حوارات، مجتمع

“خمسة أسئلة” لرغيب أمين: كيف يمكن للمواطنين حماية أنفسهم من الابتزاز الرقمي والنصب عليهم؟

يناقش كثيرون، مسببات انكباب العديد من الشباب وراء إنشاء قنوات على “اليوتيب”، أو حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، ويجتمعون في الأخير، على كون هذه الطريق هي الحل الذي يحقق أرباحا مادية دون أية مجهودات كبيرة، في زمن يبحث فيه الجميع عن اللقمة “السهلة السريعة”.

وقد ساهم هذا الوضع بشكل كبير في انتشار التفاهة، وبرزت معه وجوه “تافهة” أضحت تثير إعجاب فئات واسعة من المجتمع، وتتداول أشرطتها بين الفينة والأخرى، وأصبح رواده يحققون أرباحا مالية مهمة، ويتفاخرون بذلك أمام الجميع وبفم مليان.

فيما يختار آخرون التجارة الإلكترونية، أو تداول العملات الرقمية، كونها أحد الملاذات “الآمنة” للشباب العاطل من أجل جني بعض الأموال، إلا أن بعض المتربصين بهؤلاء، والمستغلين حاجتهم للهروب من شبح البطالة، يبيعون لهم في الدورات التكوينية كثيرا من الوهم، مقابل قليل من المعرفة، ويبقون على الآليات والتقنيات الناجعة والناجحة لصالهم.

لنقاش هذه المواضيع، رفقة أخرى تتعلق بحماية المواطنين من الابتزاز الرقمي والنصب عليهم، تستضيف جريدة “العمق المغربي”، الخبير في الأمن المعلوماتي وصاحب مدونة المحترف، أمين رغيب، ضمن فقرة “خمسة أسئلة”.

هل ما يروج اليوم بكون أصحاب القنوات والحسابات على منصات “السوشيال ميديا” يربحون أموالا بالملايين حقيقة، أم أنه يتم تضخيم الموضوع فقط؟

ليس تضخيما، فأصحاب القنوات يحصلون فعلا على أموال ضخمة، لكن هذا لا يعني أن جميعهم يربحون ملايين السنتيمات، لأن الأرباح تتحكم فيها العديد من المعطيات، منها نسب المشاهدة، وعدد الفيديوهات المرفوعة في القناة، ووتيرة النشر.

هناك من ينشر يوميا فيديوهات، وتصل إلى عدد كبير من المشاهدات، تقدر بمئات الآلاف، ومنها من يصل نصف مليون والمليون، هؤلاء من أقصدهم بكلامي.

أصبح الجميع اليوم مهتم بالربح من الإنترنت، إلا أننا نرى أنه يتم اختزال الربح في تحصيل المشاهدات، في نظرك هل هذا الوضع طبيعي أم أن هناك منافذ أخرى للعمل في الانترنيت؟

يقول المثل فاقد الشيء لا يعطيه، وبالتالي فإن الاشتغال عبر الإنترنت، يحتاج إلى مهارات وخبرات وكفاءات قد تكون مهنية، أو فكرية في أحيان أخرى، حتى يستطيع الشخص أن يدّر أموالا من تلك المهارات التي يتقنها، ويسوقها على نحو جيد عبر الإنترنت.

لكن، عندما يكون الشخص فاقد لهذه المهارات، يجد أمامه أسرع طريقة وأسهلها؛ وهي نشر الفيديوهات؛ تارة يفتي في الدين وفي السياسة وفي الاقتصاد، كما في الرياضة، وفي أي موضوع كيف ما كان، يهدف فقط لخلق “البوز”.

ولذلك أصبحنا نرى بعض اليوتيوبرز وناشري الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، يفتعلون مشاكل وهمية، بكلام يندى له الجبين، ومستوى منحط في اختيار العبارات، وهذا راجع إلى أن هذا الشخص فاقد من الأساس لأي مهارة.

فعلا هناك الكثير من المنافذ التي يمكن للأشخاص أن يشتغلوا فيها، تبقى على حساب مهاراتهم وميولاتهم ، فهناك من يميل إلى التجارة الالكترونية، وهناك من يميل إلى تسويق العملات، وآخرين يميلون إلى الإشهارات الرقمية، وغيرها من الخدمات التي تتيح الإنترنت. أي أن هناك منافذ عديدة، فقط تحتاج قبل الولوج إليها، أن يستثمر الأشخاص في أنفسهم أولا، والظفر بتكاوين جيدة، موجودة أيضا في الإنترنيت.

هل يمكن أن تكون التجارة الإلكترونية ملاذ آمنا للعديد من الشباب الراغبين في جلب قوت يومهم ولما لا الدخول لعالم التجارة والأموال؟ خاصة في ظل ظهور بعض الأشخاص الذي يتلصصون بهم، ويسوقون لهم أحلاما وردية ليتمكنوا من بيع شواهد دورات تكوينية بأثمنة خيالية أغلبها متاح مجانا ومن مؤسسات معترف بها، أو آخرين يستدرجونهم للانخراط في منصات تابعة لهم؟ 

كلنا نعرف أن خير الخلق، وقدوة المسلمين، كان تاجرا، وبالتالي فإن التجارة إضافة لكونها سنة، فهي أيضا ملاذ آمن لمن يرغب في تحقيق قوت يومه.

لكن مع الأسف الشديد، في إطار الفوضى التي يعيشها الفضاء الرقمي، خاصة وسط تناسل العديد من الدورات ذات العلاقة بالتجارة الإلكترونية، سواء التي تقدم من طرف الأفراد أو المؤسسات، كثير منها تسوق الوهم للشباب، وتكذب عليهم بأرقام خيالية، لا يمكن أن يصدقها عاقل.

وعندما نتحدث عن مؤسسات تكوِّن في مجال التجارة الإلكترونية، يجب التنبيه إلى أن شهاداتها غير معترف بها مقارنة مع تلك التي يقدمها على سبيل المثال “فيسبوك” و”غوغل”، وغيرهم من الشركات العالمية المتخصصة في التدريب، والتي بإمكان أي شخص أن يجدها في الإنترنت.

هذه المؤسسات المعروفة، تمنح شواهد معترف بها بعد اجتياز دورات تكوينية في مجال التسويق والتجارة، ويصبح مجتاز هذه الدورات معترف بشواهده عالميا، عكس هذه المؤسسات التي ومع الأسف حتى تدريسها لا يكون في مستوى جيد، علاوة على أن شواهدها غير معترف بها على الصعيد الدولي.

إضافة إلى ذلك، نلاحظ أن عمليات النصب تشوب هذه الدورات في حد ذاتها، وتقتصر على التدريب في تقنيات أكل عليها الدهر وشرب. وكما نعرف فإن مجال التجارة الإلكترونية أسوة بباقي مجالات الاشتغال في الإنترنت، تتسم بالتجديد المتواصل، وتحتاج لمواكبة التطورات التقنية الغير متوقفة.

ونجد كذلك أن المستفيدين من هذه الدورات هم أشخاص غير مؤهلين، وما أقصد هنا، هو عدم ضبطهم المبادئ الأساسية في التجارة الالكترونية، والتي تبدأ بضبط خدمات التسويق التي يتيحها “فيسبوك و”غوغل”، ثم يفكر في تعلم التجارة الإلكترونية، ويجد أن المؤطر يشرح له تقنيات التسويق التي تحدثنا عنها، وهي متاحة للجميع و مجانا على الإنترنت.

مع كامل الأسف مؤطري هذه الدورات، يدرسون الناس ما يجب أن يكونوا يعرفونه، عوض الانكباب على تقديم تجاربهم الخاصة في المجال بكل صدق ومسؤولية، وتعميق الدراسة حول وضعيات معينة من أجل ضبط وفهم تقنيات التجارة الإلكترونية، وتطوير القدرات فيها.

من الناحية التقنية، هل فعلا التفاهة تخترق أجهزتنا الإلكترونية دون أن يختارها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، أم أن كثرتها هي من جعل مثل هذه المواضيع تطفو على الشاشات؟

الكل يندد بموضوع التفاهة والكل يشاهد التفاهة، نحن شعب “سكيزوفريني”، لا نرضى قول أننا نتابع التفاهة، لكن ساعات الليل عندما لا يشاهدنا أي أحد، نتابع هذا المحتوى.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو، هل تسمح لنا هذه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي نعيشها، في مشاهدة ومتابعة هذا المحتوى؟

أرى أنه عوض أن ينكب الشخص على الاستثمار في ذواتهم وأفكارهم، والبحث عن دخل قار أو ثانوي لتحسين مستواهم المعيشي، يختارون متابعة التافهين الذين يربحون أموالا على ظهورهم، وفي النهاية الضحية الأول والأخير، يكون هو المتابع.

يتعرض عدد من المواطنين للابتزاز الإلكتروني أو الاختراق، وبناء على الخدمات التي تقدمها في شركتك، ما هي أغرب أنواع الحالات التي تصادفها، ما هي النصائح التي تقدمها لمن يتعرض للنصب؟

فعلا هناك العديد من الضحايا، ويمكن أن أقول أنه بشكل يومي نتوصل بالعديد من الاتصالات من داخل وخارج الوطن، في ما يتعلق الابتزاز الرقمي، وقد أضحى هذا الأمر أن يصبح ظاهرة خطيرة جدا، يلتجئ لها العديد من المرتزقة من أجل كسب بعض الدريهمات.

وحالات الغرابة كثيرة في هذا الإطار، ونظرا لخاصية السرية التي نلتزم بها لن أخوض في التفاصيل أكثر، لأننا نحتاج العبر والدروس أكثر من القصة. لقد اتصل بي مؤخرا شخص، اكتشف بالصدفة خلال تصفحه مواقع التواصل الاجتماعي، أنه ضحية تصوير ممارسته الحميمية مع زوجته دون علمهما، وذلك في شقة كراء اليومي، قضو فيها أيام عطلتهم.

وبعد البحث، وجدنا أن هناك العديد من أشرطة الفيديو الخاصة بهم منشورة في مواقع إباحية، وثقت تواجده مع زوجته داخل الغرفة التي اكتراها، وأنه تم استغلال ذلك المحتوى للنشر بمقابل مادي كما هو معروف.

وعندما سألناه عن سبب عدم لجوئه للشرطة، قال الزوج إنه يرفض ذلك مخافة “الشوهة”، وهذا التخوف مع كامل الأسف، هو السبب وراء عدم لجوء المتضررين إلى أقسام الشرطة، لأنهم يخافون من “الفضيحة والشوهة”، وهذا الأمر غير مقبول لأن رجال الأمن واعون بهذه المسائل، ويكفي اللجوء إليهم من أجل الحد من مثل هذه الممارسات السيئة.

أما حالة الزوجين، فقد تدخل فريقنا، وحذف كل تلك الفيديوهات، إلا أنه وجب تنبيه المغاربية إلى أخذ الحيطة والحذر في تعاملهم في الإنترنت، والحال هنا، عن شقق الكراء، فيجب الانتباه جيدا، عن طريق استخدام الوسائل التقنية التي تفيد في ذلك، وتكشف الكاميرات التجسسية التي يخفيها الآخرون، وذلك وفق طرق وتقنيات كشفتها في قناة “المحترف” على اليوتيب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *