منتدى العمق

في المغرب.. الزلزال يشق الجغرافيا ويوحد القلوب

من رفات الخراب يبكي الوطن، يسمع القرويون أنين جبال الأطلس الكبير من تحت ركام منازل القرية، الاستيقاظ في دواوير إقليم الحوز لا طعم ولا صوت له بين المنازل، فتلك الدور التي كانت تعج أزقتها بضحكات الأطفال وضجيج المواشي لم تعد كما كانت، مُسحت الأزقة الترابية التي كانت تربط قلوب أهالي الدوار كالجسد الواحد، وانبعثت من المكان رائحة الموت.

يقف أهالي القرى المنكوبة بوجوه يعتريها الألم والأمل، ينظرون إلى أطلال منازلهم وصوت المروحيات وأقدام المسعفين يسمع بعيدا كلما حصلوا على أحد الضحايا حيا ليحملوه نحو المستشفى، فما عاد الدوار رحبا بأهله ولا ماشيته. قد يتبادر في أذهانهم سؤال البقاء مجابهين لهذه الطبيعة القاسية، ماذا فعلنا بالدوار ونحن أهله وساكنيه لعقود من الزمن؟ لقد كنا أوفياء في الشدة وعانقنا الدوار وعانق أحفادنا، ماذا فعلنا به حتى جار علينا؟ هل تعب من حملنا كل هذه السنوات؟

هي كارثة قلما تحدث، حتى قال الخبراء أن آخر مرة زلزلت الأرض بتلك الطريقة كانت قبل قرن من الزمن، الهزة التي شعرت بها قلوب المغاربة قبل جدرانهم، فعند الساعة الحادية عشر وعشرة دقائق بالضبط اهتزت جبال الأطلس، فما عاد شموخها قادر على تحمل عنف الطبيعة، ولم تعد الدور قادرة على حماية ساكنيها، الهزة الأرضية التي زعزعت جغرافيا المغرب وضمت القلوب مع بعضها من طنجة إلى الݣويرة.

وماهي إلا لحظات قليلة حتى أطلق البث على القنوات الوطنية والأجنبية، ليكتشف المغاربة هول ما أصابهم، زلزال بعمق قريب من سطح الأرض وبقوة فاقت سبع درجات على سلم ريختر، انطلقت بؤرته من إقليم الحوز ليشمل كل من أقاليم شيشاوة، تارودانت ووصل صداه حتى عمالة مراكش وإقليم أزيلال، وما هي إلا ساعات قليلة حتى بدأت الجهات المعنية في إحصاء الضحايا ليصل العدد في الأخير إلى ما يفوق 2900 قتيل وعدد أكبر من الجرحى.

وكما عود المغاربة العالم، كما فعلوا في العديد من المحطات كانت للفرح أو الحزن، يعبر الشعب المغربي عن نبل مشاعره حتى يرسل إلى العالم أنه جسد واحد من شماله حتى جنوبه. ومن أقاصي المغرب انطلقت أفواج من الشاحنات والسيارات محملة بالمواد الغذائية والأفرشة، نصرة لإخوانهم في هذه الأقاليم المنكوبة، وتلبية لنداء الاستغاثة التي أطلقها هؤلاء.

وفي الصورة رجل عجوز يحمل كيسا من الدقيق على دراجته المهترئة ليضعه في مكان التبرعات وينصرف بعيدا عن الأضواء، وفي الجهة الأخرى سيدة أخرى أرادت أن تتخلى عن خاتمها الوحيد الذي تملك من أجل إخوانها المتضررين، وعجوز أخرى بخطوات منهكة لكبر سنها وهي حاملة الزيت لتتبرع به أيضا. هي صور لا حصر لا أصبحت تملأ منصات وسائل التواصل الاجتماعي موحدة لقلوب المغاربة في السراء والضراء، وهذا ما جعل التضامن ماركة مسجلة للمغاربة وسط العالم.

اشتغل الجميع كخلية نحل، شمر المغاربة نساء ورجالا على سواعدهم ليظهروا للعالم أصالة تضامنهم ونبلهم وقت الحاجة، وفي المعطيات الرسمية ستتكلف الدولة عبر صندوق خصص لهذه الكارثة بإيواء هؤلاء عبر مجموعة من البرامج، أملا في محو هول ما أصابهم من الذاكرة، وسيحاول القرويون إعادة الحياة لدواويرهم ليبرزوا للعالم أن الزلزال في المغرب يشق الجغرافيا ويوحد القلوب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • غير معروف
    منذ 8 أشهر

    💙