أدب وفنون

المتوكل يحلل النظرية التكاملية لـ”فيلسوف الأخلاق” طه عبد الرحمان في مؤلف جديد

صدر حديثا عن دار الخليج للنشر والتوزيع، مؤلَّف جديد للكاتب المغربي يوسف المتوكل، بعنوان ‘‘النظرية التكاملية عند طه عبد الرحمان؛ آفاق التجديد في مناهج تقويم علوم التراث الإسلامي العربي‘‘.

المؤلَّف يقع في 250 صفحة من الحجم المتوسط، ويتحدث عن أطروحة علمية ضمن أعمال المفكر والفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن، وهي النظرية التكاملية في تقويم علوم التراث الإسلامي العربي، التي حاول فيها أن يُجَدِّد النظر في المناهج العلمية المعاصرة التي رَامت تقويم علوم التراث بمنهجية مغايرة عن المنهجية التي بُنيت بها نصوصه وشُيِّدت بها معارفه، وهي الإشكالية التي تفرقت حولها النخب العربية والإسلامية إلى اتجاهات متعددة وتيارات مختلفة، وأُسِيلَ حولها مداد كثير على امتداد الوطن العربي، يقول الكاتب.

وأوضح المتوكل في حديث لجريدة ‘‘العمق‘‘، أن المشتغلين على حقل التراث انقسموا إلى فرق متباينة، عمل بعضها على ربط الواقع العربي والإسلامي بأُفُق الحداثة الغربية وتطلعاتها، مُطالِبة بالوصول إلى ما وصلت إليه، وذلك عبر الانسلاخ عن الموروث الثقافي إمَّا كُلاًّ أو جُزءاً”.

وزاد ‘‘غير أن طه عبد الرحمن شَكَّل تَوجُّها استثنائيا فريدا في قراءة التراث وتقويم نصوصه، ونَهَج منهجا مختلفا في التعاطي مع مضامينه، قام على رؤية تكاملية بمنهجية أصيلة. تُوجِب منهجية الرجل، أن النظر في التراث وتقويمه مضامينه، لا يمكن أن يَتَأتَّى لصاحبه إلا بعد أن يَفقَهَ المنهجية التكاملية التي ميزت علومه وتفردت بها معارفه عن باقي المجالات الثقافية الأخرى‘‘.

إن هذه المنهجية، كانت إحدى السُّبل التي مَكَّنت من تَقدَّمَنا من العلماء والنُّظار المسلمين من أن يُحقِّقوا من خلالها عنصر الإبداع والتَّألق في الفكر والمعرفة من داخل المجال التداولي الإسلامي العربي آنذاك، وهي المنهجية التي يرى طه عبد الرحمن أنها ستوصلنا إلى التَّحرُّر من اجترار فكر الآخر، وإبداع نموذجنا الخاص. ولن يتم هذا إلا بواسطة العمل على البحث والتَّنقيب لاستخراج المناهج العلمية والعملية التي أَسَّس لها هؤلاء العلماء والنُّظار المسلمون، الذين حاولوا الحفاظ على الخصوصية التداولية للثقافة الإسلامية العربية الأصلية، وكَرَّسوا في أبحاثهم وكتاباتهم استقلالية العقل العربي والإسلامي، يقول الكاتب.

وأكد المتوكل على أن ‘‘تقويم عطاءات المتقدمين وإبداعاتهم العلمية، ووضعها في مشرحة الدرس والتحليل والنقد، لن يتأتى بقطع الصِّلة بها أو بتفضيل جُزْءٍ منها على الآخر، بداعي استجابة هذا الجزء أو ذاك للحداثة والتقدم، بقدر ما يتأتى بإعمال المنهجية التكاملية المستنبطة من عموم معارف التراث‘‘.

وخلص إلى أن العمل على حقل التراث موقوف على قراءة جديدة، بمنهج يقوم على دعامات أساسية، هي: ضرورة الكشف عن الآليات التي أُنتِج بها التراث، لفهم وتقويم مضامين نصوصه، والتَّزوُّد بالعُدَّة المنهجية العلمية لإعمالها في قراءة وتقويم التراث، ثم إعمال منهج التَّقريب التداولي الذي يُمَحِّص المنقول من التراث الأجنبي ليصير ملائما للمجال التداولي الإسلامي العربي.

وقال أيضا إن منهج طه عبد الرحمن في تقويم علوم التراث يتأسس، على رؤية مختلفة عن الرُّؤَى والمناهج المُتَّبَعَة في الفكر العربي المعاصر، وهي الرؤية التَّكاملية التي تُشكل فيها الآليات الإنتاجية عنصرا أساسيا من عناصر مكونات التراث؛ فالاشتغال على الوسائل المنهجية التي بُنِيَ بها النص، والنظر في بُناها المنطقية واللغوية والمنهجية يفضي إلى اعتماد الرؤية التكاملية، التي بُنيت بها جُلُّ العلوم والمعارف التراثية، والتي تعد أصلا من أصولها.

وأضاف: ‘‘وبالنظر إلى السياقات الفكرية المختلفة، والتوجهات الأيديولوجية المتعددة، التي أَحْكَمَت القَبضة على حقل التراث، منذ ما يزيد عن نصف قرن من الزمن، فإننا نجد أن منظور الفيلسوف طه عبد الرحمن شَكَّل طفرة استثنائية في هذا الحقل؛ فهو يَنظر إلى التراث بالمعنى الكُلِّي الذي تَتَكامل فيه جميع العلوم والمناهج المعتمد في صياغتها، مُشَكِّلَة بِذلك بِنْيَة معرفية وقيمية متكاملة؛ أي أن هناك نظاما معرفيا متماسكا، يقضي بتلازم آليات إنتاج المعرفة مع مضامينها المعرفية‘‘.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *