حوارات، خارج الحدود، مجتمع

“خمسة أسئلة”.. اللوزي: المغرب في حاجة لخلق مرصد خاص بالمهاجرين لتجاوز فخ العنصرية المنظمة

نال المغربي عبد العزيز اللوزي قبل أسبوع جائزة “مينينا نتوورك وومان”، منحت له داخل مقر الاتحاد الإسباني، تتويجا لمسيرته الممتدة لعقدين من الزمن في العمل الحقوقي والاجتماعي، وبشكل أدق؛ لاشتغاله مع المهاجرين بإسبانيا، ليكون بدوره من بين الكفاءات المغربية النشيطة خارج أرض الوطن، المهتمة بقضايا الهجرة، كموضوع أضحى يؤرق بال المجتمعات العالمية.

ابن الريف هذا، يرى بأن المغرب مطالب بأن يحدوا حدو الدول الغربية في قضايا الهجرة، لأنه لم يعد موطن تصدير للمهاجرين، بل موطن استقرار للعديد من الجنسيات، ويحتاج لبلورة سياسات عمومية، لتجاوز ما سقط فيه دول أوروبا الغربية مع اليمين المتطرف، منبها في هذا السياق من خطاب العنصرية الذي تروج له المنابر الإعلامية المغربية، دون أن تدري أنها تمارس ذلك.

في هذه الحلقة من فقرة “خمسة أسئلة”، تستقبل جريدة “العمق المغربي” منسق مؤسسة ابن بطوطة، عبد العزيز اللوزي، أحد الفاعلين والمهتمين بقضايا الهجرة والمهاجرين بإسبانيا، للغوص معه في نشأته ومساره الدراسي والجامعي، وصولا إلى نشاطه الحقوقي والجمعوي في قضايا الهجرة وحقوق الإنسان بدولة إسبانيا.

بداية، قربنا من شخص عبد العزيز اللوزي، من المنشأ والمسار الدراسي بالمغرب، ورحلة البحث العلمي بمدريد، وصولا إلى ما أنت عليه الآن؟

عبد العزيز اللوزي، هو ابن مدينة تارجيست، إقليم الحسيمة، بدأت دراستي في مدرسة محمد الخامس الابتدائية، ثم انتقلت بعدها إلى الإعدادية الجديدة، ثم ثانوية مولاي علي الشريف. بعد حصولي على الباكالوريا، قصدت مدينة وجدة، حيث بدأت مشواري الجامعي في شعبة الحقوق، حيث حصلت على شهادة الإجازة، في القانون العام، سنة 1993.

عدت إلى مدينة الحسيمة، واشتغلت في إطار مشاريع التعاون الدولي بجمعية التضامن الاجتماعي. وبعد تجربة في تنسيق مشاريع بالجمعية، ذهبت إلى إسبانيا من أجل استكمال دراستي الجامعية، هذه المرة كانت في مسلك الماستر، تخصص خبير جامعي في إعداد المشاريع، وقد حصلت على هذا الدبلوم، سنة 2000، ثم شرعت في الاشتغال مع مجموعة من المراكز والمؤسسات التي تعنى بقضايا الهجرة، من بينها على سبيل المثال الصليب الأحمر الإسباني، واللجان العمالية، وغيرها من المؤسسات، بما فيها البرامج المتعلقة بتسهيل عملية اندماج المهاجرين.

حصلت مؤخرا على جائزة “مينينا نتوورك وومان”.. عرفنا بهذه الجائزة وكيف تم اختيارك ضمن المتوجين؟

أولا أريد أن أشير إلى أن جائزة “مينينا نتوورك وومان”، تحمل إسم الكاتبة الإسبانية الشهيرة، “ألمودينا غرانديس”، توفيت هذه المناضلة قبل سنتين، وكانت معروفة بكتابتها ضد الديكتاتور “فرانكو”، وهي امرأة، كما يعرفها الجميع، مناصرة للمساواة والعدالة الاجتماعية.

وقد منحتني الشبكة الوطنية للمرأة، هذه الجائزة، باعتبارها شبكة تشتغل في إطار تشجيع المساواة ومناهضة العنصرية وكل ما يتعلق بالتدخل من أجل خلق مجتمع عادل ومتساو في الحقوق والواجبات.

وبخصوص اختياري ضمن المتوجين، أظن أن الأمر يتعلق بالتراكم الذي ساهمت به خصوصا في إطار ما يسمى بـ”منتدى الاندماج الاجتماعي للمهاجرين”، فأنا عضو في هذا المنتدى لأزيد من 10 سنوات. وهو منتدى يتكون من 10 هيئات تابعة للوزارات الإسبانية، و10 هيئات أخرى تابعة للمنظمات الغير الحكومية الإسبانية، وكذلك 10 أعضاء يمثلون مؤسسات المهاجرين، وتمثيليتي جاءت ضمن الإطار الأخير.

أذْكر أن آخر انتخابات الحصول على عضوية داخل المنتدى، تستلزم طرح برامج في قضايا الهجرة، يتم التصويت عليها، وقد حصلت ولله الحمد، على نسبة عالية من الأصوات، وفي المراتب الأولى، هذا أمر أجده مدعاة للفخر والاعتزاز، فأن تثق هيئات حكومية وغير حكومية إسبانية في برنامجك وطروحاتك، اعتبره شخصيا اعتراف بالخدمات التي قدمتها للمهاجرين ضمن البرامج والمشاريع المنجزة.

أشير هنا أيضا إلى أن “منتدى الاندماج الاجتماعي للمهاجرين”، يعتبر فضاء لصياغة المقترحات والتوصيات، بهدف تعزيز اندماج اللاجئين والمهاجرين في المجتمع الإسباني، وهذا هو هدفه الأساسي.

ما نوع الخدمات والأنشطة المدنية والاجتماعية والحقوقية التي تقومون بها في مؤسسة ابن بطوطة؟

تشتغل مؤسسة ابن بطوطة، هنا في مدريد، في مشاريع وأنشطة عدة تهدف إلى تسهيل عملية اندماج المهاجرين، ليس فقط المنحدرين من المغرب، بل القادمين من جميع الدول العربية والإسلامية، وجنوب الصحراء، وأمريكا اللاتينية، واشتغالنا معهم يهُمُّ تعليم اللغة، والتوجيه المهني، والتوجيه السيكولوجي، والتوجيه القانوني.

كما أننا نشتغل أيضا على مجموعة من البرامج التحسيسية لمناهضة العنصرية، نملك في هذا الإطار برنامجا متكاملا يهدف إلى القضاء على العنصرية، عن طريق مجموعة من الورشات التكوينية الموجهة للأطر المشتغلة معنا.

باعتبارك أحد الكفاءات المغربية التي راكمت تجربة في قضايا الهجرة، ألا ترى بأن المغرب في حاجة إلى الاشتغال على وضعية المهاجرين بعد انتقاله من دولة عبور إلى دولة استقرار؟

فعلا نحن في حاجة إلى هذا، حتى لا يقع المغرب في الأخطاء التي وقعت دول أوروبا الغربية عند استقبال المهاجرين، فانعدام برامج تحسيسية حينها ضد العنصرية ساهم في تفاقم العنصرية بشكل قوي. أقصد هنا بالضبط نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، إذ سجلت عمليات تتبع المهاجرين داخل منازلهم، وفي الشوارع، ووقعت اغتيالات في حقهم من طرف مجموعات محسوبة على اليمين المتطرف.

وفي إسبانيا، وحتى لا تسقط في العنصرية الممنهجة في إطار تنظيمات، انكبوا على برامج تحسيسية للمجتمع الإسباني ليتقبل الهجرة، وهذا الكلام لا يعني أن كل الإسبان متفهمين لهذا الموضوع، فمن بينهم أفراد ضد الهجرة وعنصريين في هذا الموضوع، ويعتبرون المهاجرين مختلفين على الثقافة الإسبانية بشكل عام.

المغرب حاليا كبلد تحول إلى موطن يستقبل الهجرة بعد أن كان يصدرها، والأرقام تبين هذا، أجد أنه من اللازم أن يشتغل على خلق مراكز تأوي هؤلاء المهاجرين وتشتغل معهم في كل الجوانب؛ على مستوى تعليم اللغة، والتكوين المهني، والتوجيه القانوني، وعلى المستوى السيكولوجي، على اعتبار أن للهجرة وقع قوي على الصحة العقلية، بعد صدمة القطيعة مع الأهل والثقافة والمحيط الذي كان ينتمي له، وهذا يجعله عرضة لأزمات نفسية وعقلية. هذه البرامج يجب أن ترافق المهاجرين في مراكز إيواء، وحتى لا يصبحوا عرضة للاستغلال وأي خطر قد يداهمهم.

وفي نفس الآن يجب على المغرب أن يقوم كذلك ببرامج تحسيسية للمواطنين بشكل عام، تجعل المواطن المغربي يتقبل الشخص المهاجر، ويؤمن بأن المجتمع الذي نعيش فيه، هو مجتمع قابل أن تحدث فيه هجرات جنوب جنوب، شمال جنوب، وجنوب شمال، وبالتالي، وبه يؤمن المجتمع أن الهجرة شيئ عادي جدا، وذلك لتفادي الرفض والقدح في حق المهاجرين.

أحيانا، أتصفح في مواقع إخبارية مغربية قذفا وقدحا وسبا في حق مهاجري جنوب الصحراء، وهذا خطاب عنصري، رغم أن الناس لا يظهر لهم ذلك، بالتالي على المؤسسات العمومية الاشتغال مع جمعيات المجتمع المدني من أجل برامج تحسيسية لمناهضة العنصرية وخلق مساواة مع جميع الأشخاص بغض النظر على لونهم أو موطنهم الأصلي.

في هذا السياق، أقترح أن يؤسس المغرب مرصدا يتعلق بشؤون الهجرة، يتكون من جميع الوزارات المعنية بقضايا الهجرة والمهاجرين، ومن المجتمع المدني الذي يشتغل في هذا الإطار، وجمعيات تمثل المهاجرين، سواء كانوا سوريين أو من جنوب الصحراء أو غيرهم، حتى يكون هذا المرصد مرصدا تشاركيا تناقش في السياسات العمومية فيما يتعلق بالهجرة ويصبح لديه قدرة على صياغات المقترحات ويرفع توصيات من أجل تسهيل اندماج المهاجرين.

ومن بين أدوار هذا المرصد أيضا، جمع مقترحات من هذه الهيئات النشيطة في مجال الهجرة بهدف تسهيل التعايش التام بين المهاجرين والمجتمع المستقبِل، ويقوم بإعداد تقرير سنوي للأنشطة التي يسهر عليها وعلى جميع الأعمال والمنجزات المتعلق بالهجرة خلال السنة، وأيضا عن حالة التعايش واندماج المهاجرين واللاجئين السياسيين في البلد.

هل يؤثر تدهور العلاقات الدبلوماسية بين البلدان في وضعية المهاجرين، وهل تسبب الأزمات السياسية تخوفات لدى المقيمين خارج أوطانهم؟

انطلاقا من تجربتي واشتغالي في الميدان لأكثر من 20 سنة، شعرت بأن هناك قلق عند المهاجرين المغاربة في لحظة واحدة تتعلق بتفجيرات مدريد؛ الأحداث الإرهابية التي وقعت في 11 مارس 2004، والتي كانت فيها فعلا أصابع الاتهام موجهة للمغاربة.

لكن على المستوى السياسي، لا أستطيع القول بأن هناك تأثير سياسي مباشر، بل هناك فئات من المهاجرين تعرضوا للتهميش ولم يتم إنصافهم في العمل لأن أصلهم مغربي.

ما يمكن قوله الآن، أن مؤخرا، وبحكم العلاقات الجديدة بين إسبانيا والمغرب، نلاحظ أن الإعلام الإسباني بدوره تجاوز تلك الفكرة النمطية السيئة عن المهاجر المغربي، ولم نعد نسمع بكثرة الكلام السيء عن المغاربة كما كان يحدث من قبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *