آخر أخبار الرياضة، العمق الرياضي، الكرة المغربية

ذاكرة رياضية: مجلس أعلى للرياضة.. ه‍يئة لتدبير القطاع واجهت عراقيل في التنزيل 

استأثر مطلب إحداث مجلس أعلى للرياضة بنقاش كبير خلال السنوات الأخيرة، بعد بروز عدة مشاكل فيما يخص تدبير النزاعات التي تقع بين الفينة والأخرى نتيجة سوء تنزيل النصوص القانونية المؤطرة للرياضة بالمغرب.

إن سبر اغوار ما أورده الدكتور منصف اليازغي ضمن مؤلفه الموسم بـ”السياسة الرياضية بالمغرب 1912-2012″ يجعلك أمام معطيات كثيرة تتعلق بالشأن الرياضي وتدبيره وأبرز الأحداث التي رافقت تطور المنظومة الرياضية بشكل عام حيث أفرد المؤلف اليازغي ضمن الفصل الأول، المبحث الثاني منه للحديث عن المجلس الأعلى للرياضة في سياق الحديث عن المبادرات الملكية الموازية للعمل الحكومي، سنتطرق اليه في هذه الحلقة من “ذاكرة رياضية”.

يقول اليازغي في مؤلفه، “نص مرسوم التنظيم الرياضي لسنة 1957 على مجلس أعلى للرياضة إلى جانب باقي الهيئات الأخرى المحددة في الجمعيات والعصب والجامعات الرياضية ونص الفصل 11 على أن المجلس الأعلى للرياضة يتألف من رؤساء الجامعات بمساعدة من مندوبيهم، إضافة إلى مندوبين يمثلان وزارة التهذيب الوطني والشبيبة والرياضية بصفة استشارية، على أن يعين الرئيس من بين أعضائه”.

وأضاف، “تتلخص مهام المجلس الأعلى للرياضة في التنسيق بين الجامعات المنخرطة ومتابعة برامجها و علاقاتها وتزويدها بالمعلومات ومساعدتها على التعريف بنفسها وبتظاهراتها الرياضية ومشاركاتها الدولية، كما يقوم المجلس بدور الحكم في تسوية الخلافات التي تقع بين الجامعات وتم منح رئاسة المجلس لشقيق الحسن الثاني مولاي عبد الله، الأمر الذي يوضح رغبة النظام في الحفاظ على وجوده في جل المؤسسات المشرفة على إعداد أو اقتراح تدابير في المجال الرياضي، فاللجنة الأولمبية ترأسها الحسن الثاني منذ تأسيسها، كما أن المجلس الوطني للشبيبة والرياضة حمل طابعا استشاريا برئاسة رئيس الوزارة وتحركاته كانت تتم تحت إشراف الحسن الثاني”.

وأشار الكاتب إلى أن الهيأة العليا للرياضة كانت تتمتع بقوة مزدوجة أساسها المواصفات البيروقراطية والوضع الاجتماعي الراقي المسيريها، فقد ضمت تركيبتها شخصيات من عالم السياسة والمال وذات انتماءات عائلية وازنة كالدكتور يوسف بلعباس والدكتور محمد بنهيمة وامجيد بن جلون والدكتور عمر بوستة وامحمد امجيد ومحمد بن جلون وليفي مايير والعمراني وعبد اللطيف الصايغ واكديرة وسميرس والعلمي والتبر وبوعنان واليمني وبنائي والشرقاوي وكلهم ينتمون إلى الجامعات الملكية المغربية.

وعن مسار المجلس الأعلى للرياضة يقول اليازغي، “شهد المجلس الأعلى للرياضة نفس السيناريو الذي عاشه المجلس الوطني للرياضة، إذ تم إدماجه سنة 1971 في المجلس الوطني للرياضة والشبيبة من خلال إحداث “لجنة عليا للرياضة” بداخله مشكلة من 21 عضوا مهمتها دراسة المسائل التي تهم المجال الرياضي والبحث عن الأساليب والتفكير في التدابير الواجب اتخاذها لرفع مستوى الرياضة على الصعيدين الوطني والدولي ودراسة المسندة إليه من طرف المجلس الوطني للشبيبة والرياضة وأجاز القانون للجنة العليا للرياضة حق تأسيس 4 لجان هي التجهيز الرياضي والتنظيم الرياضي والبرامج الرياضية المدرسية والجامعية”.

وتابع اليازغي، “حاول وزير الشبيبة والرياضة عمر بوستة سنة 1969 تفعيل مهام المجلس الأعلى للرياضة بعد أزيد من عقد من الجمود، لكن هذه الرغبة اصطدمت بغياب ردود الفعل المناسبة، ورغم التجديد الذي شمل هذا المجلس بمناسبة إدماجه في المجلس الوطني للشبيبة والرياضة سنة 1971 تحت تسمية “لجنة عليا للرياضة”، فإن وفاة مولاي عبد الله بتاريخ 21 دجنبر 1983 شكلت إعلانا عن وفاة هذه اللجنة التي ارتبطت بالشخص أكثر من ارتباطها بالأهداف التي من أجلها أسست. ولم تكن التوصيات التي جاءت في محور الشبيبة والرياضة ضمن المخطط الخماسي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية 1981-1985 والتي أشارت إلى “اتخاذ الإجراءات التنظيمية قصد المجلس الوطني للشبيبة والرياضة ، لتشكل حافزا حقيقيا لإحياء هذه المؤسسة”.

وزاد قائلا، “بما أن تجميد عمل المجلس الوطني للشبيبة والرياضة يعني تجميدا أوتوماتيكيا لعمل اللجنة العليا للرياضة التي تعد واحدة من الهيات المشكلة له، فإن مسؤولية التدخل في هذه الحالة لمعالجة هذه الوضعية تندرج ضمن صلاحية وزارة الشبيبة والرياضة وفق ما ينص عليه الفصل 14 من الظهير المحدث للمجلس الذي يقول: “إذا أصبح مكتب إحدى اللجنتين العليين الشبيبة والرياضة) غير قادر على مزاولة مهامه وجب على اللجنة العليا القيام بناء على طلب المندوب النائب بتجديد المكتب في أجل ثلاثة أشهر. وإذا تعذر تجديد المكتب، فإن السلطة الحكومية المكلفة بالشبيبة والرياضة تعين مكتبا مؤقتا يختار أعضاؤه من المجلس الوطني للشبيبة والرياضة ويستمر هذا المكتب في مزاولة مهامه إلى أن تنتهي مدة انتداب أعضاء اللجنة العليا”.

وأضاف اليازغي، “ما سبق يطرح غياب المبادرة لدى الوزارة الوصية من أجل تفعيل دور هذا المجلس، علما أنه ما زال ساري المفعول في غياب أي نص قانوني يشير إلى إلغائه، بل إن قانون التربية البدنية والرياضة 06-87 لسنة 1989 الذي جاء مجددا للهياكل التنظيمية للرياضة بالمغرب لم يشر إلى إلغاء الظهير المحدث للمجلس”.

وأكد صاحب كتاب السياسة الرياضية بالمغرب، أنه “ورغم تنصيص الديباجة الأولى لمشروع قانون التربية والرياضة 09-30 الذي صاغته وزارة الشبيبة والرياضة قبل وضعه لدى الأمانة العامة للحكومة على إحداث مجلس وطني للرياضة يضطلع بمهمة إبداء المشورة حول البرنامج الوطني للرياضة، فإن الإشارة إلى أن نصا تنظيميا سيحدد تكوينه وتنظيمه وتسييره يظهر كما لو أن الأمر يتعلق بمؤسسة جديدة لا علاقة لها بالمؤسسة السابقة باستثناء الطابع الاستشاري الذي يجمعهما، في حين أن المؤسسة السابقة لم يتم إلغاؤها إلى حد الآن، لكن هذه الإشارة إلى إحداث المجلس الوطني تم حذفها قبل وصول المشروع إلى البرلمان”.

وأوضح اليازغي أن “خلق لجنة عليا للرياضة ومجلس وطني للرياضة بدون تفعيل الاختصاصات الموكولة إليهما وفق الظهيرين المحدثين لهما أو إلغائهما بعد جمودهما يوضح غياب الحس التدبيري المعقلن للمجال الرياضي، وبالتالي فإن ما تنتجه الدولة من مؤسسات وقوانين لا يعدو أن يكون محاولة لتصريف إكراهات مرحلة معينة من تاريخ المغرب.

كما أن إحداث مثل هذه الهيآت، يضيف المصدر ذاته، لا يندرج سوى ضمن المساحات المتاحة أمام الملك انطلاقا من الفصل 19 قبل دستور (2011) بما أن مثل هذه الهيأت لم يكن منصوصا عليها في الدستور على غرار ديوان المظالم والهيأة العليا للاتصال السمعي البصري والمعهد الملكي للأمازيغية، إضافة إلى أن ذلك يجعل من المبادرات في هذا المجال رهينة موافقة الملك من الأعضاء المشكلين لهذه الهيات إلى غاية القرارات والبرامج الصادرة عنها بحكم أنها انطلاقا مؤسسات تحمل صفة استشارية لدى الملك.

وخلص اليازغي إلى أن إحداث كل من اللجنة العليا للرياضة والمجلس الوطني للرياضة بتركيبة غير متوازنة واختصاصات غير ذات فاعلية يؤكد عدم اقتناع الدولة بجدوى منح استقلالية تسيير الشأن الرياضي لمؤسسات موازية، وبأن الأمر يتعلق برغبة الفاعل السياسي في البروز في صورة المبادر إلى حل الإشكالات المطروحة على الساحة، لكن بدون أن يصل ذلك إلى حد تفعيل تلك المبادرة، ما يضعنا أمام عملية احتواء للمبادرة عبر خطاب لا يرقى إلى حد الفعل والاستمرارية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *