وجهة نظر

فوز العدالة والتنمية و استراتيجية إدارة النجاح

تتمة :

المحور الثالث: من دلالات الفوز

بعد المحور الأول والثاني نتحدث في محورنا الثالث هذا،عن أهم دلالات الفوزفي استحقاق7اكتوبر . ففوز العدالة والتنمية، ليس فوزا عاديا في سياق طبيعي ينحصر في عدد المقاعد النيابية المحصل عليها وتعيين أمينه العام رئيسا مكلفا بتشكيل الحكومة. إنما هو فوز استثنائي تاريخي في سياق وطني ودولي يعج بالتقلبات والأحداث.

ويبقى الحزب من خلال فوزه استثناءا مغربيا ونسيجا فريدا ومتفردا في المنطقة العربية كلها. فهو يثقن إلى حد ما طبخ وجباته على نار هادئة. فهم ليسوا إخوان مصر ولا نهضة تونس الذين قفزوا من السجن إلى الرئاسة في مصر وإلى الصدارة في تونس. وليسوا فصائل ليبيا الذين من غياهب نظام جعلهم نكرة ردحا من الزمن، ثم وجدوا أنفسهم على ظهر دبابة.

لقد خاض الحزب في الولاية الحكومية الماضية، معركة وجود بسعيه إلى تقليل مساحات الرفض داخليا في أوساط النخب السياسية والاقتصادية ومجال الأعمال من خلال منطق التشارك والتعاون، والانفتاح الايجابي المطمئن(عفى الله عما سلف) في جو مضطرب إقليميا ودوليا، وتهيئ مناخ الاستثمار من خلال رد الاعتبار للمقاولة وأوراش الإصلاح وأَخَصُها إصلاحات وزارة العدل والحريات. كما استطاع في معركة وجوده هذه، انتزاع القبول على المستوى الدولي والإقليمي.

لم تكن إذن زيارات بنكيران الرسمية إلى الخليج عبثية، ولا مصافحته للسيسي انذاك إرضائية لجهة معينة فالسيسي ليس إلا قفزات لدول نافذة سواء خليجية وقتها أو دولية ، ولكن كانت قدماه تتلمس موطأ لها في المعترك الإقليمي ومنه إلى الدولي. لا لصناعة الفوز إذ يصنع الفوز في الوطن، ولكن لحماية تجربته السياسية من الانتكاسة و أن تسير في مجراها الطبيعي. وقد تأتى له ذلك بحيث أن المشارقة ينظرون إلى مشاركة الإسلاميين في الحكم بالمغرب على أنها تجربة رائدة ومتميزة. فمن الكره الرسمي والمحاربة إلى الاعجاب والثناء على المغرب ملكا وحكومة وشعبا(باستثناء دويلة خليجية). مما أمن تعيينه رئيسا للحكومة وبسرعة. في حين كان البعض يناقش في فجاجة الثنائية القطبية والتأويلات القانونية من أجل تسويغ الانقلاب على دستور 2011.

لقد أثبت هذا الفوز فشل سياسة لجم الحزب وحصره في حجم مرغوب فيه، يؤثت المشهد، ويرصع الديكور، ولا يؤثر فيه أو يبعثر أوراقه. وإذا كانت الانتخابات الجماعية قد خولت له الامتداد في الأحياء الراقية، والمدن الكبرى، فالانتخابات البرلمانية، جعلته يزيد من ثقله بالمدن ويمد رجليه في البوادي والأرياف، بل وفي الصحراء لأول مرة على المستوى النيابي.

والفوز أيضا مؤشر خروج الحزب من النخبوية خطابا وتموقعا وتواصلا إلى العمق الجماهري الشعبي خطابا وتموقعا وتواصلا وقدرة على ملامسة تطلعات وحاجيات كل الزوايا في الخريطة الاجتماعية والسكانية، مما يزيد من ثقل المسؤولية على كاهله في مستقبل الأيام.

ومن التدبير الحكومي يصنع فوزه ويزيد من رصيده في الأصوات والدوائر والمقاعد، فأصاب الخصوم في مقتل. ولولا آليات التحكم القبلي في الانتخابات(التقطيع الانتخابي على مقاسات الأعيان، تجييش أعوان السلطة لصالح طرف دون طرف ، تدبير جهاز الداخلية للملف، صناعة كيانات حزبية تدار بآلات التحكم، توزيع المقاعد وفق القاسم الانتخابي وأكبر بقية ، الإبقاء على اللوائح القديمة والاكتفاء بفتح باب التسجيل، فصوت الموتي و السجناء والمغتربون دون توكيل،وجود سلطتين متشاكستين متنازعتين في الاختصاص في مساحات عدة: السلطة المحلية والسلطة المنتخبة …. ) هذه الآليات، التي ما أقبرت مع دستور 2011 بل لا زالت تتغذى بالمصل وتُحرس لإطالة ديمومتها، بحيث لا تسمح لأي حزب بالحصول على الأغلبية، فيشكل الحكومة لوحده أو بتحالف مريح . ورقعة الشطرنج هذه، التي تؤثت المشهد السياسي عامة والنيابي خاصة بفسيفيساء حزبية، تجعل فوز الفائز مبتسرا وغير تام، إذ تدخله في متاهات المفاوضات العسيرة لتشكيل الأغلبية الحكومية، ويقسم حظه السياسي وبرنامجه الانتخابي بالتالي بين عشائر التحالف وقبائله، ويكون سهمه أقل من أسهمهم بمنطق المحاصصة الحزبية، ومسؤوليته أعظم من مسؤوليتهم، ومحاسبته أشرس من محاسبتهم إن حوسبوا أصلا. ولنا في التجربة الحكومية السابقة خير دليل. فتسليط سياط النقد واللوم والشتم والسب كلها، وكلفة الدفاع عن التجربة الحكومية كانت في معظمها إن لم نقل كلها على بنكيران وحزبه.

كما أن هذه الآليات تجعل الفائز بين كماشة المعارضتين: معارضة ابتزاز من داخل التحالف، ومعارضة عرقلة وإعاقة من خارجه. وبين هذا وذاك تبخس أعماله وتسرق نجاحاته. وما أصدق قول بنكيران:”لا تسألوني، لماذا لم أنجز ما لم ينجز, ولكن اسألوني كيف أُنجزت ما أُنجز”(بضم الألف المهموزة).

إن الشراكة السياسية تستدعي إرساء آليات تحقيقها حقيقة لا زعما، وأما أن نعزز آليات تجعل طرفا في الشراكة حاملا لطرف ثان أو أطراف، فإن أعياه المسير أجهزوا عليه و أبادوه، وإن أوصلهم إلى المبتغى لاموه وحاكموه على تعثره في منعرجات والتواءات، فهذه قمة النذالة السياسية؟؟؟

إن المدعين وصلا بالديمقراطية وهياما بها، هم اليوم مطالبون بالعمل على بناء صرح ديمقراطي على أسس متينة ومنسجمة. وإن آليات تدبير الأزمات والاستثمار فيها يجرنا إلى الخلف بعيدين عن التطور والتقدم، وعن حاضرنا ومستقبلنا.