وجهة نظر

غضب المغاربة … اهتزاز ثقة

الحادث المؤسف والمفجع الذي أودى بحياة الشاب “محسن فكري”، نهاية الأسبوع الماضي، بقدر ما كشف عن روح التضامن العالية التي يتميز بها المغاربة، وخاصة الشباب منهم، وبقدر ما كشف عن رباطة جأش والده وأفراد أسرته ووطنيتهم الصادقة، بقدر ما كشف أيضا عن حجم الثقوب التي أصابت جدار الثقة بين المواطنين وكثير من الإدارات العمومية ومن مؤسسات الدولة.

قد تكون بشاعة الطريقة التي فارق بها “محسن” الحياة، سببا في انطلاق موجة غضب عارم عمّت مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن تُترجم إلى وقفات ومسيرات احتجاجية في مختلف جهات المغرب، وقد يكون وراء موجة الغضب هذه إحساس جماعي بالمهانة وبالطعن في الكرامة، لكن في جانب من الحكاية يظهر أن المغاربة ومن خلال بعض الشعارات التي رُفعت في الوقفات والمسيرات، وكذا عدد من التعليقات التي غزت الفيسبوك، أن سببا آخر قد يكون وراء الغضب والاحتجاج، يتعلق بمعضلة اهتزاز الثقة في  خطاب الدولة تُجاه قضايا المواطنين وجدية تنزيله.

لقد عشنا لحظات حرجة فعلا ونحن نتابع ردود فعل المحتجين على وفاة شاب بين “كماشات” آلة مخصصة لفرم النفايات، استحضر الجميع حينها لحظات 20 فبراير 2011، وغيرها من لحظات النزول الجماعي للشارع، وربما طُرحت الأسئلة نفسها أو أسئلة قريبة منها، كانت الثقة في مؤسسات الدولة، جوهرها وصلبها، كيف لا وقد استمع المواطنون مرارا وتكرارا لخطابات تعلي من شأنهم وتحث بنيّة لا يمكن التشكيك في صدقها على حفظ كرامتهم، لكنهم في الآن نفسه يجدون أمامهم ممارسات على النقيض تماما، لا تحترم في كثير من الأحيان حتى انتماءهم لصنف البشر، وتتعامل معهم بمنتهى القسوة الممزوجة بالظلم و”الحگرة”، ما خلّف ضحايا اهتز الرأي العام لقصصهم.

وربما لا يسمح المجال لتعداد هذه الحالات التي كان القاسم المشترك بينها، سلوكات طائشة من مسؤولين عُهد إليهم خدمة الناس كل الناس وفق منطق جديد ينسجم مع روح دستور 2011، لكن الذي يجب التأكيد عليه أن تراكم التناقض بين خطاب الدولة وممارسات بعض المسؤولين فيها، وبين وعودها ورهان البعض داخلها على عامل الزمن لإطفاء الغضب الذي يظهر في كل مرة، يجعل الوضع مرشحا لمزيد من الاحتقان بمناسبة أو بدونها.

نعود للوفاة المُؤلمة للشاب “محسن”، وبدون مبالغة فإن جزء من ردود الفعل حولها، مرتبط بشكل كبير بالثقة التي ما تلبث تتقوى لتهتز من جديد في بعض مؤسسات الدولة، فبعيدا عما قام به محترفو الاستثمار في المآسي، وما قام به محترفو المناورات واستغلال اللحظات لحسابات سياسية ضيقة، فإن عموم المواطنين قفزت بين أعينهم مشاهد تورط عدد من رجال السلطة وأعوانهم في أحداث لا تشرف البلاد، وتسيء للمواطنين أنفسهم، ألم يتورط رجال سلطة في التعبئة لمسيرة “العار” بالدار البيضاء، ألم يتسبب عدد منهم في مآسي اجتماعية لمواطنين أبرياء، ألم يتورط الكثير منهم في الاعتداء السافر يوم 7 أكتوبر على حُرمة الاقتراع الحر الذي جعله الدستور واحدا من أوجه ممارسة الأمة لسيادتها، طبعا كل هذا مما تناقلته شهادات المواطنين كاف لخلق حالة من عدم الرضى وعدم الثقة في مؤسسات الدولة وفي المرافق والموارد البشرية التابعة للداخلية على وجه التحديد باعتبار هيمنتها وحضورها المكثف في حياة الأشخاص، واحتكاك رجالها المباشر مع المواطنين.

إن الاهتزاز المتواصل لثقة المواطنين في جدية المسؤولين العموميين، يهدد العلاقة بين الدولة والمجتمع ويجعلها عرضة لمزيد من التنافر غير المحمود العواقب، مما يتطلب القطع مع كل ما من شأنه أن يخدش هذه الثقة، ليس في جانب التعامل بما يليق مع المواطن في الإدارات العمومية فحسب، ولكن كذلك في جوانب أخرى تلتزم فيها الدولة بما تقوله، وتترجم التزاماتها إلى قرارات جادة تعزز مصداقيتها.

بكلمة، إن المغاربة عبروا في أكثر من مناسبة، على أنهم شعب واع ومتفهم، وتجاوزوا بروح تضامنية كل الأحداث المؤلمة التي ذهب ضحيتها مواطنون أبرياء، إلا أنهم باتوا يستحقون إدارة وداخلية أفضل من هذه التي تقض مضجع بعضهم بممارساتها، وتقضي بأخطاء وجشع عدد من مسؤوليها على حياة الكثيرين منهم… إنهم ينتظرون ما يعزز ثقتهم في دولتهم ويحصنها من الاهتزاز… رحم الله محسن فكري.