ويمكن أن يستعمل أيضا في حالات الإسهال. وينصح أيضا بعدم تناول أدوية أخرى في نفس الوقت التي يتم فيها تناول charbon كدواء، بالنظر إلى خاصية الامتصاص التي يمتاز بها الفحم.

الاستيراد والإنتاج المحلي

أكد مهنيون يعملون في مجال الفحم، أن هناك أنواعا أخرى يستورد المغرب أغلب حاجياته منها، سواء الفحم الموجه للاستعمالات الطبية أو الموجه للاستهلاكات المنزلية أو أصناف أخرى من الأنشطة كالفحم المستعمل في “النرجيلة” أو الشيشية. ويضيف مهنيون، أن هذا النوع يمكن إنتاجه بالمغرب دون اللجوء إلى استيراده وبالتالي الاقتصاد في العملة الصعبة وكذا خلق قيمة مضافة محلية.

وأوضح هؤلاء، أن الفحم الموجه لهذه الاستعمالات ينتج عن طريق تفحيمه تحت درجات حرارة عالية وهو مختلف عن الفحم التقليدي الذي يتم إنتاجه عن طريق ما يسمى بـ “الكوشة”، وأشاروا إلى أن تقنية من تحويل الخشب إلى فحم نشط تتوفر بالمغرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *