مجتمع

مراكش تطلق خطة إنقاذ كبرى لمواجهة “معضلاتها البيئية”

قالت مجلة جون أفريك الفرنسية إن مدينة مراكش، وجهة السياحة الأولى في المغرب، تعيش لحظة مفصلية في تاريخها، حيث أطلقت الوكالة الحضرية في 11 يوليو الماضي مخططا توجيهيا لتهيئة “مراكش الكبرى”. وجاءت هذه الخطوة كاستجابة لمعادلة معقدة تواجهها المدينة التي تسعى جاهدة للموازنة بين استيعاب نمو حضري واقتصادي متسارع، وتلبية الاحتياجات المتزايدة لسكانها وزوارها، وفي الوقت نفسه الحفاظ على هويتها الثرية ومواردها الطبيعية الثمينة.

وأوضحت المجلة أن التشخيص الحالي للوضع البيئي في المدينة يدعو للقلق، حيث تعاني النظم البيئية من الهشاشة، وتظل خدمات الصرف الصحي غير كافية لمواكبة التوسع، بينما يواصل الزحف العمراني التهام الأراضي المروية الخصبة، وتعيش منظومة النقل حالة من الاختناق، فضلا عن تشتت العقارات ونشأة أحياء تفتقر إلى أبسط هياكل التخطيط الحضري. ويهدف المخطط الجديد، بحسب التقرير، إلى وضع استراتيجية توازن شاملة تعمل على تخطيط النمو بشكل مستدام، ومزامنة وثائق التعمير المختلفة، وتشجيع التنوع الاجتماعي، وحماية التراث المادي وغير المادي، وتنظيم قطاع النقل بشكل فعال، والحد من البصمة البيئية للمدينة.

وأضافت “جون أفريك” أن هذه الخطة تنضم إلى ورش عمل آخر انطلق في 31 مايو 2023، متمثلا في “الخطة المناخية الترابية”، وهي مبادرة تحظى بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والصندوق العالمي للبيئة. ويمول الصندوق هذا المشروع بغلاف مالي يناهز 100 مليون درهم (حوالي 9.1 مليون يورو)، وذلك في إطار برنامج دولي أوسع نطاقا ينشط في تسع دول حول العالم.

وحققت مبادرات أخرى نجاحا ملموسا على أرض الواقع، فمنذ عام 2023، يعمل مشروع “إيكو-مدينة” على بث روح جديدة في قلب المدينة العتيقة، بدعم من مؤسسة التنمية المستدامة بمراكش ومنظمة اليونسكو والمجلس الجهوي لمراكش-آسفي.

وأشار التقرير إلى أن هذا المشروع يستند إلى ورشات عمل مدرسية تتبنى مفهوم “صفر نفايات”، وإلى ميثاق “الأسواق الخضراء” الذي نجح في تقليص النفايات بنسبة 60% في المنطقة التجريبية، بالإضافة إلى إطلاق مسار “الحرف المحايدة كربونيا”. وكانت النتائج، حتى حصيلة 9 أبريل 2025، لافتة، حيث سجلت زيادة في مداخيل 78% من الحرفيين المستفيدين بنسبة 40%، وتمت إعادة تدوير 12 طنا من الجلود و8 أطنان من الخشب، مع زيادة بنسبة 35% في أعداد الزوار في الأزقة الأقل شهرة.

وشكل قطاع النقل أحد أكبر التحديات التي تواجه المدينة الحمراء، فشبكة حافلاتها الحالية التي تديرها شركة “ألزا للنقل” بعقدين منتهيين منذ سنوات، تعاني من التقادم وعدم الكفاية، مما يفاقم من مشاكل التلوث والضوضاء وانعدام الراحة. وفي خطوة وصفت بالحاسمة، صادقت وزارة الداخلية في 19 يوليو الماضي على صفقة الإدارة المفوضة الجديدة للنقل الحضري وشبه الحضري، والتي ستشمل حافلات عالية الخدمة، مما يفتح الباب أمام مشغل جديد لإدارة هذا المرفق الحيوي الذي يضم حاليا 242 حافلة فقط لخدمة “مراكش الكبرى”.

وتصدت المدينة لملف إدارة النفايات، حيث تم تدشين مركز متطور للطمر والتثمين في منطقة المنابهة في يناير 2019 باستثمار بلغ 131 مليون درهم. ويستقبل هذا المركز، الذي يمتد على مساحة 182 هكتارا، قرابة 970 طنا من النفايات يوميا، ونجح في تثمين 39% منها عبر إعادة التدوير أو تحويلها إلى سماد ومواد وقود بديلة.

وسجلت مراكش ما وصفته جون أفريك بـ”ثورة حقيقية” في مجال إدارة المياه مع تشغيل محطة معالجة وإعادة استخدام المياه العادمة في ديسمبر 2011. وقد تطلب هذا المشروع، الأكبر من نوعه في القارة الإفريقية، استثمارا ضخما بقيمة 1.23 مليار درهم، وهو يوفر حاليا 12 مليون متر مكعب من المياه سنويا لري ملاعب الغولف وواحة النخيل، ومن المرتقب أن ترتفع هذه القدرة إلى 35 مليون متر مكعب بحلول عام 2030.

وبذلت السلطات جهودا حثيثة للحفاظ على الرئة الخضراء للمدينة، ففي مارس الماضي، أطلقت خطة لإعادة تأهيل ساحة جامع الفنا والأسواق المحيطة بها ضمن برنامج “مراكش 2030″، بميزانية بلغت ملياري درهم. ورغم ذلك، لا تزال واحة النخيل الشهيرة، التي تضم أكثر من 100 ألف نخلة، تعاني من خطر التجزئة والتدهور بسبب التوسع العمراني والسياحي، وتحول أجزاء منها إلى حلبات للرياضات الميكانيكية، مما يضع الأولويات السياحية في مواجهة مباشرة مع الضرورة البيئية الملحة، كما خلص إليه التقرير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *