وجهة نظر

هكذا يمعن القصر في تقويض خصومه السياسيين

في مقال لجريدة “لوموند” الفرنسية ابتعدت لغته عن خطاب الديماغوجية السياسية التي ابتليت بها جل المنابر الإعلامية المغربية خصوصا الرسمية منها والحزبية، شرّح الوضع السياسي المغربي على ضوء انتخابات 7 أكتوبر 2016 كون القصر يهيمن بشكل واضح على اللعبة السياسية بسلوكه منهج المرونة في الشكل مع الإمعان في حفر محل الوطء على مستوى المضمون، بحيث إنه يبدي تأقلما مع سيادة القوانين المنظمة والمبادئ الديمقراطية، لكن مع الحفاظ أيضا على كل مقاليد السلطة في يد من حديد بشكل يضمن له استمرارية الميراث السياسي المخزني، الذي كان في وقت من الأوقات يراهن على المد اليساري في مجابهة الإسلاميين، والآن يستعمل إسلاميي حكومته في ضرب باقي المكونات السياسية المناكفة للنظام القائم.

من هنا ولمعرفة الاستراتيجية السياسية المخزنية التي تتجسد في منظومة الغايات والأهداف التكتيكية ووسائل تنفيذها والتي من شأنها أن توضح لنا الخيار السياسي الرسمي في ضوء السياق السياسي ما بعد مرحلة الاستقلال إلى اللحظة الراهنة. يمكن أن نخلص إلى أن أهداف الخط السياسي الرسمي تقوم على أساس التجميع العملي لكل السلطات (التنفيذية، التشريعية، القضائية، الدينية) في قبضة الفاعل السياسي الأول، وهذا في جوهر الأمر تكريس لنظام الحكم الفردي، غير أن هذه الأهداف لن يكون لها بريق إلا بتفكيك المؤسسات الشعبية المدنية وامتصاص روح ممانعتها. لهذا اعتمد القصر على آلية الاحتواء سواء لمؤسسات أو أفراد، بمعنى آخر إقناع هذه الهيئات على تبني العقيدة السياسية الرسمية أو الوقوف بشكل أو بآخر أمام المد النضالي الميداني.

وإذا رجعنا إلى التاريخ السياسي المغربي سنجد أن هذه العملية دُشنت بعد الاستقلال باحتواء المقاومة وجيش التحرير وجهاز الأمن الوطني ثم احتواء الاتحاد المغربي للشغل وإقناعه بفصل العمل النقابي عن العمل السياسي حيث رفع المحجوب بن الصديق منذ 1963 شعار نعم للخبز لا للسياسة، كما تم الإجهاز على الروح النضالية لحزب الاستقلال في الانتخابات النيابية 1976، ونفس الآلية اعتمدها النظام لشل روح مقاومة الاتحاد الاشتراكي وذلك بزجه في الحكومة سنة 1998 وتوريط مناضليه بتحمل مسؤولية رئاسة المجالس البلدية والقروية، الشيء ذاته ينتهجه النظام لشل حركة حزب العدالة والتنمية بتوريطه في تمرير ملفات تستهدف بشكل مباشر جيوب البؤساء من الشعب في أفق التشكيك في خطابه المبني فعلا وقولا على اصطفافه إلى جانب الشعب.

هكذا يمكننا القول؛ إن الحفاظ على ثوابت العمل السياسي السليم وكيفية تنزيله في واقع الناس، هو التحدي الأكبر الذي قد يواجه الفضلاء السياسيين في مشهد سياسي محدود، وتتجلى محدوديته في تسييجه وتفريغه من جوهر العمل السياسي المسؤول. ولعل الدرس الاستقلالي والاتحادي والدرس الجاري الآن مع حزب العدالة والتنمية خير مثال على نجاعة سياسة التدجين الذي انتهجها العقل السياسي الرسمي لتقويض خصومه السياسيين.