أما بعد

أما بعد.. العدالة المجالية ورد الاعتبار للأطر الصحية أولى تحديات مشروع الحماية الاجتماعية

وزير الصحة

في الوقت الذي يضع المغرب آخر لبنات إنجاح المشروع الملكي الهام المتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية، تعيش الوزارة الوصية على القطاع حالة شرود وفشل ذريع في مواكبة هذا المشروع، تاركة المؤسسات الصحية العمومية تعيش نفس الأزمات التي تعاني منها منذ عشرين سنة، وربما أكثر، من اكتظاظ وفوضى وقصور في الخدمات ونقص حاد في الموارد البشرية والإمكانات اللوجيستيكية، ولا يختلف مغربيان في تأكيد هذا الوضع المزري الذي شكل موضوعا لمئات الأسئلة الكتابية والشفوية الموجهة من النواب والمستشارين البرلمانين إلى الوزير خالد آيت الطالب.

وأمام هذا الواقع غير المنسجم مع الشعارات والخطابات الرسمية، وجب دق ناقوس الخطر بدل المرة عشرة، وتجديد النداء إلى أن يلقى آذانا صاغية، والتأكيد على بأنه بعد جائحة كوفيد لم يعد مسموحا للبلد السير بمنظومة صحية عرجاء لا تتلاءم مع مستوى الضرائب التي يدفعها المغاربة ولا مع التزامات المغرب الدولية ولا مع حقوق وكرامة المواطن.

ولابد للعاقل أن يتساءل: كيف نتحدث عن تعميم الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية دون توفير العرض الصحي العمومي أولا؟ ودون تأهيل البنيات التحتية؟ ودون إعادة الاعتبار لجنود الصف الأول من أطباء وممرضين وتقنيين ومساعدين؟ وهم الذين يعيشون الأمرين في مسارات التكوين وأثناء التدريب ثم بعد التخرج والعمل، ثم نتساءل كأننا لا نعلم جوابا: لماذا يميل عدد كبير منهم إلى تفضيل العمل في القطاع الخاص وآخرين يتخذون القرار الصعب ويغادرون أرض الوطن؟

أيضا، كيف يستقيم الحديث عن حماية اجتماعية دون عدالة مجالية؟ فأي معنى لإقرار التعويض الإجباري عن المرض المعتل باعتلال “الطريفة المرجعية” التي تفقده مضمونه، في حين هناك مواطنون في الجنوب والشرق وأعالي الجبال يفضلون الصبر على ألم المرض لاستحالة الصبر على ألم التطبيب وألم الفقر وألم التهميش الذي يجعل مصاريف التنقل تضاهي أو تفوق مصاريف التطبيب في بعض الأحيان؟ ناهيك عن الارتجالية التي صاحبت إلغاء نظام “راميد” ونقل المستفيدين منه إلى “نظام AMO” دون توفير المعطيات والمعدات والأنظمة الالكترونية اللازمة لإدارة المستشفيات وصناديقها، وهو ما جعل فئة عريضة من الناس توقف مسار تطبيبها إجباريا عند التسجيل في صندوق المستشفى.

إن أولى ركائز الحماية الاجتماعية هي العدالة الاجتماعية، عدالة مجالية بين مختلف جهات وأقاليم الوطن، وعدالة مهنية بين قطاع الصحة وباقي القطاعات العمومية، فلا يستقيم أن تعادل أجرة دكتور في طب أجرة حامل إجازة أو ماستر في أحسن الحالات بقطاعات أخرى، وعدالية بيمهنية بين المشتغلين في قطاع الصحة، أي بين الطبيب والممرض، بين الطبيب والطبيب الأستاذ، وبين الطبيب المتعاقد مع المستشفى الجامعي وزميله الموظف لدى وزارة الصحة، وبين مختلف درجات الأطباء المقيمين والداخليين… الخ.

غير هذا، ستبقى المشاريع الملكية الكبرى والهامة، مثل مشروع تعميم الحماية الاجتماعية، غير قادرة على تحقيق أهدافها المتمثلة في تنمية البلد والرقي بأوضاع المواطنين، مادامت هذه المشاريع مرتبطة بقطاعات يقودها وزراء غير أكفاء و”يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا”، وليست لهم القدرة حتى على إنجاز واجباتهم، فما بالك الإبداع فيها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *