مجتمع

غابات دمنات.. رئة المدينة التي تئن تحت جشع “مافيا الخشب” وإهمال المسؤولين

لا يمكن لأي زائر لمدينة دمنات الواقعة بتراب إقليم أزيلال أن يتجاهل ذلك الجمال الذي تضفيه عليها غابات كثيفة تحيط بها من كل جانب، والتي يعتبرها الكثيرون سر جمال مدينة صغيرة تعاني التهميش في شتى المجالات.

هذا الكنز الطبيعي الذي من المفترض أن تسخر السلطات المعنية كل مواردها للحفاظ عليه، يعاني في السنوات الأخيرة من جشع مافيات لا هم لها إلا الربح السريع ولو على حساب رئة المدينة.

تجاوزات خطيرة تقوم بها ما يعرف محليا بـ”مافيا الخشب”، والتي رصدتها جريدة “العمق” خلال الإعداد لهذا الربورتاج، تهدد الغابات بالزوال في ظل ما يصفه البعض بالتواطؤ وعدم تطبيق القوانين التي تنص على ضرورة الحفاظ على الثروة الغابوية.

أغري، اواريضن، كرول، أيت تمليل، ألمسا، تفني أسماء لمناطق تتواجد بها الغابات التي وقفت جريدة “العمق” على واقعها المؤلم، إذ سجلت اجثات أشجار عمرت سنوات طويلة، وخاصة أشجار “صنوبر حلب” الذي دمرت أيادي الإجرام عددا كبيرا منها لقيمتها المالية المرتفعة مقارنة مع باقي الأنواع، وفق تعبير متخصص رفض التصريح بهويته.

وقال مصدر جريدة “العمق”، الذي رافقنا خلال الإعداد لهذا الربورتاج، إن تدمير الغابة يتم بتواطؤ جهات رفض أن يسميها،  لأنها لا تفرض تطبيق القانون المؤطر لعملية قطع الأشجار حتى ولو كانت في ملكية الشخص الذي يريد قطعها، فكيف بأشجار الغابات، يضيف المصدر ذاته.

وينص الفصل 597من القانون الجنائي أنه من أتلف مزروعات قائمة على سوقها أو نباتات نمت طبيعيا أو بغرس الإنسان، يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من 200 إلى 250 درهما عن كل شجرة، بشرط ألا يتجاوز مجموع عقوبات الحبس خمس سنوات.

ويقول متتبعون إن قوانين الدولة الصارمة لحماية المجال البيئي تأتي في سياق التراجع المخيف للمساحات الخضراء نتيجة ارتفاع نسبة النمو الديمغرافي واتساع نطاق المدن والضغط الرعوي والاجتثاث العشوائي لمختلف أصناف النباتات والقطع المفرط للأشجار، واندلاع الحرائق وانتشار الأمراض والطفيليات واستمرار الجفاف.

وقال المصدر ذاته إن المافيات بعد حصولها على ترخيص لقطع الأشجار لا تلتزم بالعدد المرخص، إذ يستغل تواجده بالمكان لقطع أكثر من ذلك بكثير، فضلا عن عدم التزام عناصرها بغرس أشجار لتعويض المقطوعة.

ما سبق يؤكده كلام رئيس جماعة تفني، في تصريح لجريدة “العمق”، الذي قال إنه لم يعد من الممكن أن يدخل المقاول إلى الغابة، بل أصبحت الإدارة هي التي تعمل على قطعها وبعد ذلك تقوم ببيع الخشب في سمسرة عمومية، مضيفا أن هذا الإجراء قابله المقاولون بالرفض لأنهم يريدون أن يدخلوا الغابات ويقومون بقطع الأشجار لا شراء الخشب، وفق تعبيره.

وقد وقفت جريدة “العمق”، أكثر من مرة، على حجم الجرائم البيئية بغابات، التي يقف وراءها أبناء المنطقة وأشخاص يقدمون إليها من خارج الإقليم، الذين يهدفون إلى الاغتناء بطرق غير مشروعة من خلال استهداف أشجار “صنوبر حلب” الذي تشتهر به المنطقة.

عبداللطيف بوغالم احد المهتمين بالشأن العام بمدينة دمنات، قال في تصريح لجريدة “العمق”، إن غابة أغري الواقعة على ارتفاع 1200 متر من” بين أهم الغابات المحيطة بمدينة دمنات بل وأقربها إلى مركز المدينة، والتي يلجأ إليها العديد من الزوار وحتى السكان المحليين الذين لا يتوانون في زيارة هذا الموروث الطبيعي والبيئي كل ما ارتفعت درجات الحرارة بالمدينة.

وقال إنه بالإضافة إلى الدور الايكولوجي الذي تلعبه هذه الغابة التي تعتبر مأوى لأنواع بيولوجية ووحيش بري متنوع وغطاء نباتي يناسب المناخ الذي تتميز به المنطقة بشكل عام،  فإنها تغري الجميع بشجر الصنوبر الحلبي بجماليته وبشموخه على طول الطريق المؤدية إلى موقع إيمي نيفري الطبيعي مشكلا ممرا طبيعيا يلفت انتباه الزائرين.

وقال متأسفا: “إن كل هذه المؤهلات الطبيعية التي ذكرت لم تشفع لجبل أغري عند الجهات المسؤولة، إذ تعيش الغابة وضعا مأساويا وسط تجاهل الجميع وجشع البعض للاغتناء غير المشروع عن طريق الاعتداءات المتكررة على مئات الأشجار بداعي موتها أو مرضها دون محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه”.

وسجل مواطنون في تصريحات لجريدة “العمق”  ضعف تدخل الجمعيات المهتمة بالبيئة بالرغم من تنصيص قوانينها الأساسية على الاهتمام بموضوع البيئة، وهي التي تستفيد من دعم الدولة لهذا الغرض، أم أن مافيا الخشب يصعب فضحها من هذه الجمعيات، وفق تعابيرهم.

جريدة “العمق” وفي محاولة للكشف عن مجهودات الجهات المسؤولة في هذا الموضوع، ربطت الاتصال في السابع والعشرين من أبريل الماضي بالمدير الجهوي للمياه والغابات ببني ملال الذي طالب الجريدة بالأسئلة قصد الإجابة عنها، ومنذ ذلك الوقت وبعد توصله بالأسئلة لم تتوصل الجريدة بأي توضيحات في هذا الشأن.

وقد طالبنا المسؤول عن غابات جهة بني ملال خنيفرة للكشف عن سبب قطع الأشجار بتلك الطريقة دون تعويضها، فضلا عن سبب اللجوء للقطع في حالة ثبوت إصابة هذه الأشجار بمرض من الأمراض عوض علاجها في الوقت المناسب.

ودعت الجريدة في طلبها للكشف عن المسؤول أو المسؤولين عن النزيف الذي تعاني منه الغابات المجاورة لمدينة دمنات، وعن الإجراءات التي ستتخذها الإدارة لإعادة الحياة لعدد من هذه الغابات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *