آخر أخبار الرياضة، العمق الرياضي، الكرة العالمية

أندية أوروبية تهنئ المسلمين بالأعياد.. انفتاح وسط قتامة عنصرية الملاعب ضد البشرة السوداء

أصبح عشاق كرة القدم العربية من المسلمين في كل بقاع العالم على مواعيد محددة ومناسبات سنوية تخصهم من خلالها أندية كرة القدم الأوروبية بتهاني العيد والمناسبات الدينية بمنشورات عبر قنواتها ومنصاتها التفاعلية.

ويفرض هذا التوجه الجديد الذي أصبح أمرا عاديا في السنين الأخيرة قراءة متأنية لواقع كرة القدم الأوروبية وإدراكها لقيمة المشترك، سواء كان دينا أو لغة أو آلية للتسامح، وكذا التأسيس لانعطافة جديدة تقودها الأندية في ظل ظهور حالات نشاز تتعلق بالعنصرية اتجاه أصحاب البشرة السوداء.

ترسيم التعايش

في هذا الصدد، قال أستاذ علم الاجتماع بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس، رشيد جرموني، إن تهنئة بعض الأندية الرياضية في البطولة الأوربية للمسلمين، بمناسبة حلول عيد الفطر، “عن موجة جديدة من التعايش الديني والاعتراف بالآخر ونبذ الكراهية والاحقاد من طرف الفاعلين الرياضيين”.

وأضاف جرموني، في تصريح لـ”العمق”، “هذه الموجة تأتي في سياق مفارق ومتوتر، مفارق لأنه يتجه في اتجاه معاكس لنا أصبح يعرف بالاسلاموفوبيا أو الاكزينوفوبيا xénophobie والتي أصبحت ظاهرة اجتماعية في السنوات الأخيرة، وذلك جراء العديد من العوامل ليس هنا مجال مناقشتها”.

وتابع الجرموني، “من جهة أخرى فإن أوربا تعرف تحولات عميقة في نظامها السياسي والاقتصادي وبشكل خاص في منظومتها القيمية، حيث أصبح المهاجر المسلم مدان ولو تبثث براءته، لكن يبدو أن هذه الموجة أو لنقل الانعطافة في التسامح مع الدين الإسلامي عبر التعبير عن التهنئة بحلول العيد، هو تعبير قوي في اتجاه ترسيم قيم التعايش والتسامح الدينيين من خلال بوابة الرياضة وبشكل خاص الفاعلين الرياضيين، ولعل الكل يعلم مدى الحضور النجومي لهذه الفرق ونجومها الكبار في كرة القدم، ليست الأوربية وحدها ولكن العالمية”.

تحول عميق

في الاتجاه ذاته ذهب المفكر والمؤرخ المهتم بتطور الفكر السياسي الإسلامي، محمد جبرون، قائلا إن “هذه الظاهرة التي تعبر فيها أندية أوروبية عن احترام ديانات اللاعبين والمسلمين تعد تعبيرا عن تحول عميق في الداخل الأوروبي وفي المجتمعات الأوروبية، فالإسلام والمسلمين في أوروبا لم يعودوا مجرد جاليات ومجرد مواطنين وافدين من الخارج ينظر إليهم في كثير من الأحيان كمواطنين من الدرجة الثانية، ولكن هناك شرائح واسعة من المسلمين الأوروبيين من أصول عربية ومشرقية وأوربية، ولهذا هذه التعبيرات ماهي إلا احترام للذات الأوربية وللإسلام الأوروبي”.

وأضاف جبرون، في تصريح لـ”العمق”، “هم لا يهنئون المسلمين الذين يوجدون في الخارج في العمق، بل هم في الحقيقة يهنئون المسلمين الذين يعيشون بينهم ويلعبون في ميادينهم ويحتكون بهم يوميا وبالتالي فالإسلام لم يعد دينا أجنبيا ولم تعد العادات الإسلامية والتقاليد والطقوس الإسلامية طقوس خارجية أجنبية بل أصبحت جزء من الحياة الأوروبية.

وجهة نظر سوسيولوجية

يومن وجهة نظر سوسيولوجية، يقول رشيد الجرموني، فيبدو أن هذا الحدث “ليس بالعرضي أو الظرفي والمناسباتي، بل إنه يؤشر على تحول في بعض المسلمات القيمية التي كانت تهيمن على العقل الأوربي وهي التحييد للرياضة عن القضايا القيمية والدينية والاجتماعية، فالحدث يمثل جيلا جديدا من الفاعلين الرياضيين الذين لهم تأثير على الكتلة الحرجة وهي الشباب في أوريا بترسيخ قيم التعايش الديني والتسامح واعلاء القيم الانسانية النبيلة والكونية والتي تجسد احترام الاخر بغض النظر عن دينه أو لونه أو لغته أو انتماءه السوسيومجالي والسوسيوحضاري”.

وأضاف جرموني، “لعل حديثنا في هذا السياق، إنما بخلفية سوسيولوجية مفادها أن القيم لا يمكن أن تستبدن وتستبطن في سياق سوسيوحضاري مختلف إلا اذا تم اضفاء طايع المقبولية عليها”، مضيفا أن “الصراعات والتوترات التي نراهها بين العالمين الإسلامي والغريي المسيحي ربما تكون مدفوعة باعتبارات اديولوجية واقتصاديوية وتغلف بطابعها الديني، لكن الفاعلين الرياضيين ليست لهم هذه الرهانات الضيقة فهم متحررون من كل هذه الحسابات وبالتالي فتعبيرهم يعد توجها جديدا في منظوراتهم القيمية”.

ممارسات متطرفة

وعاد جبرون ليؤكد أن، “هذا الانفتاح التحول الإيجابيان في علاقة الغرب بالإسلام وفي علاقة الأوروبيين بالإسلام تنغص عليه بعض الممارسات اليمينية المتطرفة التي قد نشاهدها في الملاعب والمدرجات وفي الشوارع أيضا، وهي تصرفات وسلوكات أقلية لا يعتد بها لأن في الأصل هناك تحول عميق جدا”.

وتابع جبرون، “هذا التحول الذي تعيشه أوروبا ربما سبقتها إليه الولايات المتحدة الأمريكية، وهي ظاهرة إيجابية ومهمة يجب أن نستقبلها بنوع من التقدير ففرق مثل ريال مدريد ودرتموند وغيرها في نخبتها الأولى يوجد عدد من اللاعبين المسلمين أو من أصول عربية ولهذا هذه أشياء جميلة في كرة القدم وتعبر عن روح إنسانية فيها الكثير من الاحترام والتقدير المتبادل بين الديانات وكذلك روح التعايش والأخوة فكرة القدم من هذه الناحية تقرب بين الشعوب والأديان وربما هي أحسن وسيلة ونشاط بشري يقدم هذه الصورة للتعايش بين الديانات والعقائد وهو ما لا يمكن أن نشاهده في مجالات أخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *