مجتمع

دراسة: الإصلاحات الزراعية كرست أزمة إدارة المياه بالمغرب

اعتبرت دراسة حديثة أن بعض الإصلاحات الزراعية التي اعتمدها المغرب في السنوات الأخيرة كرست أزمة إدارة المياه، داعية إلى تفعيل آليات الرقابة والمحاسبة وضمان الحق في الوصول إلى المياه.

وأوضحت الدراسة، التي أنجزها مركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة حول “الأمن المائي من أجل الأمن الغذائي، في حاجة إلى عقد اجتماعي جديد لبناء اقتصاد مستدام”، (أوضحت) أن “الإصلاح الزراعي الذي تحرّكه السوق الحديثة يتناقض مع التماسك الاجتماعي وقد يهدد مصادر الموارد الطبيعية بما فيها استنزاف المياه الجوفية، وندرة الموارد وثقافة السكان المحليّين في تدبيره”.

وأشارت الورقة البحثية إلى أن “هذه الأمور لا تحظى بالأولوية في مخططات التنمية، إذ توشك أن تتحول السيطرة على الموارد من المجتمعات المحلية إلى المؤسسات المالية الوطنية والدولية”.

كما اعتبرت الدراسة أن “دعم الدولة في القطاع الفلاحي أعطى بعض الأولوية لاقتصاد السوق، وعزز من خلال مشاريع المخطط الأخضر سباق وتنافسية شديدة على الموارد بين المستثمرين، وأقصى بعض الفلاحين الصغار لعدم قدرتهم على مواكبة سياسة إصلاح الإنتاج الزراعي.

وذكر المصدر ذاته بأن المياه الجوفية تمثل مصدرا مهما خاصة للسقي ولاسيما بالنسبة للمناطق التي لا تملك مصادر أخرى، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم قابليتها للتجديد، مضيفا أن عمليات الضخّ المفرط، جعل الفلاحين الصغار يواجهون منافسة شديدة من طرف الفلاحين المستثمرين في العديد من المناطق الزراعية في المغرب التي تتسبب ممارساتهم المائية في استنزاف الفرشة المائية”.

وحسب الدراسة ذاتها فإن سياسات الدولة الزراعية أعطى الانطلاقة للسباق والمنافسة على المياه الجوفية ودعم التوسع الزراعي ومحطات الضخ الفردية التي أنشأها المستثمرون الجدد من أجل زراعة المنتوجات ذات القيمة التسويقية العالية.

وأشارت إلى أنه “رغم النتائج الجيدة إلا أن ذلك كان على حساب الأمن الغذائي، وتعميق هشاشة الفلاحين الاجتماعية، وحرمانهم من حقوقهم المائية، مضيفا أن  أن سياسات “مخطط المغرب الأخضر” قد عززت علاقات انعدام الثقة بين السكان، وكرّست السباق نحو الموارد وخلقت صراعات اجتماعية”.

واعتبر المركز ذاته أن صانعي السياسات في المغرب بتركيزهم على زيادة الاستثمارات في البنية التحتية والتقنيات الجديدة لزيادة إمدادات المياه، فإنها تضع عليهم عبئًا ماليًا متزايدًا دون أن يحقق الاستدامة، لأن الإجراءات التي تم اتخاذها في أفق تنمية وتدبير الموارد المائية بحلول 2030 لم تأخذ بعين الاعتبار التكلفة المالية الحقيقية لتدبير هذه الموارد.

وأضافت الدراسة أن إدارة الطلب على المياه المخصصة لاستعمالات ذات قيمة أعلى في قطاعات تجارية وصناعية وغيرها لم يتم تسليط الضوء عليها، بالرغم من أنها تطرح معضلات سياسية صعبة. خاصة عندما يتنافس القطاع الزراعي والمراكز الحضرية بقطاعاتها المختلفة على كيفية توزيع هذا المورد الطبيعي الثمين.

وأشارت إلى أن البرنامج الوطني لم يستوف المقاربة الاجتماعية بمختلف أبعادها، واستغلال أزمة المياه وقوتها العاطفية، لتعزيز بناء اقتصاد مستدام قادر على التعامل بمرونة مع تغيرات المناخ.

وشدد مركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة على أن السياسات الوطنية للمياه لا تولي الأولوية الكافية للأمن الغذائي والتغذية، بحيث أن تحديد الأولويات مع أخذ المياه بعين الاعتبار، والتركيز على الأمن الغذائي، يعتبر تحديا بسبب نقص التكامل بين القطاعات على مستوى أخذ القرارات وتأثيرها على إدارة المياه.

ودعت الدراسة إلى القيام بمراجعة قانون المياه، بشكل يضمن تفعيل آليات الرقابة والمحاسبة وضمان الحق في الوصول إلى المياه، مع الحاجة إلى بحث استباقي للآثار المترتبة على تغير العلاقة بين الماء والطاقة والغذاء الذي ما هو إلا قضية واحدة لتجنب مخاطر أزمة المياه في المستقبل.

وأكد المركز أيضا ضرورة إخضاع القطاعين العام والخاص للمساءلة القانونية والرقابة فيما يتعلق بإدارة المياه وتحديد فهم مشترك لأدوارها ووظائفها فيما يتعلق بمسؤوليتها في استخدام الموارد المائية.

كما أوصت الورقة البحثية بدمج المياه في الاستراتيجيات الوطنية المرتبطة بالأمن الغذائي، في السياسات الوطنية المتعلقة التجارة والتنمية القروية والتصنيع من أجل القضاء على الممارسات التي تضر بحقوق الفئات الضعيفة والمهمشة في الوصول إلى المياه.

ودعت الدراسة إلى بناء حوار أكثر منهجية بين صانعي السياسات والباحثين حول خيارات السياسة القائمة في تدبير أزمة المياه لدعم الإجراءات بشكل ملموس وتوقع المخاطر المستقبلية المتعلقة بالمياه. وتكييف المقترحات العالمية مع السياقات المحلية.

كما شددت على ضرورة الاعتماد على المعارف الأصلية والتقليدية للسكان المحليين التي تم اختبارها عبر الزمن، لأنها تعتبر حلول منخفضة التكلفة ومنخفضة التقنية، مع الربط بين إدارة المياه وحيازة الأراضي لما لها من تأثير على حقوق الوصول إلى المياه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *