وجهة نظر

هل حسم أردوغان السباق الرئاسي قبل يوم من جولة الإعادة؟

قبل يوم واحد من جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية التركية يستمر الاستقطاب الحاد بين أردوغان مرشح تحالف الجمهور وكمال كيليشدار أوغلو مرشح تحالف الأمة المعارض، خاصة مع انتهاء عملية التصويت للأتراك بالخارج والتي بلغت أزيد من مليون 900 ألف مصوت، بزيادة عن نسبة المصوتين في الجولة الأولى بحوالي 150 ألف صوت ،ما ينذر بمشاركة كبيرة في الداخل التركي قد لا تصل إلى نسبة الجولة الأولى، لكنها تدل على إقبال كثيف للتصويت في هذه الانتخابات التي يصفها الكثير بانتخابات القرن في تركيا وأهم انتخابات في سنة 2023 على مستوى العالم، فماهي حظوظ الطرفين من خلال استقراء نتائج الانتخابات البرلمانية و الرئاسية ومن خلال خطاب كلا الطرفين بعد ظهور النتائج؟

إن القراءة الإجمالية للنتائج تدل بوضوح على الانقسام الحاد الذي تعيشه تركيا اليوم بين توجهين مختلفين حد التناقض، حيث استطاعت المعارضة للمرة الأولى منذ عشرين سنة المرور إلى الجولة الثانية في الانتخابات الرئاسية، ويعتبر ذلك انتصارا في حد ذاته إذ لم تعتبر هذه المرة الأولى التي يمر فيها أردوغان للجولة الثانية، وأن النسبة التي حصل عليها مرشحها هي الأعلى منذ تولي أردوغان الحكم، غير أن هذه النتائج لا يفهم منها في المقابل هزيمة أردوغان، فالتحديات التي واجهها أردوغان من التضخم في الأسعار وانخفاض سعر الليرة، والأزمة الاقتصادية المستمرة وملف اللاجئين السوريين، والزلزال في جنوب تركيا، وطول فترة حكمه التب تجاوزت 20 سنة، ورغبة العديد في التغيير كلها عوامل جعلت العديد من المحللين يتوقون أن المعارضة بإمكانها حسم النتائج من الجولة الأولى، بل وبنسبة كبيرة، لكن أردوغان استطاع أن يحافظ على المركز الأول في الانتخابات الرئاسية بفارق مليونين ونصف من الأصوات عن مرشح المعارضة، بل وحقق تحالفه الأغلبية في البرلمان، هذه النتائج في العديد من معطياتها ستزيد من فرص رجب طيب أردوغان بالفوز في الجولة الثانية، ويمكن إجمالها في ست مؤشرات وهي:

– أولا: حصول تحالف الجمهور بقيادة العدالة و التنمية التركي على الأغلبية في البرلمان التركي وهو ما يجعل المواطن قريب من اختيار الانسجام بين مؤسستي الرئاسة و البرلمان و التصويت لأردوغان ضمانا للاستقرار و عدم حصول
اصطدام وصراع بينهما في حالة فوز مرشح المعارضة.

– ثانيا: تصدع في أحزاب تحالف الأمة المعارض نتيجة عدم حصولهم على اغلبية البرلمان، خصوصا بعد رفعهم لشعار النظام البرلماني و إلغاء النظام الرئاسي الذي كان شعارا في حملتهم الانتخابية، حيث لم يعد بمقدورهم تحقيق هذا الوعد الانتخابي بفقدانهم للأغلبية البرلمانية.
كما ان رئيسة حزب الجيد ميرال أكشينار وعدت مناضليها أثناء الحملة الانتخابية بالحصول على رئاسة الوزراء عند العودة الى النظام البرلماني وهو ما شكل هزيمة نفسية لها ولأعضاء حزبها مع التراجع الملحوظ في عدد مقاعد حزبها البرلمانية.

– ثالثا : صعوبة اقناع الاحزاب المشكلة لتحالف الأمة ذات التوجه المحافظ لأنصارهم بالتصويت لكيليشدار أوغلو مرشح المعارضة خصصا ، حزب المستقبل بزعامة داوود اوغلو و حزب الديموقراطية و التقدم بزعامة علي بابجان وزير المالية السابق في حكومة أردوغان المنشقين عن حزب العدالة و التنمية بخلفية محافظة ينضاف اليهما حزب السعادة الذي أسسه نجم الدين اربكان برمزيته التاريخية في تكوين وتنشئة اردوغان السياسية، هذه الأحزاب الثلاثة قد تجد صعوبة بالغة في التعبئة لمرشحها للرئاسة خاصة بعدما حصلت على مقاعدها البرلمانية و ليس هناك حافز اخر يدعوهم للمشاركة بكثافة والتصويت لكيليشدار أوغلو الذي تتعارض اغلب مواقفه مع مبادئ وقناعات هذه الكتلة، خاصة بعد الهجوم العنيف لمرشح المعارضة في تحالفهم كيليشدار أوغلة على اللاجئين بخطاب وصفه 11 قياديا من حزب المستقبل بالعنصري والخطير وقدموا استقالتهم جماعيا من الحزب

– رابعا: ارتفاع في اصوات ناخبي الخارج الذي سيحافظ في أغلب التوقعات على نفس توجه التصويت لصالح أردوغان مع احتمال الزيادة، ومن المرجح ان النسبة التي يمكن أن تتخلف عن التصويت هي التي صوتت لمرشح المعارضة نتيجة فقدان الامل في الفوز وضعف فرص مرشحهم، لن يشجع انصاره على تكبد عناء السفر مرة اخرة، وهو ما يصب في صالح اردوغان،

-خامسا : الهجوم العنصري الذي شنه بعض اعضاء حزب الشعب الجمهوري المعارض على المتضررين في مناطق الزلزال واتهامهم بأبشع النعوت و وصفهم بالخيانة و الغدر لمجرد تصويتهم لأردوغان في الجولة الأولى، بل تعدى الامر ذلك الى لجوء رؤساء البلديات المنتمين لحزب مرشح المعارضة إلى إخراج النازحين من الفنادق ومطالبتهم بالعودة، وهو ما سيجعل من الصعب على مرشح المعارضة كسب أصوات هذه الفئة او إقناع فئة اخرى من قاطني مناطق الزلزال بالتصويت له، على العكس من ذلك كثف تحالف الجمهور و من مهرجاناتهم الخطابية بقيادة أردوغان و فاتح اربكان زعيم حزب الرفاه من جديد (نجل نجم الدين اربكان) و دولة بهشلي زعيم حركة القومية، خاصة في منطقتي كهرمان معرش هاطاي و غازي عنتاب و اديمان. حيث افتتح أردوغان مستشفى بمدينة هاطاي شيد في ظرف 3 أشهر فقط.

– سادسا: تشت أصوات المرشح الثالث سنان أوغان الذي حصل على 5% لثلاث فئات :

• قسم منهم سيصوت لصالح أردوغان خاصة بعد دعوة سنان أوغان إلى دعم أردوغان في جولة الإعادة
• قسم منهم سيصوت على مرشح المعارضة بعد دعوة أوميت أوزداغ زعيم حزب الظفر لدعم كيليشدار أوغلو
• قسم منهم سيمتنع عن التصويت
هذه الأصوات كان يراهن عليها مرشح المعارضة بشكل كبير لتجاوز فارق 2,5 مليون صوت عن أردوغان لكن هذا تشتت أصوات هذه الكتلة سيصب في صالح أردوغان الذي لا يحتاج سوى إلى 250 ألف صوت فقط

كل هذه المؤشرات هي مجرد قراءة لا يمكن الجزم بها أمام سلوك الناخب التركي بشكل خاص، الذي تمرس على السلوك الديموقراطي لعقود، وألف أجواء الحشد والحشد المضاد، والحملات الانتخابية، وأًصبح يختار ناخبيه بناء على قناعات متعددة لا تؤثر فيها الآلة الإعلامية سواء الداخلية أو الخارجية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • FATIMA ZAHRA FALKO
    منذ 11 شهر

    تحليييل مممتاااااااز ملم بجوانب الموضوع .. متميز جدا ... قراءة متعمقة للموضوع التركي.. صاحبها على المام تام بتفاصيل الحياة السياسية في هذا البلد بركت يا صاحب المقال وسلم قلمك