سياسة

تقرير برلماني يعري واقع الإدارة المغربية.. توظيفات بدوافع سياسية وغياب لروح المسؤولية

سجل تقرير برلماني حديث، جملة من الاختلالات والأعطاب البنيوية في الإدارة العمومية، والتي لم تستطع كافة الإجراءات المتعددة والإصلاحات المتعاقبة والتدخلات التي تم اعتمادها التغلب عليها، منها عدم اعتماد معايير الكفاءة في التوظيفات والتعيينات، مقابل تحكم الدوافع السياسية.

وكشفت مجموعة العمل الموضوعاتية المكلفة بتقييم خطة الوطنية لإصلاح الإدارة 2018-2021، ضمن تقريرها، أن من بين الأعطاب التي عانت منها الإدارة قبل اعتماد خطة الإصلاح، هي المركزية المفرطة، وغياب التوازن بين اختصاصات السلطات المركزية والمصالح اللاممركزة، حيث أن معظم الاختصاصات تم الإبقاء عليها في المركز دون إعطاء المصالح الخراجية صلاحيات واختصاصات ذات قيمة تقريرية.

ويحتم هذا الوضع، بحسب التقرير الذي تتوفر عليه “العمق”، تنقل المواطنين إلى المركز لقاء أغراضهم الإدارية، مشيرا إلى إشكال تركيز الموارد البشرية في المصالح المركزية، مقابل معاناة المصالح الخارجية من قلة الموظفين والموارد المالية، مما حد من تأثيرها وتدخلها.

عرقلة الاستثمار

أفاد التقرير ذاته، أن العديد من الخطب الملكية شكلت فرصة للتذكير بارتباط الإدارة بالاستثمار وأبرز الاختلالات التي جعلت من ضعف الأولى عائقا أمام الثانية ثم البدائل والآليات التي قد تساهم في تجاوز الوضعية الراهنة، مبرزا أنه بالرغم من مضي العديد من السنوات على التوجيهات الملكية إلا أن الملك كرر في خطابه سنة 2016 خلال افتتاح البرلمان تأكيده على عرقلة الإدارة للاستثمار.

وبحسب المصدر ذاته، فقد تعددت الأعطاب التي واجهها موضوع الاستثمار بعلاقته مع الإدارة، لاسيما المتعلقة منها بالتأخر في معالجة ملفات مشاريع الاستثمار، وغياب التفاعل مع الاستفسارات والشكايات والمشاكل التي تعترض المستثمرين، فضلا عن تعقد المساطر الإدارية التي شكلت عائقا حقيقيا للاستثمار.

غياب المسؤولية

تقرير مجموعة العمل، أشار إلى أن نظام الوظيفة العمومية عانى من عدة نقائص تزداد حجما وكلفة مع مرور الزمن، حيث اتسم هذا النظام بالضعف في الاعتماد على مبادئ الكفاءة والاستحقاق وتكافؤ الفرص في الولوج إلى الوظيفة العمومية.

فضلا عن قصورها في الجانب المتعلق بمنظومة تنقيط الموظف حيث إن عدًدا كبيًرا منهم يعتبر الوظيفة العمومية وسيلة تضمن لهم أجرا قارا دون الاخذ بعين الاعتبار مردوديتهم وإنتاجيتهم، على أساس غياب روح المسؤولية لدى الموظفين مما يؤثر سلبا على أداء الإدارة العمومية ويضعف العلاقة بين الإدارة والمواطن.

مهام مختلفة ونفس الأجور

وأشار التقرير البرلماني إلى غياب رؤية مستقبلية واضحة أثناء مفاوضات ولقاءات الحوار الاجتماعي والتأخر في تطبيق التوظيف عبر التعاقد أو عبر المشاريع والأنشطة للرفع من جودة الخدمات المقدمة وتعزيز مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، مع وجود قصور في محاربة ظاهرة التغيب عن العمل.

وشدد على أن كل ذلك أثر بشكل جد سلبي على الأداء العام للإدارة العمومية وينقص من مردوديتها، فضلا عن غياب العدالة الأجرية عبر تبني منظومة أجور متجاوزة وغير عادلة، إذ يتواجد العديد من الموظفين الذين يؤدون نفس المهام بأجور متفاوتة تجسد الفوارق بينهم.

ضعف روح المبادرة

ولفت التقرير إلى أن لجنة النموذج التنموي أكدت على إشكالية مهمة تمثلت في ضعف روح المبادرة لدى الموظفين والمسؤولين في علاقتها بمنظومة تدبير الموارد البشرية القائمة على الامتثال بدل حسن الأداء في العمل مما يولد نوعا من الإحباط.

غير أن الحديث عن الوظيفة العمومية باعتبارها حجر الزاوية في أي إصلاح إداري، يضيف التقرير البرلماني “لا ينبغي أن نختزل فيه الإدارة العمومية بل أيضا أساليب التدبير وتجديدها، وتوظيف الموارد البشرية والرفع من نجاعتها إضافة إلى بعض المحددات الأخرى كالترقية والتنقيط والتقييم”.

توظيفات بدوافع سياسية

أوضح التقرير أن المنظومة الإدارية تتسم بتضخم هذا الجهاز من خلال كثرة القطاعات الوزارية ومصالحها الخارجية بل وحتى المؤسسات العمومية، كما أن الموارد البشرية تعرف بدورها ارتفاعا كبيرا وغير موظفة بشكل يتلاءم مع تكويناتهم أو تجربتهم.

مما يجعلهم في غالب الأحيان، بحسب المصدر ذاته، عبئا على الإدارة بدلا من أن يكونوا آلية من آليات التدبير، وذلك بسبب اعتماد التعيينات على دوافع غير مهنية، ولاسيما الدوافع السياسية والتي تقصي معيار الكفاءة والأهلية المهنية.

وسجل تقرير مجموعة العمل الموضوعاتية، أن هذا الأمر سبق وأن أشار إليه الملك محمد السادس في إحدى خطبه، عندما قال: “.. كما أنها تعاني من التضخم ومن قلة الكفاءة، وغياب روح المسؤولية لدى العديد من المسؤولين”.

وأشارت إلى أن تضخم الجهاز الإداري يلاحظ في غالب الأمر على مستوى الإدارات المركزية نظرا لأنها تتضمن مناصب مسؤولية ذات تعويضات عالية، موضحة أن هذا التضخم على مستوى الموظفين يؤدي إلى آثار غير محمودة على مستوى الإنتاج الإداري.

إدارة تستهلك الثروة

وقدمت مجموعة العمل الموضوعاتية المكلفة بتقييم خطة الوطنية لإصلاح الإدارة 2018-2021، مثالا على ذلك بتكدس الموظفين في الإدارات والمكاتب من أجل مهمة واحدة ينتج سلوكات سلبية مثل تداخل الاختصاصات وعدم وضوحها والاتكالية بين الموظفين.

في نفس السياق، اعتبرت اللجنة البرلمانية أن تضخم الجهاز الإداري يقلب الدور المنوط بالإدارة، إذ من المفترض أن تكون الإدارة العمومية مساهمة في إنتاج الثروة، غير أن كثرة الموظفين الفائضين عن الحاجة تعني ارتفاع النفقات، وبالتالي يصبح الجهاز الإداري مستهلكا للثروة بدل إنتاجها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • رضى روان
    منذ 10 أشهر

    هذا هو حال أغلب الأحزاب السياسية التي تمسك زمام الحكومة.تقضي مصالح الموالين لها وتنصيبهم في مناصب بدون كفاءة ويعيثون فساداً في البلاد والعباد بدون حسيب ولا رقيب.