8 مارس، مغاربة العالم

آية السابي.. موهبة مغربية فرضت نفسها في ساحة الأدب الهولندي

آية السابي.. موهبة مغربية فرضت نفسها في ساحة الأدب الهولندي

لا اسمُها ولا لون بشرتها يوحيان بانتمائها، ولو شكليا، لهذه الدائرة المغلقة من الجيل الجديد للأدب الهولندي. ومع ذلك، في سن السابعة والعشرين، أضحت آية السابي وجها مألوفا في الأستوديوهات التلفزيونية واللقاءات الأدبية بهولندا والجهة الفلامانية.

تدين بمكانتها لموهبتها وكلماتها، وكتابتها التي تكون أحيانا لاذعة وأحيانا أخرى مفعمة بالمشاعر ومعبرة عن مواقف تخترق الحواجز وتمنح الحياة لشخصيات لا تمتلك الحق في الكلام.

داخل قاعة حميمية تطل على الساحل الهائج لمدينة أوستند، بشمال بلجيكا، يبعث الصوت المتوهج لآية السابي الدفء في الأجواء الباردة والم لبدة لإحدى أمسيات شهر فبراير. فمن خلال سردها لمقتطفات من روايتها “نصف حياة” (هالف أوف ليفن)، ببلاغة مسرحية متفردة، تمكنت الشابة المغربية-الهولندية التي تعيش في الجهة الفلامانية، من أسر ألباب جمهور عاشق للأدب، ف تن بهذه الكاتبة الموهوبة التي استطاعت ص نع اسم لها .

ترعرعت آية السابي في بلدة رورموند الهولندية الصغيرة. وفي سن الثالثة عشرة، قررت عائلتها الاستقرار في بلجيكا. هناك بدأت المغربية-الهولندية-الفلامانية أولى خطواتها على درب سيفتح لها أبواب الأدب سنوات بعد ذلك. ومع متابعتها لدراسات في الأدب كانت آية تعلم أنها ترغب في أن تصبح كاتبة. لم تكن تكتب من أجل نيل رضى القراء، بما أن الكتابة كانت تعتبر بالنسبة لها بمثابة طوق نجاة.

في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، تقول آية: “منذ نعومة أظافري، كانت الكتابة بالنسبة لي ملاذا مكنني من تخفيف حدة آلامي ومعاناتي، حيث تمكنت من الوقوف في وجه الظلم”.

وبعد أن كانت مدونة على موقع “ديريداكتي. بي إي” (deredactie.be) بين عامي 2015 و2017، كتبت آية أعمدة على صفحات مجلة “إم أو” منذ العام 2017 وبالصحيفة المرموقة “دي مورغن” منذ سنة 2020، حيث تمحورت كتاباتها حول الظلم وانعدام المساواة وتحرير المرأة.

وبالرغم من ذلك، فإن الإعلام لم يكن المجال الذي تجد فيه ضالتها. حيث تقول “أجد ذاتي في تأليف القصص القصيرة، في القصص الخيالية التي أحكيها، بما أنها يمكن أن تشكل شذرات من معيش أو تجربة حياة. أحب أن أترك للقارئ هامشا يتيح له تقديم إجاباته الخاصة على الأسئلة التي أقوم بطرحها. هذا يسير عكس وسائل الإعلام التي تنتظر منك تقديم الإجابات”.

وبحسبها، فإن الكاتب لا يسعى إلى إلزام القارئ بأفكاره، ولا منطقه، لكنه يساهم في إيجاد إجابات على تساؤلاته.

لعله نوع من العمل السياسي ؟، هكذا ترى آية السابي، لأن السؤال في حد ذاته هو بمثابة فعل سياسي. “فالسياسة ليست حكرا على السياسيين. بما أنها حاضرة على الدوام في كل لحظة من لحظات حياتنا. فطبيعة الأسئلة التي نطرحها وتلك التي نذعن لها هي بمثابة فعل سياسي”.

في العام 2017، وجدت آية نفسها في قلب جدل محتدم، حيث تقدمت بشكوى لدى كاتب الدولة المكلف باللجوء والهجرة آنذاك، ثيو فرانكين، بشأن تعديله لقانون الأجانب، وذلك في رسالة مفتوحة نشرت على صحيفة “دي مورغن” بعنوان “أنا بالتالي مستهدفة بالترحيل”. فالنقاش الذي دار بين الجانبين إثر ذلك على تويتر، تجاوز حدود بلجيكا، ليصل إلى صحيفة “نيويورك تايمز”.

وتعود بدايات آية الحقيقة في مجال الأدب إلى العام 2017، مع مجموعة القصص القصيرة “أرض مشتتة” (فيرويمد لاند)، التي نشرت لدى “أطلس كونتاكت” وتم ترشيحها لنيل جائزة الأدب “أوبزيج” وجائزة “لانغ زولن في ليزن”.

وبالموازاة مع انخراطها في الحياة الثقافية بكل من الجهة الفلامانية وهولندا، فالمغرب وأصولها لا تغيب عن مخيلتها. وتقول “تعلقي بمغربي عميق. والذهاب إلى هناك ضرورة بالنسبة لي”.

وضمن روايتها الأخيرة “نصف حياة”، تتحدث بأسلوبها الخاص عن بلاد أجدادها. وبكيفية حسية، تقدم آية السابي ذكريات محجوبة من الماضي عن الترحال والاغتراب، من المغرب إلى هولندا. هي قصة عائلية عن الكيفية التي يستمر من خلالها الألم في الغناء، مع الانفتاح والربط بين الأجيال. حول الكيفية التي يكون المنزل من خلالها في بعض الأحيان بمثابة الحرارة التي تنبعث من الشخص، ولكن أيضا البرودة التي يمكن أن تصدر عنه.

امرأة تملأ الأطباق بالرغبات والآلام. فتاة تكتب عن لم الشمل مع محبوبها. فتاة صغيرة تتحدث عن نقص الدفء في العلاقات العائلية من خلال محاولات سردية. فالرواية تستكشف ما يعنيه أن تكون أما، ابنة، جدة، زوجة، أرملة، عشيقة أو زوجة. فالنساء يعكسن ذواتهن وعالمهن، ولكنهن يقمن قبل كل شيء بعكس الواقع لبعضهن البعض، بينما تتحرك حياتهن، تتصادم وتتشابك.

من خلال قصصها الخيالية والحقيقية في ذات الآن، تزن الكاتبة التي اختيرت من بين المواهب الأدبية للسنة من طرف “كونيكتينغ يوروبيين ليتراري آرتيستس” كلماتها وتعيد وزنها، كما تمحص جيدا في النصوص التي تقوم بصياغتها، تطرح الأسئلة وتتساءل عن تلك العقبات المرتفعة أحيانا التي نقوم باختراقها أو نتعثر عند محاولة عبورها.

آية التي ليس لديها نموذج محدد في الحياة، من منطلق أن “كل شخص نقابله يترك بصمة علينا ويلهمنا بشأن عدة أشياء”، تقول إن “الجميع يدعي اليوم معرفته للإجابات. لكن أساس الكتابة هو التساؤل على نحو دائم”.

ومن خلال القيام أحيانا بوصف الحقائق المزعجة، هي لا تسعى إلى طرح الأسئلة المثيرة للجدل، ووضع اليد في المكان الذي يفضل تجنبه. إنها تدعو بالخصوص إلى الحوار والتغيير وتجذب الانتباه إلى المشاكل المعقدة من قبيل العنصرية أو الفقر، والتي تطال بالتحديد الأقليات في بلدان الاستقبال.

وتقول آية التي وقعت في حب الأدب منذ صغرها، من خلال تذوق جمال اللغة العربية وتلاوة القرآن الكريم، “لن تكون من هنا أبدا. في آخر المطاف، تظل مغربيا يعيش في بلد آخر ويحاول التأقلم، واغتنام الفرص التي تتاح له، والكفاح من أجل فرض ذاته”.

آية التي تمتاز برصانتها وتحافظ على حس متزن للطموح، تحلم بعالم تعمه الحرية، يضمن للجميع الوقت والرغبة في الإبداع ويتيح عيش الحياة بكامل جوانبها.

مراد الخنشولي – ومع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *