أما بعد

أما بعد .. “الفاتحون الجدد”

جحافل من المواطنين، ناهز عددهم 5000 شخص، تجمّعوا بطموحاتهم وآمالهم وأحلامهم في مدينة الفنيدق شمال المغرب، في هجرة سرية جماعية معلنة، ساعين لدخول مدينة سبتة المحتلة. هم فاتحون، ليس كجيش طارق بن زياد، بل فاتحون لأنفسهم باب أمل في حياة أفضل.

ما الذي يدفع طفلاً في الـ12 أو الـ14 من عمره إلى إلقاء نفسه في بحر يتلاطمه الموج، أملاً في الوصول إلى بقعة جغرافية هي جزء من وطنه الأم بحكم التاريخ والجغرافيا، جاعلاً مصيره بين أمل معلوم ومصير مجهول، إلا إن كان قد لعن حاضره ونعى مستقبله الذي يكاد يعلم علم اليقين واقعه.

لسان حال هؤلاء لم يعد يقول “ما الذي أوصلنا لهذا الوضع؟”، بل “كيف الخروج ومن أين الطريق للهروب منه؟”. فسؤال التشخيص لم يعد مسؤوليتهم، ولم يعد مجدياً ما لم يتم الإقرار بما هو كائن؛ بفشل مشاريع مجتمعية، وبفشل محاولات إصلاحها، وبفشل محاولات إصلاحات الإصلاح، لانعدام نية الإصلاح.

لا جرم أن الفاتحين الجدد هم المخطئون والمدفوعون والمندفعون والطائشون، كحال غيرهم ممن سعوا لتحسين وضعهم الاجتماعي، من وجهة نظر من آل لهم شأن السلطتين التنفيذية والتشريعية وفق نتائج انتخابات نظام ديمقراطي هجين، من يسمون أنفسهم بالعقل والحكمة. في واقع اضمحلت فيه السياسة لقرب انتفاء غايتها المتمثلة في تدبير الشأن العام واتخاذ القرارات وتوزيع الخبرات والقيم، وبرزت فيه ممارسة السلطة وحيدة لتحقيق مآرب أخرى.

لا أدل على ذلك من نسبة عدد مقاعد البرلمان التي صرحت المحكمة الدستورية بشغورها لأسباب تشابهت، ونسبة عدد النواب المتابعين في ملفات الفساد. “أم أنهم لا يعلمون أنهم ليسوا أسياد الشعب بل هم موظفوه أو خدامه؟”. قد لا يجوز التعميم، لكن واقع الحال يغني عن المقال.

أمل الفاتحين الهجرة إلى بقعة جغرافية علّهم يجدون فيها ما لو وجدوه في وطنهم لما راودهم حلم الهجرة، وهو أن يشعروا بأن الدولة مسؤولة عن حماية حقوق وحريات المواطنين، وضمان القانون والنظام، وتوفير الخدمات العامة الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية. وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، والرعاية الاجتماعية للفئات الضعيفة، وحماية البيئة، وضمان التنمية المستدامة، ومعالجة تحديات المناخ. وأن تكون هناك سبل ديمقراطية للمشاركة السياسية، مع الحفاظ على الشفافية والمساءلة. وفي أوقات الأزمات، أن تكون الدولة مسؤولة عن إدارة الكوارث بشكل فعال لحماية المواطنين والحفاظ على استقرار وأمن الأمة.

مما يحاول الفاتحون الهروب؟ من البطالة التي قالت الأرقام الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط بأنها ارتفعت إلى 13.7%، ليصل عدد العاطلين عن العمل إلى مليون و645 ألف شخص على المستوى الوطني خلال الفصل الأول من سنة 2024. من الفساد الذي كشف تقرير مؤشره لعام 2023، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، عن تراجع المغرب إلى الرتبة 97 عالمياً و9 عربياً، بـ38 نقطة، منخفضاً بأربع درجات عن العام الماضي. بحثاً عن ديمقراطية أفضل، التي وفقاً لمؤشرها لعام 2023 الصادر عن مجلة الإيكونوميست، تم تصنيف المغرب ضمن الأنظمة الهجينة بعد احتلاله المركز 93 من أصل 167 دولة.

من جهة أخرى، وحتى بارتقاء المغرب بثلاث مراتب ضمن مؤشر التنمية البشرية للعام 2024/2023، إلا أنه جاء في الرتبة 129 من أصل 189 دولة. أما في مؤشر التعليم العالمي، فقد جاء في المركز 154 من أصل 199 دولة، وفي مؤشر الرعاية الصحية لعام 2023، احتل المغرب المرتبة 90 عالمياً، متأخراً في التصنيف العالمي. أما واقع العدالة المجالية فقد عرته فيضانات الجنوب الشرقي للمملكة، و30% من الأسر المتضررة من زلزال الحوز ما تزال تقطن بالخيام.

“إن في كل يأس كامل أملاً”، علّنا إذا بلغنا مرحلة اكتمال اليأس ألا يتحقق الأمل المرجو منه بارتطام شامل. مناط ذلك مسؤولية مشتركة ــــ تتجاوز الواجب إلى التضحية ــــ بين كل عقلاء هذا الوطن، ملكيين وإسلاميين، ويساريين ويمينيين، ومحافظين وحداثيين، وليبراليين، كل من موقعه لتقويم ما يمكن تقويمه، وبناء وطن يتسع للجميع. والمعلوم أنه قد “انتهت علامة القبول بالعقد الاجتماعي التي أرادها منظروه لتكون مجرد الإقامة داخل الدولة”، فلا تجعل العقد يتحلل. فلسان حال الجميع يقول “واكلين الدق وكنقولوا سافا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • إيمال عيسى
    منذ أسبوع واحد

    مقال غير موفق ويصب النار على الزيت...ما الذي يجعل طفلا في 12 او 14 سنة إلى الهجرة؟ سؤوال كان على صاحب المقال ان يجيب عنه قبل الدخول في متاهات الانشاء ودبج التعابير الادبية في مقال سياسي بامتياز...الاطفال مكانهم في المدرسة يا سيدي وهؤلاء الذين رأيناهم في الفيديوهات في محاولة للهروب من المغرب ليس لانهم فقراء او لم يجدوا ما ياكلونه لأن المغرب مليء بامثالهم ورغم ذلك لم يفكروا في الهروب...هذه تربية ونتيجة تجييش شعبوي ومخدد كتب سيناريوه بعض الاطراف المعروفة ووجد في الرعاع والاطفال والجهال من ينفذه...ولقي في بعض الابواق الاعلامية من يروج له ومن يدبج المقالات الانشائية ليبرر هذه الجريمة...المغرب ياسادة ليس هو سويسرا لكنه ايضا ليس جهنم كما يحاول البعض ان يوهمنا بذلك مستغلا فورة وسائل التواصل ومنصات التواصل الاجتماعي على الانترنيت...وسائل التواصل الاجتماعي اضحت توهم هؤلاء بان الايلدورادو الموعود يوجد خارج المغرب وان السبيل لتحقيق الاحلام هو الهروب من المغرب والحال ان هناك ملايين الاطفال والاشخاص يعيشون حياة افقر واصعب من هؤلاء الذين رأيناهم في الفيديوهات ورغم ذلك لم ينساقوا وراء الاوهام ووراء نموذج والد لامين يامال كما يحاول البعض التسويق له....الاعلام الذي لا ينفذ غلى ما وراء الصور ويقرأ ما وراء السطور ليس سوى رجع الصجى للاشاعات والادعاءات التي تنتشر كالنار في الهجيم بمختلف وسائل التواصل الاجتماعي...

  • بنعباس
    منذ أسبوع واحد

    فند المقال وفندته تدفقات الحراكة عن حق و ، او باطل خطابات رئيس الحكومة واعضاء حزبه في خرجاتهم باكادير حول الثورة الاجتماعية والتي جعلت المواطن يبحت عنها يمنة ويسرة ووجد ان كل السلع موجودة والسعر مرتفع جدا ليس هذا فحسب وانما تمنينا لو اهتمت بتربية النشء على التوابت الوطنية والجدية في الدراسة والعمل وبناء الشخصية لمواجهة الحياة ، لو افترضنا وصولهم الى اروبا ، ماذا لديهم من مهن ومن معرف تمكنهم من العيش الرغيد ؟