مجتمع

فتح متجر للخمور يشعل احتجاجات بزاكورة.. “العمق” تنبش في تراخيصه

“بغينا معمل للتمور ماشي متجر للخمور”، كان هذا من بين الشعارات البارزة التي صدحت بها حناجر العشرات من المواطنين بزاكورة، احتجاجا على فتح متجر لبيع المشروبات الكحولية وسط حي سكني وبالقرب من ثلاث مؤسسات تعليمية وساحة عمومية تتخذها الأسر متنفسا لها ولأطفالها، فما قصة هذا المتجر؟ وهل بالفعل يتوفر على رخصة من السلطات المحلية؟ وإذا كان يتوفر على هذه الرخصة فكيف حصل عليها؟

احتجاجات متصاعدة

احتشد العشرات من المواطنين بمدينة زاكورة، في وقفتين احتجاجيتين بحي القدس، تفصل بينهما تسعة أيام، آخرهما كانت الأحد 15 ماي حضرتها جريدة “العمق”، وذلك تنديدا بفتح محل لبيع المشروبات الكحولية وسط الحي السكني.

عدد من السكان والمحتجين أوضحوا لـ”العمق” أنهم يرفضون فتح هذا المتجر بهذا المكان، نظرا لـ”الخطورة” التي يشكلها عليهم وعلى أبنائهم وأطفالهم، خصوصا أنه يوجد وسط حي سكني وبالقرب من ثلاث مؤسسات تعليمية وساحة عمومية تعج كل مساء بالأطفال.

في حين يمنع قرار للمدير العام للديوان الملكي، (يعود إلى سنة 1967 وتم تحيينه سنة 1970)، استغلال مكان لبيع المشروبات الكحولية بجوار الأماكن الدينية أو المقابر أو المؤسسات العسكرية أو الاستشفائية أو المدرسية وفي بنايات للأوقاف وبصفة عامة بالقرب من كل مكان تجب فيه مراعاة الحشمة والوقار.

بداية الحكاية

حكاية هذا المتجر الذي فجر احتجاجات واحتقانا بالمدينة تعود إلى خمس سنوات خلت، عندما تقدم صاحبه بطلب للمجلس البلدي، الذي كان يرأسه آنذاك لحسن واعرى عن حزب العدالة والتنمية، للحصول على رخصة لبيع المواد الغذائية في المكان ذاته الذي تحول اليوم إلى متجر للمشروبات الكحولية، فماذا جرى خلال هذه السنوات الخمس؟

حصل صاحب المتجر على رخصة لبيع المواد الغذائية موقعة من قبل رئيس المجلس البلدي بتاريخ 2 فبراير 2018، بحسب ما أكده واعرى لـ”العمق”، لكنها كانت تتضمن شرطا يتمثل في التزامه بعدم بيع المشروبات الكحولية أو الممزوجة بالكحول، وهي الرخصة التي تتوفر الجريدة على نسخة منها.

مصادر كشفت للجريدة أن صاحب المتجر بذل جهودا حثيثة من أجل الحصول من السلطة المحلية على رخصة خاصة ببيع المشروبات الكحولية، ولم تكلل هذه الجهود بالنجاح إلا في الأشهر الأخيرة من السنة الماضية، فكيف حصل على الترخيص؟ وكيف تم القفز على شرط عدم بيع المشروبات الكحولية الذي تضمنته رخصة رئيس المجلس البلدي؟

يجبر قرار 1967، كل من يريد الاتجار في المشروبات الكحولية أو الممزوجة بالكحول على أن يحصل سلفا على إذن تسلمه السلطة الإدارية المحلية بعد استشارة المصالح المحلية للشرطة أو الدرك، ويمكن أن يسحب هذا الإذن في كل وقت وآن من طرف السلطة التي سلمته إما على إثر إدانة أو بموجب تدبير تقتضيه المحافظة على النظام أو الأمن العمومي.

شبهة التزوير

بسبب عدم توفره على رخصة خاصة ببيع المشروبات الكحولية، ظل المتجر مغلقا، لكنه فتح أبوابه في الأشهر الأخيرة من سنة 2022 مباشرة بعد انتقال مسؤولين بالإدارة المحلية، في إطار الحركة الانتقالية، بينهم الباشا السابق الذي وقع على رخصة بيع المشروبات الكحولية قبيل انتقاله، وهو ما يطرح العديد من علامات الاستفهام دفعت “العمق” إلى النبش في الطريقة التي جرى بها الترخيص.

مصادر “العمق” كشفت أن صاحب المتجر اتبع بالفعل مسطرة الحصول على إذن من السلطة المحلية لبيع المشروبات الكحولية، وذلك عبر تقديم ملف يضم مجموعة من الوثائق، وهو الملف الذي تضمن رخصة المجلس البلدي السابق الخاصة بمزاولة بيع المواد الغذائية.

لكن مع ذلك يبقى التساؤل قائما، فكيف سمحت الإجراءات الإدارية بالتناقض بين رخصة المجلس البلدي التي تشترط عدم بيع المشروبات الكحولية وإذن السلطة المحلية ببيعها؟ وهو التساؤل الذي وجدت “العمق” جوابه في الاطلاع عل بعض وثائق ملف طلب الترخيص المقدم للسلطات المحلية.

ورد في البند الثالث من رخصة رئيس المجلس البلدي: “يلتزم المعني بالأمر بعدم بيع المشروبات الكحولية أو الممزوجة بالكحول”، لكن هذا البند اختفى بقدرة قادر من النسخة المضمنة في الملف المقدم من قبل صاحب المتجر للسلطات المحلية، وهي النسخة التي تمت المصادقة على مطابقتها للأصل بجماعة أكدز (على بعد 92 كلم من زاكورة). وعند مقارنتها بـ”نظيرتها” الأصلية يظهر فراغ أبيض مكان البند الثالث، وهو ما علق عليه مصدر لـ”العمق” بالقول: “إنه تزوير واضح”.

دور رئيس المجلس الجماعي

وبغض النظر عن الطريقة التي تم بها الحصول على ترخيص بيع المشروبات الكحولية من السلطات المحلية، فإن الوثيقة المسلمة من قبل لحسن واعرى تركت لرئيس المجلس البلدي إمكانية سحبها أو إلغائها في حالة “الإخلال بالقوانين الجاري بها العمل في إطار النظام العام والآداب العامة والصحة العمومية والنظافة الجماعية”، وهو ما يدعو إلى التساؤل عن عدم تدخل المجلس البلدي الحالي، لحد الآن، وسحبه لهذه الرخصة أو إلغائها؟

هذا السؤال نقلته “العمق” إلى رئيس المجلس البلدي لزاكورة، عبد الجليل أخريف، فأوضح أن شرط عدم بيع المشروبات الكحولية الوارد في رخصة بيع المواد الغذائية يظل غير ملزم، لأن رئيس الجماعة “ليس من اختصاصه الترخيص ببيع المشروبات الكحولية كما ليس من اختصاصه منع بيعها، فما لا يسمح لك القانون بالترخيص له لا يمكنك أن تمنعه”.

وأشار إلى أن الحصول على رخصة لبيع المشروبات الكحولية يمر من “عين الإبرة”، حيث تأخذ السلطات المحلية رأي مؤسسات مختلفة، وبناء على كل ذلك تعطي الرخصة.

وشدد على أن القانون لا يخول له سحب رخصة بيع المواد الغذائية، متسائلا: “على ماذا سأعتمد لسحبها؟ لو كان بإمكاني سحبها لسحبتها منذ اليوم الأول”، وأضاف أن الإقدام على سحب الرخصة دون سند سيجر على المجلس الجماعي تداعيات وخيمة إذا قرر صاحب المتجر متابعته قضائيا.

وتعليقا على احتجاجات السكان، قال أخريف، “من الناحية الأخلاقية والاجتماعية أنا مع السكان فهم من أوصلوني لهذا المنصب، أنا مع الناس عاطفيا وأخلاقيا لا أريد أن تباع المشروبات الكحولية في ذلك المكان”، واستدرك بأنه كمسؤول منتخب لا يسمح له القانون بسحب الرخصة من المتجر.

10 تراخيص

مصدر ملم بتفاصيل هذه القضية، فضل عدم الإفصاح عن هويته، كشف لجريدة “العمق” أن مدينة زاكورة تتوفر على 10 تراخيص لبيع المشروبات الكحولية بحوزة مؤسسات فندقية، مشددا على أنها ليست في حاجة إلى المزيد منها، بل تتعطش إلى مبادرات تنموية في ظل البطالة والفراغ اللذان خلفهما جفاف واحاتها.

متجر المشروبات الكحولية الذي نبت وسط حي سكني على الرغم من رفض السكان، ليس الأول من نوعه في المدينة، فقبل 20 سنة من اليوم حدث واقعة مشابهة بتفاصيل مغايرة، عندما افتتح متجر لبيع الخمور وسط حي سكني.

تحكي مصادر الجريدة أن هذا المتجر الذي انطلق عام 2003 استقطب الزبناء من مختلف الشرائح، بينهم عدد مهم من القاصرين، وهو ما غير حينها وجه المدينة الهادئ، وخلق ضجة في الشوارع لم يسلم من ضررها السياح ونزلاء الفنادق.

يحكي عامل بأحد فنادق المدينة عن تلك الفترة، قائلا إن المشروبات الكحولية كانت تنفد من المتجر قبيل منتصف كل ليلة، في وقت مزال زبناؤه يتعطشون إلى المزيد، وهو ما يدفع عدد منهم إلى التوجه إلى حانات الفنادق لاقتناء ما يرغبون فيه، مطلقين العنان لمنبهات سياراتهم ودراجاتهم النارية محدثين جلبة أمامها، وهو ما كان يضر بالفنادق ويزعج راحة نزلائها.

الفترة بعد سنة 2003 عرفت إفلاس ثلاث مؤسسات فندقية بالمدينة، وفي حديث لـ”العمق” أكد مصدر أن لهذا الإفلاس علاقة بمتجر المشروبات الكحولية حينها، فمن جهة فإن بعض السياح فضلوا الذهاب إلى مؤسسات إيواء خارج مركز المدينة بحثا عن الهدوء، ومن جهة أخرى فإن بعضها خفض الأسعار لمسايرة هذا المتجر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • Dghoghi nordine
    منذ 12 شهر

    يل بشر أن الدين ان تسيطر على نفسك وليس على الأخ... اما عندما يكون الاحتجاج من اجل الشغل والسكن والتعليم والصحة والبيئة والحرية والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم.. وضد البطالة والاعتقال السياسي.. وقمع الحريات وووو لا نرى من أحدا .. شغلكم الشاغل هو التوجه للمرأة لاذلال المجتمع ...