وجهة نظر

بوصوف يكتب: الجدية “المغربية” الممر الآمن للمستقبل الواعد

“قد تكون لدينا أفكار جيدة وبرامج جديدة، وقد تكون لدينا مَلَكات استثنائية في التخطيط والبرمجة، وقد تكون لنا القدرة على توفير آليات العمل وقد تكون لنا القدرة على توفير وسائل الإنتاج، ثم نصطدم بنتائج مخيبة للآمل. وقد نُضِيع فرصًا عديدة ونحن نبحث عن مشجب نعلق عليه خيباتنا ونكساتنا.

إذًا لا يمكننا الحديث عن الإنجاز الهام أو النجاح الباهر لو غابت القيم الإنسانية والخصال الحميدة لدى كل الفاعلين وفي جميع المجالات. فلا يمكننا تصور تنزيل النموذج التنموي الجديد مثلاً بعيدًا عن منظومة القيم والمرجعيات وعلى رأسها قيمة الجدية، وهي ضد الهزل أو التهاون أو الإهمال.

ولأن الجدية هي “كلمة السر” في كل النجاحات والانتصارات المغربية، فقد أكدها خطاب العرش في الذكرى الرابعة والعشرين، ورفعها كعنوان للمرحلة الجديدة الغنية بالإصلاحات والمشاريع.

وقد ربط ذات الجدية بروح الوطنية عند حديثه عن الإنجاز الغير مسبوق للفريق الوطني بمونديال قطر 2022، وقدموا أجمل صور التلاحم العائلي والشعبي. ولتمتد روح الوطنية إلى تقديم ملف ترشيح مشترك مع الأصدقاء/الجيران الإسبان والبرتغال لاحتضان فعاليات مونديال سنة 2030.

الخطاب ضخ جرعة كبيرة من الأمل محتفيًا ليس بأسود الأطلس فقط، بل أشاد بكل الشباب المتميز و”الجدي” في مجالات الابداع والابتكار، وخصص إشادة خاصة للكفاءات الوطنية الشابة التي أنتجت أول سيارة محلية الصنع وأول نموذج لسيارة تعمل بالهيدروجين، لأنها ترسخ مقولة النبوغ المغربي وتعزز علامة “صنع بالمغرب”.

كما ربط الخطاب ثانياً، الجدية بالمشروعية في ملف القضية الوطنية الأولى، إذ كانت نتيجته الطبيعية هي الدينامية الإيجابية وتوالي الاعترافات بالسيادة المغربية على صحراءه. كان آخرها اعتراف دولة إسرائيل وتزايد الدعم لمبادرة الحكم الذاتي.

وأضاف الخطاب، إلى جانب الجدية، قيمة الحزم في تأكيد موقف المغرب الراسخ بخصوص عدالة القضية الفلسطينية. ليس هذا فحسب، إنما الجدية أصبحت مطلباً في جميع جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والإدارية والقضائية، ومنهج متكامل تقتضي ربط المسؤولية بالمحاسبة وإشاعة قيم الحكامة وتكافؤ الفرص. الجدية مطلوبة وبإلحاح في كل البرامج الإستراتيجية الخاصة بأوراش الحماية الاجتماعية أو برامج تدبير الموارد المائية، والذي ربط الجدية فيه باليقظة، نظراً لأن الأمر يتعلق بتأمين السيادة المائية للبلاد.

و لأنها بكل هذه الأهمية وبكل هذا الثقل فقد حدد خطاب العرش إحداثيات الجدية بالمفهوم المغربي وحددها في أربعة محاور: أولها التمسك بالقيم الدينية والوطنية وبشعار الله الوطن الملك وثانيها التشبث بالوحدة الوطنية والترابية، وثالثها صيانة الروابط الاجتماعية والعائلية من أجل مجتمع متضامن ومتماسك، ورابعاً في مواصلة مسارنا التنموي من أجل تحقيق التقدم الاقتصادي وتعزيز العدالة الاجتماعية والمجالية. ولن نكشف سِراً بتذكيرنا بقيمة وقوة وعمق كل المصطلحات الواردة في تلك الإحداثيات الخاصة بالجدية “المغربية”.

الجدية المغربية تتجلى في حسن الجوار والحرص على إقامة علاقات وطيدة مع الدول الصديقة والشقيقة. ولذلك، في خطاب العرش ليوليوز 2023، تم تخصيص فقرات مهمة وتاريخية لمد يد المصالحة مع الجزائر قيادة وشعباً، وإعادة الأمور إلى طبيعتها في إطار روابط المحبة والصداقة وتبادل التواصل، وفتح الحدود بين الشعبين الشقيقين الجارين. وتبدو المرحلة القادمة واعدة بكل ما تحمله من إصلاحات وطموحات وتحديات. وقد برهنت العديد من الأحداث التاريخية أن المغرب فاز برهان التحدي بالتلاحم الدائم والتجاوب التلقائي بين العرش والشعب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • غزاوي
    منذ 9 أشهر

    جميل جدا أن يتحدث السيد بوصوف عن "الجدية المغربية" اتجاه الجزائر في خطاب الملك ، لكننا نفتقدها في مقالاتك، ومقلات كثير من زملائك، الذين نعتهم الملك في خطاب عيد العرش لسنة 2022 بما نصه: "المزاعم بأن المغاربة يهينون الجزائر والجزائريين هي من عمل أفراد غير مسئولين يسعون جاهدين لنشر الفتنة بين الشعبين الشقيقين". تقدسون الملك وترفضون الإقتداء به، إنه النفاق السياسي. دليل أن قدسيته مصطنعة لا تؤمنون بها أنتم انفسكم.