مجتمع

الانتحار بسجون المغرب.. لماذا يقدم سجناء على إنهاء حياتهم داخل الزنازين؟

العقوبات البديلة للعقوبات الاسالبة للحرية - سجن

لا تكاد تمر سنة، دون أن تسجل سجون المملكة حالة أو حالتين أو أكثر للانتحار، أو على الأقل محاولات انتحار تنتهي بالفشل، لسجناء اختاروا إنهاء حياتهم شنقا أو بوسائل أخرى بعدما فقدوا الأمل في معانقة الحرية، خصوصا في صفوف النزلاء الذي يقضون عقوبات طويلة الأمد، أو أحكام بالمؤبد والإعدام.

آخر هذه الحالات، انتحار سجينين شنقا يومي 28 فبراير وفاتح مارس الجاري، ويتعلق الأمر بالسجين “ع، خ”، النزيل بالسجن المحلي بوجدة، والمحكوم عليه بالإعدام ضمن ما يعرف بـ”خلية شمهروش”، ونزيل بالسجن المحلي “راس الماء” بفاس، والمحكوم أيضا على خلفية قانون مكافحة الإرهاب.

وقبل ذلك، أنهى “ع، ر”، الملقب بـ”أمير الظلام” وهو سجين محكوم بالإعدام على خلفية قانون مكافحة التطرف والإرهاب، حياته بالسجن المحلي تولال 2، شهر يناير 2022. وفي يونيو سنة 2021، وضع معتقل محكوم بالمؤبد بتهمة القتل العمد، حدا لحياته بالسجن المركزي بالقنيطرة.

فيما كشف تقرير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن سجون المملكة سجلت سنة 2020، 9 حالات انتحار. هذا في الوقت الذي تكشف فيه المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، في بعض الأحيان عبر بلاغاتها سبب إقدام هؤلاء السجناء على الانتحار، بكونهم كانوا يعانون من اضطرابات نفسية.

ظروف نفسية 

واعتبر عادل غزالي، أستاذ علم النفس بجامعة الحسن الثاني المحمدية، أن هناك علاقة ارتباطية بين الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب وبين الانتحار، إضافة إلى عوامل أخرى تنضاف إلى الظروف النفسية التي يعاني منها السجين، كون السجن ليس فضاء لا لإعادة التربية ولا التأهيل، بل هو فضاء للعقوبات السالبة للحرية، مضيفا أنه ليس فضاء مريحا، كما لا يستجيب للحاجيات الإنسانية اليومية.

وأشار غزالي ضمن تصريح لجريدة “العمق”، إلى أن “من يدخل السجن يكون قد عاش ظروفا اجتماعية واقتصادية سيئة في الغالب، فقد تكون ظروفه الاجتماعية والهشاشة والفقر هي التي دفعته لارتكاب الجريمة، وإذا اجتمعت هذه الظروف كلها، فهذا ما يوفر أرضية خصبة لما يسمى بالهشاشة النفسية”.

على المستوى السيكولوجي، قال أستاذ علم النفس، إن هناك دائما أملاً لدى السجين يغذي به الأمنيات، ودائما ما ينتظر انقضاء العقوبة السجنية إن كان يعرف مدتها، أما عندما تكون العقوبة لمدة طويلة جدا فإن الوسط الأسري خاصة يتخلى عنه، والكل يبتعد عنه إذا كان متابعا في قضايا تثير الشبهات.

نظرة سودوية

في هذا الإطار، أشار غزالي إلى “غياب نوع من الدعم الاجتماعي والأسري وغياب أفق ما بعد تجربة السجن وغياب علاقات مع الآخر أي انقطاع الصلة على المستوى الاجتماعي مع العالم الخارجي، إضافة إلى نوع من الازدراء المفترض داخل السجن”، مسجلا غياب دراسات في هذا المجال لحد الآن باستثناء دراسة مؤخرا حول العاملين في السجون والتي تشير إلى ظروفهم القاسية على المستوى السيكولوجي بسبب ضغط العمل.

وبحسب المتحدث ذاته، فإن كل هذه المتغيرات مع الفضاء بالإضافة إلى الصورة الاجتماعية للسجن باعتباره فضاء فيه المخطئ والمجرم والمذنب، والمفروض أن يتم فيه تقويم السلوكات حتى يعود السجين إلى المجتمع بشكل آخر ويتقبله، ولكون المجتمع لا يقبل خطأ الإنسان، إضافة إلى ظاهرة العود، (كل هذه الظروف) إذا اجتمعت في الشخص فإنها تولد لديه كما يقال في علم النفس “مسألة إدراك”.

ومضى مستطردا: “أي أن السجين يدرك وضعيته داخل السجن وبعد الخروج منه، إن كان هناك أمل في الخروج، وبعد الخروج في سن معينة، إذن فالسجين يقوم بهذه الحسابات ويقيمها وإن كانت تترأى له نظرة سوداوية يبقى الانتحار حلا من الحلول التي يراها”.

وشدد أستاذ علم النفس، على ضرورة المواكبة السيكولوجية والاجتماعية لهذ الفئة، لأن العقوبة السجنية سيقضيها، لكن نظرة المجتمع له لن تتغير، إلا إذا قام السجن بدوره في إعادة التربية والتأهيل، حتى يعود السجين إلى المجتمع بصورة أفضل ويتعايش معهم، ويتعايش معه المجتمع أيضا.

ظروف السجن

من جانبه، يرى الباحث في قضايا الإرهاب، عبد الفتاح الحيداوي، في حديث مع جريدة “العمق”، أن “مسألة انتحار السجناء ليست قصرا على المدانين فقط في قضايا الإرهاب، بل هي متعلقة بكل القضايا”، مضيفا أن ذلك يدفعنا للحديث عن ظروف المعتقلين المحكومين بالإعدام.

وأشار الحيداوي، إلى أن “الكل يعلم أنه داخل أحياء الإعدام بالسجون يكون الوضع مشحونا ونفسية المعتقل أو النزيل منهارة، وتتداخل فيها قدرته النفسية على تحمل أحكام طويلة وقدرته النفسية على تحمل التعسفات التي يتعرض لها يوميا سواء من طرف معتقلين آخرين أو من الحراس، إضافة إلى غياب أنشطة يستطيع فيها النزيل التنفيس عن وضعه، وهنا أقصد السينما والمسرحيات والندوات”.

وبحسب المتحدث ذاته، فإن المحكومون بالإعدام يخضعون لرقابة شديدة، ومحرومون من كثير من الأمور، مشددا على ضرورة أن يكون في حي الإعدام مكتبة أو أي أمور أخرى ترفيهية إضافة الى طبيب نفسي يستمع لمشاكلهم، مضيفا أنه من الطبيعي أن ينهي السجين حياته إذا كانت ظروف الزيارة والعلاقة مع السجان متوترة.

يشار إلى أن عدد السجناء المدانين بأكثر من 10 إلى 30 سنة يبلغ، بحسب إحصائيات إدارة السجون لسنة 2021، 6 آلاف و80، والمدانون بالمؤبد 500 سجين، والذين صدرت في حقهم أحكام بالإعدام فيبلغ عددهم 80 سجينا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *