منتدى العمق

ساعة وساعة

ذات يوم وأنا مستغرق في نقاش مع مجموعة من الأصدقاء، حول مشاكلنا الحضارية، وواقع أمتنا الإسلامية، وأسباب هذا الإنتكاس والتخلف الذي تعيشه مجتماعتنا الإسلامية،إذمر علينا رجل لا نعرفه، يرتدي جلبابا قصيرا شديد الرثاثة، وينتعل”بلغة” تقليدية قديمة جدا وبالية، وفوق رأسه عمامة كبيرة لا تقل في قدمها ورثاثتها عن جلبابه،ومظهره لا يختلف كثيرا عن أولائك المجانين والمتشردين،لكن يتضح جليا لكل من يراه أنه ليس من هؤلاء وذلك من نقاء وجهه وصفاء نظرته وقوتها ورصانة مشيته وسمته، والإبتسامة الكبيرة الصادقة والدائمة،المرسومة على وجهه، والتي تهاجم كل من يراه بقوة،لتجعله بدوره يبتسم، وكأن السعادة اجتمعت في داخله وضاق بها باطنه حتى صارت تفيض على محيطه من خلال ابتسامته.

وقف متكئا على عصا في يده على مقربة منا، حيث يستطيع سماع حديثنا ولا نلاحظ حضوره، وبعد وقوفه طويلا قربنا، إذا به يشير بعصاه إلى عمود الإنارة العمومية الذي كنا نقف قربه قائلا : هذا,,,,,, هذا هو المشكل ,,,,, هذا هو السبب ليستمر في الإشارة بعصاه إلى كل أعمدة الإنارة, وفي اندهاش في واستغراب كبيرين وسخرية ظاهرة سأله أحد الأصدقاء:

–   مالذي تقول ؟ عن ماذا تتحدث ؟

فضحك ضحكة الواثق من نفسه رأيت على إثرها اهتزازا وارتباكا في نفس صاحبي ثم أردف قائلا :

–   تتساءلون عن أسباب مشاكل الأمة ؟ تتساءلون عن سر هذه الأزمة الحضارية التي يعيشها المسلمون؟إنه الكهرباء. مشكلتنا هي اختراع الكهرباء.

وفي سخرية واستخفاف إنفجر الجميع بالضحك والقهقهة، والرجل واقف ثابت في ثقة منقطعة النظير حتى انتهينا من الضحك .

وقد يبدو للجميع كما بدا لنا من أول وهلة أن هذا الكلام هو مجرد تخريف وعبث وجنون،لكنه خلال استرساله في الكلام بالشرح والتفسير والتفصيل،ظهرت العناصر المنطقية،والاستدلالات المنهجية،التي اعتمدها ليقول هذا الكلام، حيث يعتقد أن اختراع الكهرباء، أثر بشكل مباشر على نمط العيش، وعلى فلسفته، فأصبح الإنسان المسلم،يستغرق ساعات إضافية من الليل مستيقظا،ويستغرق بالمقابل ساعات من النهار نائما، فحصل اختلال، في التوازن والتناغم الحاصل بين الإنسان وحركة الكون في النموذج الإسلامي، واختلت تبعا لذلك أمور كثيرة، ابتداء بأوقات الاستيقاظ والنوم، ثم أوقات الأكل،فشكله ونوعه، وظروفه، وكل هذه المعطيات،تؤثر مباشرة على مرودية الإنسان وفاعليته الذهنية والبدنية، مما أثر على العمل وشكله وأنواعه،لينتقل هذا التغير إلى البعد المعرفي حيث تغير عند المجتمع والأمة مفهوم العمل، فلم يعد هو كل نشاط يقوم به الفرد يعود بالنفع على المجتمع، بل أصبح العمل هو كل نشاط مذر لدخل مادي، ومنه تم نسف وظيفتين مركزيتان في المجتمع لا تذران على صاحبهما دخلا مباشرا،هما وظيفة التربية التي تقوم بها المرأة أساسا،ووظيفة طلب العلم اللتين يظل المشتغل بهما في نظر المجتمع (عالة). والجميع يعرف قيمة هتين الوظيفتين في حياة الأمم والمجتمعات، فبالتربية يتشكل الحامل البشري للمجتمع وهو الإنسان وبالبحث العلمي تسير الأمم نحو الأمام، وتجيب على احتياجاتها بشكل مستمر، فلم يعد الإقبال على الأعمال التي

تؤدي وظائف نبيلة وسامية في الأمة، بل أصبح الإقبال على الوظائف التي تحقق أعلى دخل لأصحابها، وهذا من أهم الآثار الناجمة عن تغير المعنى أو غيابه تماما.

هذه الوظائف في الغالب،لا تترك لصاحبها وقتا ولا مجالا للعيش والتفاعل مع الحياة بشكل إيجابي، بل تستنزف كل الجهد البشري وطاقة الحياة في الإنسان، في إجراءات وترتيبات ومساطر وعمليات ،في الغالب لا تبالي بقيمة الإنسان ولا قيمه المعرفية والجمالية والأخلاقية ،فيحصل عنده نوع من التذمر الداخلي، والاحتقان المرتبط باستنزاف جهد كبير وطاقة هائلة في أمور،قد لا يعرف معناها أو في أمور هي عديمة المعنى أصلا،و يتم خلق متنفس استهلاكي لتحقيق المتعة واللذة خارج أوقات العمل،تعويضا عن القهر والتذمر داخل أوقاته، فيصبح الاستهلاك ضرورة أساسية لتحقيق التوازن النفسي المفقود.

وليس هذا فحسب بل يتسبب هذا التغير الحاصل في الوقت اليومي، بشكل مباشر في تغيير مجموعة من القيم الإنسانية والاجتماعية التي يحافظ عليها المجتمع، بأشكال متعددة من العادات والتقاليد والممارسات، التي أبدعها نتيجة الخبرة التاريخية الممتدة في الزمن، فيضرب العلاقات الاجتماعية، وقيم التراحم والتكافل، والتعاون والجوار والقرابة، بل يصل إلى الحد الذي يمس فيه العلاقة المباشرة لأفراد الأسرة الواحدة داخل البيت الواحد، الذي فقد كل الوظائف الاجتماعية والتربوية والرمزية، ليحتفظ فقط بدوره الوظيفي المتلخص في النوم، نغادره كل صباح باكر في اتجاه العمل، وكل الفضاءات الاستهلاكية المتوفرة خارجه، لندخله في المساء متأخرين متعبين لا نحتاج سوى الاستلقاء، لتتكفل الأجهزة والآلات المنزلية والعملية “الوظيفية” بتيسير حياتنا وجعلها أكثر رفاهية وسهولة،وبالمقابل تنقص من فاعليتنا وأدائنا الإنساني وأثرنا في الحياة، وتقييد سلوكنا وتضبط لنا نمط ووثيرة العيش التي نسير بها، والتي هي تمثل وتجسيد لفلسفتناللحياة،ومرجعيتنا،ونموذجنا المعرفيالكامن,

وبالتالي يحصل تناقض فارق بين واقع الإنسان المادي المعاش، وفكره المرجعي المجرد، وعقيدته. ونتيجة لهذا التفاعل الجدلي بين هذين المعطيين المتناقضين، الواقعي المادي، والفكري المرجعي، ضاعتفي الإنسان معان كثيرة،وقيم جوهرية، عندما أصبحت هذه المعطيات الواقعية،محددا مركزيا في توجيه حياة الإنسان،ولم يعد الإنسان هو من يسير هذه المعطيات، فعوض أن يكون حرا قادرا على إصلاح الواقع، متحكما فيه، أصبح خاضعا مستسلما لحكم الواقع، وفق متتاليات حتمية يجر بعضها بعضا.

فهل تكون إضافة الساعة الصيفية للتوقيت المغربي محاولة لتحقيق تناغم أكبر للإنسان مع الكون والإقتراب من الوتيرة الطبيعية للإيقاعات البيولوجية ؟؟؟؟. أم أنها لا تتجاوز أن تكون محاولةللتناغم مع الإتحاد الأروبي ؟.