وجهة نظر

حذف دروس الإرث من التربية الإسلامية

مراجعات أم تراجعات !

بعد تأخر إصدار الكتب المدرسية لمادة التربية الإسلامية لجميع مستويات المدرسة المغربية، وبعد صدور المنهاج الجديد لمادة التربية الاسلامية يونيو2016، استجابة للدعوة الملكية لمراجعة مقررات التربية الدينية فبراير2016، وفي غمرة التحاق الاساتذة والتلاميذ بالمؤسسات التعليمية بوطنناا لحبيب، كثر القيل والقال، وألح الجميع في السؤال :

هل هذه الخطوة في تعديل المنهاج مراجعة أم تراجع؟
من وجهتي نظري المتواضعة ،وانطلاقا من تتبعي لإصلاح المنظومة التربوية عموما،ومادة التربية الإسلامية خصوصا ، يمكن أن نجزم بأن إرادة الكثير من أطر المادة-أساتذة/مفتشون/مكونون/باحثون- قوية في ضرورة تطوير منهاج المادة وتجديده، من أجلمواكبة المستجدات البيداغوجية ومعالجة المشكلات الإنسانية، وجعل مادة التربية الإسلامية مادة حيوية وفاعلة، دل على ذلك العديد من البحوث والمقالات والدراسات، فضلا عن الندوات والمؤتمرات والأيام الدراسية، التي تدعو صراحة في كل خلاصاتها وتوصياتها بضرورة تطوير المنهاج وحتمية تجديده، لعل أهمها ما عقدته الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية –بتنسيق وشراكة مع الفاعلين والمهتمين- خلال السنوات الثلاثة الأخيرة بكل من مدن مراكش والقنيطرة وأسفي و وزان والرباط و…..

الملاحظة التي لايمكن أن ينكرها أحد، أن اللجنة التي تصدت لتعديل منهاج المادة، لم تستفد من هذه التوصيات والمقترحات،واشتغلت -كما اخبرني بعض المتتبعين- لوحدها بعيدا عن التراكم الذي عرفته المادة.

في ذات السياق نؤكد أن حذف دروس الإرث من المنهاج الخاص بالتعليم الثانوي التأهيلي تراجع وليس مراجعة ،وذلك لاعتبارات كثيرة، منها:

1-الكثير يتذكر–في المنهاج القديم(ليس منهاج الوحدات) الذي قبله- كيف تم حذف درس :”الجهاد :مفهومه وشروطه” من التعليم الثانوي ،بسبب ضغط التيارات العلمانية والحداثية، ولم يستطع أحد أن يقنع أساتذة المادة بأن هذا الحذف مراجعة وليس تراجعا،وكذلك تعديل درس:”مزايا الاسلام على الشرائع السماوية السابقة” إلى:”علاقةالاسلام على الشرائع السماوية السابقة”،واستبدال درس:”الوحدة والاختلاف” بدرس:” الايمان بالغيب مفهومه وضرورته”.

2-أن قضية الإرث أثارت في السنوات الأخيرة سجالا ونقاشا بين مختلف التوجهات والتيارات بين متشبث به وداع إلى إلغائه، وصل إلى حد دعوة المجلس الوطني لحقوق الانسانإلى ضرورة المساواة المطلقة بين الذكر والأنثى في الميراث،وفي حذفه من المنهاج استجابة مباشرة لهذهالدعوة، لأن المتعلم يستوعب فلسفة التمايز في الارث بين الذكر والانثى في التشريع القرآني، وبل يمتلك القدرة على اقناع الاخر بعدالة نظام الارث في الاسلام.

3-أن تدافع المرجعيات في المغرب يتجلى في مجالات كثيرة، ولكنه يحتدم في أحكام الارث،بحيث تؤكد بعض المنظمات الحقوقية على سمو مرجعية المواثيق الدولية،على المرجعية الوطنية للمغرب،وبالتالي لابد من درءالتعارض الحاصل من خلال تطويع القوانين والاحكام ،وتغييرها لتنسجم مع المواثيقالدولية، وقد نجت هذه المنظمات في الضغط من أجل حذف دروس الارث من منهاج المادة من كل المستويات.

4-بل وشمل ذلك أيضا التعليم العتيق، بحث كانت مادة الفرائض مقررة عند طلبة التعليم العتيق في السنوات الثلاث بالثانوي، وتم حذفها من السنة الأولى والإبقاء عليها بالسنتين الثانية والثالثة، وأكاد أجزم إذا لم يكن هناك رد فعل ،فإن مادة الفرائض سيتم حذفها مطلقا من التعليم العتيق.

5- بعض المتتبعين للشأن التربوي يباركون هذه الخطوة بعلل كثيرة، منها: أن التلاميذ لا يفهمون، وإن فهموا لا يستثمرون ذلك في حياتهم، وقس على ذلك، هنا أستحضر حادثة-وقت في شهر ماي2016- وقعت لإحدى التلميذات (إ-م) التي درستها السنة الفارطة، أحكي لكم على لسانها في صفحة الفيسبوك:”أستاذي لقد وقع معي اليوم شيء رائع هذا الأسبوع،جاء أحد أصدقاء أبي إلى بيتنا ليساعده في حل مشكل وقع له بينه وبين أخواته بسبب الارث، هو لم يكن مقتنع في البداية أن لأخواته الحق في الارث معه، فاستدعاني أبي وقدمت له الدليل والحجة حيث استعملت قصة “أم كجة” والآيات القرآنية، ولقد شرحت له كما شرحت لنا تقريبا،وفي النهاية اقتنع،وطلب مني أبي أن أقسم التركة وأقدم لكل واحدمنهم حقه،وتفوقت في ذلك ولله الحمد، واليوم في المساء عاد إلينا محضرا معه هدية لي، وأخبرني أنه عندما اتجه الى متخصص في علم المواريث قال له الصواب ما قالت لك التلميذة، وهذا جعل أبي يشعر بالفخر وسعد كثيرا أنني أستفيد من الدروس، وهذا راجع لكم أيضا شكرا”.

بكلمة واحدة حذف الإرث تراجع وليس مراجعة ؟؟!

والسـلام

ــــــــــ

باحث في قضايا التربية و التكوين