اقتصاد

التأمين سبيل حماية المواطن ودعامة التنمية الاقتصادية

يحدث أن يتعرض كل منا لحادثة سير أو سرقة أو حادث حريق أو مرض أو عجز أو وفاة، وغيرها من الحوادث التي قد تترتب عنها تداعيات مالية متفاوتة في أحيان كثيرة لا يمكن مواجهتها، سيما أنها قد تحدث بشكل غير متوقع.

وسواء تعلق الأمر بأفراد الأسرة الواحدة، أو بالعاملين في إحدى الوحدات الاقتصادية أو حتى مالكيها، الجميع معرض إلى وقائع تنجم عنها أضرار بدنية أو مادية نفقاتها تثقل كاهل أصحابها وذويهم وقد يجدون أنفسهم عاجزين عن تحملها وتعصف بميزانيتهم مخلفة بذلك آثارا تعيق عجلة التنمية وتهدد التماسك الاجتماعي.

من هذا المنطلق، وكخطوة احترازية، يبدو التأمين ركيزة عملية ودعامة أساسية توفر السند لمساعدة الفرد والأسرة على حد سواء والمنظومة الاقتصادية بصيغة أشمل على تحمل جزء من هذه التكاليف التي تتداخل العديد من المعطيات والشروط لتحديد قيمتها.

التأمين.. ميكانيزمات اشتغاله لتحقيق حماية أفضل

التأمين هو في الأصل نظام أحدث بغرض توفير الحماية للأفراد أو الجمعيات أو الشركات من العواقب المالية والاقتصادية المرتبطة بوقوع خطر معين. وهكذا يقوم نظام التأمين على عنصرين مهمين يتمثلان في “الخطر” و”مبدأ تقاسم المخاطر”.  فالخطر هو احتمال وقوع حدث غالبا ما يكون غير مرغوب فيه، والذي لا يمكن توقعه. أما في ما يخص تقاسم المخاطر، فيعتمد التأمين على مفهوم التضامن، أو تبادل المخاطر بين مجموعة من الأفراد يقومون بتجميع مواردهم المالية لكي يتمكنوا من تعويض أشخاص من بينهم سيعانون من أضرار مادية أو جسدية، إذا تحقق الخطر.

وبالتالي، فالتأمين هو عملية يلتزم فيها المؤمن (مقاولة التأمين (، ضمن الإطار التنظيمي للعقد، بتعويض المؤمن له في حالة وقوع الخطر المحدد مسبقا في العقد مقابل دفع مبلغ مالي يسمى “قسط التأمين”.

من أجل توفير هذه الحماية، وجب التذكير بمجموعة من الخطوات لابد من المرور عبرها، منها أن يقوم المؤمن له باكتتاب عقد تأمين يغطي عواقب خطر معرف بدقة (حادثة سيارة، سرقة، مرض، وفاة… (. حسب الشروط المحددة في العقد، ثم أن يؤدي المكتتب قسط التأمين للمؤمن الذي يلتزم في المقابل، في إطار عقد التأمين، بإصلاح الضرر أو بدفع التعويض المادي.

ولتحقيق هذه الغايات، ينطوي التأمين على أربعة مبادئ، أولها مبدأ الخطر الذي هو حدث خارج عن إرادة المؤمن له، يتميز بخصائص ثلاث، أولها أنه حدث لم يتحقق بعد حيث لا يمكن تأمين حادث وقع قبل اكتتاب عقد التأمين، ثم كونه حدثا غير مؤكد إذ لا يمكن أن التأمين على خطر معين سيتحقق في تاريخ معروف، وأخيرا أنه حدث غير متعمد بحيث لا يمكن أن يؤمن الضرر الذي يسببه المؤمن له أو يتسبب فيه عن قصد.

ثاني مبادئ التأمين يهم القسط أي المبلغ الذي يدفعه المؤمن له في عقد التأمين مقابل الضمانات الممنوحة من طرف مقاولة التأمين وإعادة التأمين. فيما يتعلق المبدأ الثالث بالتعويض، الذي يعني التزام مقاولة التأمين وإعادة التأمين في حالة وقوع حادث للمؤمن له بتعويضه عن الضرر الذي تعرض له، إما عملا بمبدأ التعويض الذي يشمله التأمين على الأضرار حيث لا يمكن أن يتجاوز التعويض المستحق على المؤمن له قيمة الشيء المؤمن عليه وقت الخسارة،  فالتأمين لا يمكن أن يصبح مصدر ثراء لمكتتب عقد التأمين، أو عملا  بمبدأ التعويض الجزافي الذي يطبق بشكل رئيسي في عقود التأمين على الأشخاص ويسمح بتحديد مبلغ الاستحقاق دون الرجوع إلى مقدار الضرر الفعلي، مثل التأمين على الحياة أو التأمين على الوفاة.

وللإشارة، تسمح بعض العقود بالجمع بين المبدأين، مثلا في حالة التأمين ضد الحوادث البدنية الذي يشمل التكاليف الطبية والصيدلانية بالإضافة إلى رأس مال محدد مسبقا.

ويتمثل المبدأ الرابع للتأمين في “الحدث”، ويقصد به تحقق الخطر المدرج في عقد التأمين. وهنا وجب التنبيه إلى أن المؤمن له ملزم، داخل الأجل المحدد في العقد، الاتصال مباشرة بمقاولة التأمين الخاصة به لكي تتمكن هذه الأخيرة بتعويضه وفق الشروط المنصوص عليها في العقد.

التأمين.. تنمية اقتصادية وتماسك اجتماعي

بالإضافة إلى الأهمية القصوى التي يكتسيها التأمين في توفير الحماية للأفراد والمجتمع برمته، باعتباره منظومة متكاملة ضرورية تهم الحياة الخاصة والعامة، يلعب التأمين دورا أساسيا في التنمية الاقتصادية والتماسك الاجتماعي.

تنمية اقتصادية

لا اختلاف على أن التأمين من أحد ركائز التنمية الاقتصادية، على اعتبار أنه يسهل التجارة ويحشد المدخرات، كما أنه يوفر الأمان للمواطنين ويشجع الشركات على المخاطرة والاستثمار.

ويلعب التأمين كذلك دوارا أساسيا في تمويل الاقتصاد، إذ بالإضافة إلى جمع الأقساط من المؤمن لهم ودفعها على شكل تعويضات في حالة وقوع الخطر المدرج في العقد، توظف مقاولات التأمين وإعادة التأمين هذه الأموال في استثمارات على شكل توظيفات عقارية، أو سندات، أو سندات الخزينة، أو أسهم أو غيرها من الاستثمارات، مع الالتزام بالقواعد الاحترازية الهادفة إلى ضمان الربح والسيولة. وهكذا يساعد التأمين على زيادة نجاعة القطاع المالي.

علاوة على ذلك، يساهم التأمين في جمع المدخرات، فإلى جانب صناديق التقاعد، تعد شركات التأمين أداة فعالة لجمع المدخرات الوطنية، سيما من خلال منتجات التأمين على الحياة والرسملة.  وفضلا عن كل ذلك، يعزز التأمين الابتكار من خلال حماية المبتكرين من الصدمات الخارجية والحفاظ على الثروات، فهو بالتالي يسهل ريادة الأعمال من خلال توفير بيئة آمنة بفضل التغطية التأمينية لمختلف المهنيين.

تماسك اجتماعي

يعد التأمين عاملا أساسيا في التماسك الاجتماعي وحماية الضحايا. وتلعب تأمينات المسؤولية المدنية على وجه الخصوص، دورا اجتماعيا يهدف إلى تعويض الضحايا الذين تسبب لهم الغير في الضرر.

ومن خلال التعويض عن الأضرار، يتيح التأمين إصلاح الأضرار التي لحقت بالمؤمن لهم أو الضحايا، من خلال التعويضات المدفوعة جراء الحوادث.

وعلاوة على كونه شكلا من أشكال التضامن بين المؤمن لهم، وبشكل عام بين الوكلاء الاقتصاديين، من خلال إعادة توزيع الأقساط المحصلة على شكل تعويض للضحايا، يشكل التأمين سندا فعليا للحماية الاجتماعية والاستقرار، باعتباره عامل استقرار اقتصادي للأشخاص الذين يواجهون حدثًا غير متوقع يعرض وضعهم المالي للخطر، وبالتالي يساهم في تبسيط نفقاتهم أو ضمان دخلهم بعد إدراك المخاطر أو حتى إصلاح أصولهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *