منتدى العمق

في الحاجة إلى حياة سياسية نظيفة

لا نحتاج إلى كثير يقظة حتى نلمس اليوم ضروب التنكيل و الإشاعة و الاختلاق والكذب – سواء عن وعي أو بدنه – التي تساهم في تشييد صورة نمطية مختزلة لواقع المشهد السياسي المغربي. وتأتي هذه كلها في فترات مهمة من تاريخ المغرب والمتزامنة أساسا مع تشريعية كل سنة، والمقال يسلط الضوء على أشكال بصمت تشريعية 7 أكتوبر 2016.

ولاشك أن لمثل تلك الأشكال المشار إليها أعلاه مساوئها الكبيرة التي لا يستسهلها عاقل. وفي هذا الإطار، يمكن القول إن الحياة السياسية المغربية اليوم أصبحت تبتعد شيئا فشيئا عن التنافس النزيه، لتعمد لوسائط أخرى ، مستغلة في ذلك القطاعات الأكثر حيوية والتي تتماشى وأهدافها.وإذا بحثنا في مرد تبني هذه الأشكال التي تأتي على شكل ” هجمات ” و “قذائف ” متبادلة في الغالب بن مختلف التشكيلات السياسية، وجدنا أنها تعود لأمور كثيرة يتم تعليبها والتوجه بها نحو “أسواق استهلاكية” قصد ترويجها، فيتم اللجوء إلى الإعلام بمختلف أنواعه (المرئي، المسموع، المكتوب)، علاوة على تسخير ” جهات مأجورة ” قصد الاستمالة، وتقديم عروض مغرية. هذا فضلا عن متشابهات أخرى لا يتسع المقام لذكرها؛ لكثرتها، ولتبدل صيغتها من وقت لآخر.

بالعودة إلى علاقة الإعلام بجماع الممارسات من إشاعة واختلاق وكذب وتنكيل، نجد أنها – أولا وقبل كل شيء- تساهم في تشكيل صورة نمطية تختزل المشهد السياسي المغربي، ناهيك عن كون هذه الأشكال تسمح ” للآخر ” بإنتاج تصور معين حول وضعية ” الديموقراطية ” ببلادنا، والتي نرى أن مختلف الأحزاب السياسية تضعها ضمن أولوياتها. إنه لمن رابع المستحيلات أن تتعايش تلك الأشكال والطموح الديموقراطي؟؟

إذن، فالمؤسسة الإعلامية من شأنها أن تربك السير العادي للعملية السياسية، عبر تهليلها لجهات وأطراف معينة، مثلما تهكمها بل وتضييقها على أخرى. مما يدعونا لصياغة أسئلة جادة تتصل بمدى استقلالية هذا الجهاز الذي لا يخفى على أحد أدواره الريادية في ممارسة التأثير والمساهمة في توجيه رصيد مهم من الرأي العام. فهل من الممكن الحديث في مغرب اليوم عن إعلام مستقل؟ بل هل لدينا إعلام

مستقل؟ أم أن أجهزتنا الإعلامية تبقى مجرد أبواق لجهات وأحزاب معينة؟ ثم ألا يمكن أن يكون الإعلام بمختلف وسائله دعامة لترسيخ قيم النزاهة والديموقراطية؟

على سبيل الختم، يمكن أن نورد في هذا المقام ما لمواقع التواصل الاجتماعية (الفايسبوك مثلا) من دور جوهري في إشعاع الشأن السياسي مثلما العمل على تلويثه. لذلك من الجائز اليوم الحديث عن ” حملات انتخابية إلكترونية ” أكثر من تلك التي نشهدها في مختلف الشوارع والأزقة.

بإمكان مواقع التواصل الاجتماعي أن تعرف على نطاق أوسع بالبرامج الانتخابية للأحزاب السياسية، كما أنها تساهم في توسيع دائرة التواصل بين مختلف الأطراف على اختلاف توجهاتها ومرجعياتها. ومن جهة أخرى، تعمل مواقع التواصل الاجتماعي على الرفع من شأن أطراف والحط من أطراف أخرى، وذلك عبر ” تجييش ” و تسخير صفحات وأشخاص يتحاملون على جهات معينة، ويعدون لها من العدة و العتاد ما يضر بسمعتها السياسية.

لقد أدركت التشكيلات السياسية وقع وفضل وسائل التكنولوجيا في تقريب المسافات بينها وبين متبعيها، بل وبجمهور المواطنين. ورغم أفضالها الكثيرة التي تشكل جزءا من كل هو الإعلام. فإننا في حاجة ماسة أكثر من أي وقت لشحنات زائدة من الحيطة واليقظة، على اعتبار أن ليس كل ما يبث ويروج له هو الحقيقة، وإنما قد يكون ضربا من العبث والتضليل المقصود.