سياسة

“العشوائية” تسم إعداد برامج التنمية الجهوية.. والعدوي تطالب باختصاصات أدق للجهات

مُلاحظات كثيرة تلك التي سجلها المجلس الأعلى للحسابات في تقريره لسنة 2021، حول منهجية إعداد الجهات لبرامج التنمية الجهوية، حيث أشار إلى أنه تم وضع برامج التنمية الجهوية من قبل جميع الجهات في غياب توفرها على تصاميم جهوية لإعداد التراب.

واعتبر المجلس في تقريره الذي صدر أمس الثلاثاء، أن مسألة إنجاز التصميم الجهوي لإعداد التراب بشكل لاحق لبرنامج تنمية الجهة تنطوي على مخاطر عدم انسجام هذين المخططين، سيما وأن تأثيرهما يمتد إلى كافة المستويات الترابية بالجهة.

ومن جملة الملاحظات التي سجلها مجلس العدوي والتي تنم عن “عشوائية” و”تخبط” في إعداد برامج التنمية الجهوية، أنه “لم يتم في بعض الحالات إدراج معيار التجربة والخبرة في التخطيط الاستراتيجي الترابي ضمن مقاييس تقييم عروض مكاتب الدراسات المعنية بإعداد برنامج التنمية”.

التقرير الذي اطلعت “العمق” على مضمونه، أشار كذلك إلى أنه لم يتم تفعيل أجهزة الحكامة المكلفة بتتبع ومراقبة صفقة إعداد برنامج تنميتها الجهوي، والتي كان من المفترض أن تشرف عليها لجنة للقيادة يرأسها رئيس الجهة.

وأردف مجلس العدوي، أنه تم في بعض الحالات، تسجيل نقص في التنسيق مع بعض القطاعات الوزارية على المستوى الجهوي للتشاور حول المشاريع التي يمكن للجهات المساهمة في إنجازها خلال الولاية الانتدابية لمجالسها بشراكة مع باقي المتدخلين المعنيين.

إضافة إلى ذلك، يضيف التقرير “لم يتم التعاطي بشكل مناسب مع مقترحات اللجان الدائمة لمجالس الجهات، وهو ما جعل هذه المرحلة من مسطرة الإعداد لا تحقق الأهداف المتوخاة منها والمتمثلة في تنوير باقي مكونات مجالس الجهات أثناء مناقشة مشاريع برامج التنمية الجهوية من أجل تجويدها وتدارك النقائص المسجلة فيها”.

ولاحظ المجلس الأعلى للحسابات، على مستوى بعض الجهات، أنه تم إعداد برنامـج التنمية قبل إحداث الآليات التشاركية للحوار والتشاور كما لم تغط اللقاءات التشاورية كافة عمالات وأقاليم الجهة، مضيفا بالقول: “تبين أنه لم يتم العمل على تحليل المقترحات التي تم تلقيها على المواقع الإلكتروني بخصوص برنامج التنمية الجهوية الخاص لإحدى الجهات وأخذها بعين الاعتبار”.

وفي ردها على ملاحظات مجلس العدوي، أوضحت وزارة الداخلية أنه، بصرف النظر عن الظرفية التي ميزت إعداد برامج التنمية الجهوية للولاية الانتدابية 2016-2021، باعتبارها استثناء نظرا لحداثة هذه التجربة مع دخول القوانين التنظيمية للجماعات الترابية حيز التنفيذ، فإن جميع الجهات تنخرط في بلورة برامج للتنمية الجهوية للاختيارات الاستراتيجية وكذا التوجهات المجالية والقطاعية، بما فيها تلك المتعلقة بالتصميم الجهوي لإعداد التراب.

تأخر كبير

بحسب تقرير قضاة العدوي، فإن جميع الجهات سجلت تأخرا على مستوى إعداد برامج تنميتها الجهوية المتعلقة بالولاية الانتدابية 2021-2016، حيث تمت المصادقة على هاته البرامج خلال مدة زمنية تراوحت ما بين 9 أشهر و40 شهرا من تاريخ صدور المرسوم رقم 2.16.299 بتاريخ 29 يونيو 2016 المتعلق بتحديد مسطرة إعداد برنامج التنمية الجهوية وتتبعه وتحيينه وتقييمه وآليات الحوار والتشاور لإعداده.

وتعزى هذه الوضعية، يضيف المصدر ذاته، إلى عوامل مرتبطة بدخول الجهات تجربة جديدة تحتاج إلى بعض الوقت لإنضاج التخطيط للتنمية الجهوية في إطار المنظور الجديد الذي أتت به القوانين التنظيمية للجماعات الترابية.

وشدد المجلس ضمن تقريره على أنه يتعين العمل، بالنسبة للفترات الانتدابية القادمة، على احترام الجدولة الزمنية المحددة لاعتماد برنامج التنمية الجهوية، وتجاوز النقائص التي عرفتها المرحلة السابقة والتي حالت دون اعتماد وثيقة مرجعية للتنمية الجهوية مع بداية الفترة الانتدابية لمجالس الجهات.

في السياق ذاته، سجل التقرير، أن غالبية الجهات لم تقم بإجراء تقييم قبلي لمواردها وقدراتها المالية، كما لم تقم بإنجاز دراسات قبلية للمشاريع المبرمجة للتأكد من مدى ملاءمتها لمقومات وإمكانات الجهة المعنية وقابليتها للتنزيل على أرض الواقع ولتقييم أثرها على التنمية المستدامة بالجهة، مشيرا إلى أن غياب التشخيص الواقعي والدقيق للحاجيات التنموية أدى إلى تقليص عدد المشاريع المزمع تنفيذها، عند الشروع في تنزيل برنامج التنمية الجهوية من طرف بعض الجهات.

مشاريع خارج الاختصاصات

ولفت إلى أن بعض الجهات أقدمت على إدراج مشاريع لا تدخل ضمن اختصاصاتها الذاتية أو المشتركة في برامج التنمية الجهوية الخاصة بها، مبرزا أنه “وإذا كان هذا التوجه، قد يؤشر على وجود رغبة لدى مجالس الجهات المعنية لبرمجة مشاريع ذات طابع اجتماعي لها أثر مباشر على الساكنة أو إلى كون الجهات ما زالت تعتبر نفسها مستوى لسد العجز الذي قد يسجل في ميزانيات الجماعات، في حين أن هذه الأخيرة تندرج ضمن الاختصاصات المنقولة”.

وزاد التقرير، أن غالبية الجهات لم تتمكن من ضبط آليات تحديد الكلفة المالية لمكونات برامج تنميتها الجهوية، حيث تم تحديد التركيبة المالية لمجموعة من البرامج والمشاريع بشكل جزافي دون إنجاز دراسات خاصة لتحديد الكلفة المالية اللازمة لتنفيذها وضمان تمويلها.

في هذا السياق، أشار تقرير العدوي إلى أن غياب الدراسات المالية والتقنية لمكونات برنامج التنمية الجهوية، إضافة إلى غياب رؤية مشتركة بين جميع الشركاء والمتدخلين بخصوص مدى أولوية بعض المشاريع وكيفية إنجازها، أدى إلى التخلي عن إنجاز برامج مدرجة ضمن برنامج التنمية الجهوية.

وأوضح التقرير ذاته، انه لم يتم في بعض الحالات تحديد البرامج ذات الأولوية كما لم يتم توطين المشاريع، وفي نفس السياق، سجل المصدر ذاته، غياب معايير موضوعية يمكن الارتكاز عليها في تحديد أولويات اختيار المشاريع المزمع إنجازها في إطار تنزيل برنامج التنمية الجهوية.

ووقف المجلس الأعلى للحسابات على نقص في التخطيط لمرحلة مواكبة تنزيل برامج التنمية الجهوية من قبل مكاتب الدراسات، وذلك من خلال الشروع في المواكبة دون أن تكون هناك مشاريع قد شرع فعلا في تنفيذها، مما لا ينسجم مع الهدف الأساسي من العملية المتمثل في تتبع تقدم إنجاز المشاريع وتحديد تقييم العوامل المؤثرة في تنزيلها، مضيفا أن غالبية الجهات لم تقم بالتفعيل الكلي لهيئات التتبع ولجان التنفيذ وفقا لما تم تسطيره في برامج تنميتها الجهوية.

اختصاصات أدق

في هذا الإطار، دعت المجالس الجهوية للحسابات وزارة الداخلية إلى إعادة النظر في المقتضيات القانونية المتعلقة بالجهات بشكل يمكن من رسم حدود أكثر دقة لاختصاصاتها لتفادي تعدد التأويلات وتقليص التقاطع مع اختصاصات الفاعلين الترابيين الآخرين وتحديد نطاق تدخلهم على مستوى التنمية الجهوية.

وأكدت المجالس الجهوية للحسابات على ضرورة تكريس مكانة الصدارة التي خولها الفصل 143 من الدستور للجهات في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية، والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، وعلى أهمية ترسيخ مبدأ الديمقراطية التشاركية، من خلال وضع مجالس الجهات، وكما ينص على ذلك الفصل 139 من الدستور، آليات تشاركية.

كما أوصت هذه المجالس الجهات بإعداد تشخيص شامل للإمكانات المالية للجهات وللوضعية الجهوية للقطاعات الاقتصادية والاجتماعية، لا سيما فيما يتعلق بجرد مجمل المشاريع المنجزة أو المزمع إنجازها في تراب الجهات المعنية مع تعزيز المقاربة التشاركية في إعداد برامج التنمية الجهوية.

وأوصتها تصنيف المشاريع التنموية المرتبطة بنفس الموضوع ضمن برامج تنموية فرعية متناسقة في مشاريعها ومتكاملة في أهدافها، مع الحرص على إنجاز دراسات الجدوى قبل اختيار توطين المشاريع المدرجة ضمن برامج التنمية الجهوية، ووضع جدولة زمنية واقعية لتنزيلها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *