منتدى العمق

“دواعش” في وزرة بيضاء..

أخطأت وزارة التّربية الوطنية حقيقة حينما لم تُبرمج ولم تُدرج في مراكز التكوين البيداغوجي ” مادة الديداكتيك في تحليق الشعر ” . إنّنا حقيقة لا نفهمُ ونتساءل بكلّ استغراب،ما معنى أن تأخذ معلمة تنتمي الى حقل التربية في مدينة تطوان “مقصّا” وتحلّق رأس تلميذٍ لم تتفتق ملكته الرمزية بعد (باصطلاح رائد المدرسة البنائية جون بياجي) أمام مرأى ومسمع زملائه في الفصل لأنه تشبّه باليهود حسب ما صرح الابن لوالديه ؟ هل دورها المؤسساتي هو تنوير الناشئة بالأفكار الحيّة ومحاربة الأمية الأبجدية والمعرفية لأطفال فتحوا عيونهم على الحياة، ومقارعة شبح الجهلالذي يهدد أمننا الثقافي والاستراتيجي أم “تقريع “الرؤوس عنوة لأن تسريحة شعر التلميذ لم ترق القناعةالنكوصيةالأحادية للمعلمة ؟ لن أشخّص النقاش هنا بقدر ما أريد التأكيد على أننا فعلا إزاء سرطانداعشي، وتطرف مسموم ينخرُ هذا الجسم التعليمي المعلول وجب استئصاله وتطهيره بكل الآليات المتاحة وما استطعنا الى ذلك سبيلا، ما الفرق بين مثل هكذا سلوكيات وتصرفات “داعش” كتنظيم متوحش ؟ ألا تؤمن داعش بأن جزّ الرؤوس أمام الأشْهادِ هي وسيلةٌ من وسائل الاذلال والإهانة ؟ألم تجعل “داعش” من تحليق الشعر ونتفِ اللحية وسائل تعذيبية لمجموعة من الاشخاص الذين خرجوا عن طاعتها أو ارتدوا في زعمها، وفي ذلك من التعذيب المادّي و الرمزي ما فيه ..

ألم يحن الوقت لنفهم أن كثرة كثيرة من السلوكيات التي تظهرُ لدى المتعلم (ة) أو في “سيكولوجيا المراهق ” عموما التي نراها نحن ــ الكبار ــ غير مقبولة تندرج ضمن النمو الحركي والمعرفي والسيكولوجي الطبيعي للمراهق ؟ ألم يحن الوقت لكي نتعامل مع هذه الكائنات ككيانٍ قائمٍ بذاته لههويته وخصوصيته المستقلة؟ وأجزم أن أغلب من جَنوا على أنفسهم من نساء ورجال التعليم ودخلوا في صراعات عنيفة، واصطدامات جسدية دامية،إنّما منشؤه من هنا ومنطلقهفي المقام الأول تجاوز الحدود والتدخل في “شبقات ” وأمور لا تعنيهم على الجملةفي شيء.. كفرض الحجاب، و نمط اللباس، بل رأينا من المعلمين والأساتذة من يجبرون التلاميذ على غسل رؤوسهم قبل الدخول الى الفصل لا لشيءإلا لأنهم يضعون فوق رؤوسهم (gel) أو مثبت الشعر كما يسمى، وقد راينا من رجال التربية من وضع التراب على رؤوس تلاميذه لانهم وضعوا مثبت الشعر ، اذا كان الأستاذ ينتمي لسياق مجتمعي مختلِف وهو معذور في ذلك،لكن عليه أن يستوعب الآن أنه ينتمي لسياق سوسيولوجي مغاير منماز عن السياق الذي عاش فيه.

هل تقبل من متعلميك أن يطلبوا منك ويقولون لك أستاذ، لو أذنت وتكرمت : إن طريقة تسريحتك لشعرك أو هندامك أو سروالك الكلاسيكي التراثي او حذاؤك القورسطوي لا يروقنا فهلا غيرت ذلك كله “بماركات” جديدة؟ طبعا ستكون ردة فعلك عنيفة، ولن تقبل وستثور ثائرتك، وستفكر في الانتقام لنفسك لأنه تجرأ على كرامتك و”تصلكط ” في نظرك على شخصِك وتجاوز الحدود.أن تأخذ مقصّا وتضع “شرع يدك” في رأس تلميذ لا يخرج عن ثنائية داعشية (الخير والشر ) أنا امثل الخير وأنت تمثل معسكر الشر فإما معي أم انت ضد الخير .. وسر المأساة حينما أعطي الحق لنفسي لكيأطبق ما أعتقده وأومن بأنه الصواب المطلق وانطلق في تطبيق التعازير والحدود داخل جماعة الفصل ضاربا عرض الحائط مل المذكرات والتوجيهات التربوية المرجعية المؤسّسة. وهذا ما رأيناه وعايشناه كثيرا في سياقات مجتمعية أخرى وفي مواضيع لها صلة بالحرية الفردية (الإفطار في رمضان .. ) بحث يعطي الفرد لنفسه الحق لتطبيق وفرض ما يعتقده صوابا وهنا المشكلة .

إن الشيء المغيب في قاموس مثل هؤلاءهو قبول الاختلاف، والأحرى الاسهام في تربية الناشئة على ثقافة الاختلاف وقيم التعدد والتنوير،وأن تقبل الآخر كما هو وكما يريد أن يكونلاسيما في سياق مجتمعي دولي واقليمي يعرف تحولات قيمية جذرية عميقة، إننا في مسيسِ الحاجة لإعادة النظر في جملة أمور لتجاوز “السكتة القلبية” التي يمر بها نسقنا التعليمي في بلادنا ، هذا ناهيك عن دواعشآخرين قلما نتحدث عنهم لا يحملون المقص وانما يحملون أفكارا قد تكون مسمومة عن الناشئة، صحيح أن المتغير والمستجد هذا الموسم الدراسي كون الدولة المغربية جددت مناهج ومقررات التربية الاسلامية بغية خلق وتصريف خطاب تربوي بيداغوجي جديد،يقرّ التسامح الديني وقبول الآخر المختلف الديني لاسيما مع تنامي الظاهرة الاصولية وخطاب الموت والتكفير في اطار (الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين 2015 ـ 2030). لكن الثابت هو المئات من “الدواعش” الذين سيمررون هذه المقررات الدراسيةالى الناشئة، من سيراقب أفكار الموت والرفض التي يزرعونها وسموم الكره التي يبثونها؟؟

ليس من نافلة القولإن قلنا إن تخلف منظومتنا التربوية التعليمية والتفكيك الذي تتعرض له المدرسة العمومية ناتج عن خلل بنيوي نسقي مركب عميق؛في البيداغوجيات المتبناة،والمقاربات التدبيرية، والمقررات والمناهج المتآكلة، والبنيات التحيتة، والمرافق والمعدات الديداكتيكية، والخيارات الاستراتيجية السياسية للدولة ..الخ

هناك طرف آخر وفاعل مركزي معني أيضا عليه أن ينخرط بدوره بالارتقاء بالمدرسة العمومية وهم نساء ورجال التعليم بدل التباكي وثقافة تبادل الاتهام ولوم الآخر، أقول هذا كوني ابن من أبناء الميدان أنتميلأسرة التعليم وأعي جيدا ما أقول، ومن باب النقد الداخلي الذاتي لننقذ جميعا المدرسة العمومية ونعيد لها بريقهاوعافيتها واشعاعها الذي فقدتهبتوالي الفشل والأعطابوالنتوءات والانتكاسات والاخفاقات التي جعلتنا نترتب للأسف في مراتب عالمية مخجلة رغم الإمكانيات المالية المهمة المرصودة للقطاعوالتقريرات العالمية المنذرة بالخطر ..