مجتمع

الطبال.. مهنة رمضانية خالصة وتراث شعبي مغربي يواجه الاندثار (فيديو)

على حافة الزوال (الحلقة الرابعة)

مهن ضاربة في القدم والعراقة. قبل عقود كان لها دور حيوي في بوادي وحواضر المغرب، وشكلت على مر السنين مصدرا لعيش الكثير من الأسر، لكنها اليوم تدحرجت نحو الهامش وشارفت على الاندثار، وصارت مهنا على حافة الزوال.

بعد يوم شاق في إصلاح نعال زبنائه ورتق فتوقها، داخل ورشته بأحد أحياء أزمور الشعبية، يضع محمد بدلة الإسكافي جانبا، ويتقمص دور طبال أخذ على عاتقه إيقاظ الناس لتناول وجبة السحور، خلال كل رمضان، منذ 33 عاما، دون كلل أو ملل. حثيث الخطى يجول دروب عدد من أحياء المدينة، يسبقه صوت القرع على الطبل مخترقا النوافذ إلى آذان النيام.

وفق خريطة تجوال مضبوطة، يطوف الطبال محمد عددا من أحياء المدينة، ويداه تقرعان طبلا يتدلى على جنبه الأيسر، مشدودا بحزام إلى كتفه الأيمن، كاسرا صمت الليل بإيقاع قرعه المنتظم.

يجول محمد كل ليلة مدة تفوق ساعة من الزمن مشيا على قدميه، يحرص خلالها على أداء مهمته على أكمل وجه، وجسده يتصبب عرقا. فهذا الرجل يعي جيدا أنه متطوع في هذه المهمة، لذلك فإنه لا ينتظر أجرا إلا ما جاد به الناس عليه، كما قال في حديثه لـ”العمق”.

تصوير: أشرف دقاق – مونتاج: ياسين السالمي

يحكي محمد أن والده مارس هذه المهنة لسنوات، وكان يتلقى تعويضا من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وكان يرافقه خلال جولاته التي تسبق الفجر، فتعلق بهذه المهنة، لذلك عندما فارق أباه الحياة، تقدم بطلب للوزارة من أجل أن يخلفه في مهمته، لكن الطلب ووجه بالرفض.

هذا الرفض لم يشكل حاجزا كافيا لمنع محمد من ممارسة مهمة إيقاظ الناس للسحور، فحمل طبله وواصل مسيرة والده جائلا بين الأزقة والدروب. وعن فوائد هذه المهنة يقول “كلها فضل”، مضيفا أن سماع عبارات الثناء ودعاء الناس له بـ”الله يرحم الوالدين” يشعره بالرضى.

هذا الطبال الذي أصر على وراثه هذه المهنة عن والده وحمل مشعلها، يستبعد أن يخلفه أبناءه قائلا: “ما يقدروش يديروها ولادي”، وعن السببب، يواصل قائلا: “هذا الجيل تيشوف القدام”، في إشارة منه إلى تطلعهم لمهن أعلى شأنا.

محمد واحد من القلائل الذين مازالوا مستمرين في حمل مشعل هذه المهنة، محافظين عليها من الزوال، في زمن الساعات والهواتف الذكية والمنبهات التي أغنت الناس عن أصوات القرع على الطبل والنفخ في “الغيطة” و”النفار”.

إيقاظ الناس للسحور بهذه الطريقة الشعبية يختلف من منطقة إلى أخرى، بين استعمال الطبل والنفار والغيطة، كما أن العديد من ممارسي هذه المهنة (الطبال/النفار/الغياط)، يمزجون بين أصوات الآلات الموسيقية وعدد من التراتيل والأناشيد، في تناسق بديع، لتنبيه الغافلين وإيقاظ النائمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *