حوارات، سياسة

تشغيل الأطفال بالمغرب.. حموني: الحكومة تتحمل المسؤولية ويجب على الجمعيات الترافع

كشفت أرقام المندوبية السامية للتخطيط أن 127 ألف طفل بالمغرب تتراوح أعمارهم ما بين 7 وأقل من 17 سنة يشتغلون، في حين يبلغ عدد الأطفال الذين يزاولون أشغال خطيرة 77 ألف طفل بنسبة 60.5 بالمائة.

وأعادت هذه الأرقام الحديثة، ظاهرة تشغيل الأطفال بالمغرب إلى واجهة النقاش العمومي، لمناقشة أسبابها وتحديد المسؤوليات المتداخلة فيها، إضافة إلى الأدوار التي تعلبها المؤسسات صانعة القرار في الموضوع، على رأسها كل من البرلمان والحكومة إضافة إلى دور المجتمع المدني في الحد من هذه الظاهرة التي تهدد مستقبل الأطفال وتحرمهم من حقهم في اللعب والتمدرس.

وفي هذا الموضوع، أبرز رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، أن البرلماني لا يتحمل مسؤولية ظاهرة تشغيل الأطفال، لأنه بحسبه، هناك تشريعات ونصوص متفرقة انطلاقا من دستور المملكة، وقوانين تحيل دون استغلال الأطفال أقل من 18 في الشغل أو القيام بأعمال خطيرة.

وذكر على سبيل المثال، إضافة إلى نص الدستور، النصوص الواردة في مدونة الأسرة لحماية الأطفال، والاتفاقيات التي صادق عليها البرلمان، ثم القانون رقم 19.12 المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل للعاملات والعمال المنزليين، الذي نص على حماية حقوق الأطفال والطفلات.

وأردف حموني، أن مسؤولية الحكومة تتجلى في مراقبة تطبيق القانون القوانين المتعلقة بحماية الأطفال، إضافة إلى مسؤوليتها في محاربة الفقر والهشاشة، وإقرار العدالة المجالية والاجتماعية لجميع الفئات، مشددا على المجتمع المدني لعب أدواره الكبيرة التي خولها لها دستور 2011، والترافع ضد تشغيل  الأطفال.

وفيما يلي نص الحوار.

ما الذي قدمه البرلمان المغربي للتراجع عن ظاهرة تشغيل الأطفال؟

الأرقام التي أعلنتها المندوبية السامية للتخطيط، بخصوص آفة تشغيل الأطفال، وفي أعمال خطيرة، هي أرقام فظيعة ومُقلقة، لكنها تؤكد واقعا نعيشه ونراه يوميا، وللأسف أكاد أقول إننا “نتعايش” معه. حيث أصبح من “العادي” أن نُصادف طفلات وأطفال ويافعين يشتغلون في المقاهي والمطاعم والحقول والمزارع والمعامل والبيوت والمحلات التجارية، دون أن ينتفض المجتمع في رفض عارم لهذه الظاهرة.

لا أعتقد بتاتا أن الأمر له علاقة كبيرة ومباشرة بالتشريع، ذلك أنه أولا هناك دستور المملكة، والذي ينص ضمن الفصل 32 على أنه “تسعى الدولة لتوفير الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية”.

كما أن بلادنا منخرطة في المواثيق الدولية والإقليمية ذات الصلة، وفي مختلف اتفاقيات العمل الدولية التي تعنى بحقوق الأطفال، لاسيما الاتفاقية الأممية لحقوق الطفل، واتفاقيات العمل الدولية حول سن ولوج العمل، وحول أشكال عمل الأطفال، وحول العمل اللائق للعاملات والعمال المنزليين.

وعلى مستوى التشريع الوطني، تتضمن مدونة الشغل مقتضيات حمائية خاصة بحقوق الطفل، من خلال المنع المطلق لتشغيل الأطفال دون سن 15 سنة، وعلى منع تشغيل من هم دون 18 سنة في الأشغال التي قد تعيق نموهم وتفوق طاقتهم أو تشكل مخاطر عليهم أو تخل بأخلاقهم.

كما اعتمدت بلادنا منذ 2016 القانون رقم 19.12 بتحديد شروط الشغل والتشغيل للعاملات والعمال المنزليين، كخطوة أساسية تشريعيا من حيث حماية حقوق الأطفال والطفلات، حيث حدد الحد الأدنى لسن التشغيل في المنازل في 18 سنة.

أين تتجلى مسؤولية الحكومة فيما يخص هذه الظاهرة؟

مسؤولية الحكومة، الحكومة الحالية وأية حكومة سابقة أو لاحقة، ثابتة في هذه الظاهرة، حيث إن الحكومة مسؤولة عن مراقبة تطبيق القانون، وعن مراقبة تطبيق مدونة الشغل، تحديدا. أين هم مفتشو الشغل، وأين هي اللجان الإقليمية للمراقبة؟

لكن، هناك مسؤولية أخرى للحكومة، وتتعلق بالسياسات العمومية في مجال التنمية القروية، حيث إن للظاهرة بعد مجالي وتنتشر في القرى أكثر بكثير مما هو عليه الأمر في الحواضر. وأيضا بالسياسات العمومية في مجال التعليم، إذ يعتبر الهدر المدرسي أكبر عامل لتوجه الأطفال نحو الشغل بدل الدراسة.

وأهم مسؤولية للحكومة، بهذا الشأن، هي محاربة الفقر والهشاشة، وإقرار العدالة المجالية والاجتماعية. لأن غياب ذلك يؤدي، لا محالة، إلى مآسي اجتماعية وإنسانية، منها تشغيل الأطفال، بل وحتى استغلالهم والاتجار بهم أحيانا.

هل ترون أن المجتمع المدني مسؤول من جهته، وكيف تقترحون مساهمته في الحد من الظاهرة؟

المجتمع المدني ليس مسؤولا طبعا عن بروز الظاهرة، ولكنه مسؤول عن مواجهتها وجعلها قضية محورية في نضالاته وترافعه.

هناك جمعيات جادة تشتغل على الموضوع، إما اجتماعيا أو تحسيسيا أو ترافعيا أو من حيث احتضان ورعاية وتنشئة هؤلاء الأطفال.

لكن منتظر من جمعيات المجتمع المدني، بالنظر إلى أدوارها الكبيرة والهامة التي خولها لها دستور 2011، أن تقوم بترافع أقوى من أجل المسألة.

هل هناك حلول أخرى قد تحيل دون تشغيل الأطفال ووضعهم بمكانهم الطبيعي الذي هو المدرسة؟

عندما يشتغل طفل ولا يذهب إلى المدرسة، فإننا، حتما، نكون أمام احتمالات قد يتحقق واحد منها أو بعضها أو كلها: إما أن الأسرة فقيرة وفي نفس الوقت لا تتوفر على الوعي الكافي الذي يؤهلها للتضحية من أجل الحفاظ على ابنها أو ابنتها في المدرسة، وهنا نكون أمام احتمال تظافر الفقر وضعف الوعي في المجتمع.

الاحتمال الثاني، أن تكون الأسرة مستعدة لتدريس ابنها أو ابنتها، لكن الظروف التنموية بالمنطقة تكون غير مساعدة، كغياب المدارس أو مرافقها الصحية، أو بُعد المؤسسة التعليمية، أو غياب وسائل النقل المدرسي.

أعتقد أنه من أجل حماية الأطفال والطفلات من التشغيل، يتعين إعمال المراقبة الصارمة، وزجر الظاهرة، ولما لا تشديد العقوبات إلى أقصى حد ممكن.

فحرمان طفل من الدراسة، وجعله عاملا منذ الصغر، هو اغتصاب لطفولته، ومس خطير بحقوقه الإنسانية، وضرب صارخ لتكافؤ الفرص.

علما أن الطفولة في بلادنا أحيانا تكون ضحية أيضا لعدد من الآفات الأخرى، كالإدمان، والاغتصاب، وسوء المعاملة، والتزويج القسري للطفلات.

وهو ما يقتضي أن نقول، بالصوت والفِعل، وبشكل جماعي وقوي: “كفى”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *