منتدى العمق

التنظيم العالمي للاخوان المسلمين بين الدعوة والسياسة ؟

في الحقل المعرفي يعتبر مصطلح “إسلامي” حديث العهد أو بالأحرى مبتدع ينسجم مع تطورات القرن في عالم يعيش صراعات سياسية٬ ورهانات اقتصادية٬ وتحديات اجتماعية٬ خاصة في دول العالم الثالث التي لا زالت تساير إيقاع التملص من بقايا التواجد الاستعماري واليات تغلغله داخل البلاد والعباد٬ لدا شكلت مرحلة “نظام القطبية الثنائية” علامة فارقة في تاريخ الشعوب٬ بين محاولات للتخلص من توحش الرأسمالية والالتفاف نحو الاشتراكية كطوق النجاة٬ وكحل للمرحلة بحكم التنافسية بين النظامين العالميين فظهرت الحركة “الناصرية” وحركة “العبثيين العرب” فضلا عن الحركة الأم “حركة عدم الانحياز”. وهي أنظمة تعتبر بلسان محايد “دول تعيش مرحلة التأسيس لنظام سياسي مستقل” هي أنظمة كانت في الغالب قومية التوجه٬ اشتراكية المذهب٬ مما يكشف أنها لم تنل من كلمة استقلال إلا الاسم بل وأصبحت كل التيارات الراديكالية أدوات في يد قوى خارجية٬ بحكم تأزم أوضاعها وما تعيشه من مشاكل اقتصادية يبقى أهمها المديونية وعجز الميزان التجاري …….

الملاحظ أن محاولات التغيير تم تأسيسها على مبنى راديكالي في محاولة للتسامي عن القيم والعادات الموروثة٬ ومحاولة التأمم بأنظمة جديدة برزت في ظل التنافس الدولي وانقسام المجال العالمي لمعسكرين لحد الآن المعادلة متكافئة ؟ غير أن التغيير الراديكالي ومحاولة التأمم بالغرب٬ بل ومحاولة غض الطرف عن بعض معالم الحضارة ناسين ومتناسين ان الإصلاح ينطلق من الجذور ومن خلال اختلالات الواقع٬ لا محاولة هدمها لدرجة ان احد شعراء القومية العربية فصل العرب عن الإسلام من خلال بيته الشعري القائل :

هيبوني عيدا يجعل العرب امة ….وسيروا بجثماني على دين برهم

سلام على كفر يوحد بيننا …..وأهلا وسهلا بعده بجهنم

بسبب أو بأخر فشل التغيير الراديكالي بمجتمعاتنا٬ بسبب عدم التحضير له أو نظرا لغياب القراءة السياسية الواعية التي قد تشخص للمرحلة٬ من اجل إذكاء الجو العام تمهيدا لما سيأتي من بعد فرغم نجاحه في البروز في تسيير حكومات الشعوب إلا انه لم يقتحم إلا أبواب فئة قليلة من الكتلة الشعبية٬ مما سيجعل هدا التغيير فاشلا رغم بلوغه لا على الرتب كما أن الواقع المركب وعدم قدرة الدول على تدبير شؤونها بلا تبعات سياسية٬ حكم على الأنظمة بالعمالة على جميع المستويات خاصة وان الحمولة الفكرية للأنظمة الجديدة بالعالم الثالث؛ تنص على التمتع بالحرية وهدم الحاجز المتكرر أو ما يعرف بالقيم المحافظة للمجتمع فأصبح “الإعلام والسينما والمسرح” أكثر تحرر ينادي بالانفتاح ويشهر له مما دفع بالبعض إلى اعتبار أن المجتمعات “تنصرت” أو فقدت إسلامها٬ من هنا ظهرت الحركات الإسلامية بالمشرق العربي وشمال إفريقيا فكيف كان الظهور ؟

على نحو مغاير ظهرت الحركات الإسلامية وتحديدا الحركة الأبرز التي أصبح لها فروع متعددة في الوطن العربي ألا وهي : ” جماعة الإخوان المسلمين” كحركة شبابية اشتد عودها سنة في الأربعينيات من القرن الماضي٬ والتي يتأسس منهجها على الشمولية والانفتاح فهي دعوة سلفية٬ طريقة سنية٬ حقيقة صوفية ٬هيئة سياسية٬ ورابطة علمية ثقافية … مما جعل الجماعة تحظى بشعبية كبيره خاصة أن منهجها ينطلق من الأصول ليعم الفروع ولا يقوم بهدم الحاجز المتكرر٬ فكسبوا معركة الشارع لصالحهم بل وأسسوا فروعا لهم في مختلف البلدان العربية بفعل اهتمامهم بالشرائح الاجتماعية الهشة ٬ وقربهم من همومهم وأمالهم فأنتجوا رجالات برزوا في البلاد في مختلف المجالات “عصام العريان محمد بديع خيرت الشاطر ومحمد مرسي ……”فأصبح الشارع يتكلم بلغة الجماعة .
الجماعة بين العمل الدعوي والسياسي

لا شك ان الدعوة هي عمل مؤسس لبناء القاعدة الشعبية للحركات الإسلامية٬ انطلاقا من النواظم المؤسسة لعملها من اجل الاستجابة للشارع والإحساس بهمومه المثقلة ٬ وأحلامه المجهضة فشكلت المجالس الدعوية إحدى المرتكزات لتجديد الإيمان في النفوس٬ وشحذ الهمم كما أن العمل الجمعوي شكل علامة فارقة في تاريخ الجماعة الدعوي فضلا عن الجمعيات الخيرية لمساعدة المواطن٬ بالإضافة للواجهة الإعلامية للإخوان المسلمين “قناة الحافظ وقناة الناس …..” مما أثمر انتخاب بعض من أعضاءها في مجلس الشعب أثناء سنوات حكم مبارك المعادي للجماعة فقدم محمد مرسي أشهر استجواب في تاريخ المؤسسة التشريعية لوزير النقل المصري.

توالت الأعوام والسنون ٬ سقط مبارك وذاق كاس المنية صافيا ٬فانتخب الشعب حزب الحرية والعدالة الواجهة السياسية لأحفاد علي حسن البنا بغية رئاسة الجمهورية٬ فنجح العمل الدعوي ومهد لولوج الإخوان عالم السياسة فدخل الرئيس محمد مرسي الحكم بزي “الداعية” عبر خطابات أشبه ما يكون بخطب المساجد٬ لم تنل استحسان الحركات الليبرالية واليسارية ومختلف القوى الحداثية ٬كما أن الرئيس قام بمهادنة قوى التحكم من خلال إعلانه لسياسة إصلاحية مبنية على تجنب الصراعات والاحتفاظ على السلطة الأدبية باعتبار رئيس البلاد فبدا” السيسي” يكسب تعاطف بعض القوى تمهيدا لمحاولة الانقلاب في أي لحظة وما زاد الطين بله عدم قدرته على مواجهة الأزمات في عهده “كأزمة الوقود ……..”غير أن مرسي احتفظ ببعض الايجابيات التي تعد على رؤوس الأصابع لتقدم الجماعة صورة قاتمة عن أداء الحركات الإسلامية٬ وفعاليتها في إصلاح الأوضاع مفضلة أسلوب المهادنة فقام انقلاب أطاح بها من سدة الحكم٬ مما أمكننا القول أن الجماعة اخطات الوجهة وثمار عملها الدعوي لا يناسب مزايا العمل السياسي ولا يمكن تسيير دولة بجلباب دعوي وسط مجال متميز بالتعددية الإيديولوجية ٬ والحسابات السياسية والتبعية الاقتصادية إلا بخطاب سياسي يضم جميع الفواعل في الشأن المصري .

“العدالة والتنمية “والاستفادة من الدروس

يؤكد المهندس” محمد الحمداوي” الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح الغصن الدعوي لحزب العدالة والتنمية أن هناك فوارق أساسية بين تجربة الإخوان٬ وتجربتهم الدعوية مؤكدا أن الحركة الإسلامية المغربية شخصت الواقع واستفادت من الأطر المرجعية للمشرق العربي٬ وتأخرها التاريخي لتستفيد من كل التجارب معتبرا إياها بالتجربة المغربية الخالصة.

غير أن لغة الأرقام والمؤشرات تؤكد ارتباط التنظيم العالمي للإخوان بالجماعة على المستوى المرجعي٬ وهو ما يؤكده موقع “إخوان ويكي” الذي صنف حزب العدالة والتنمية كهيئة سياسية ممتدة لفكر الإخوان وتصوراته حول القضايا المعاصرة٬ وهدا الأمر يبدو بجلاء بعد انقلاب 3 يونيو من خلال دعم فصيلها الطلابي والدعوي للإخوان المسلمين عبر عرض منتجات تحمل رمز “رابعة” للاقتناء في منتدياتهم ومجالسهم ومجالات اشتغالهم٬ مما يؤكد المناصرة والتأييد والسير على نفس النهج دعويا .

في المجال السياسي خالفت العدالة والتنمية الالتزام واستفادت بالغ الاستفادة من الشأن المصري والتونسي فبعد دستور 2011 وانتخابات 25 نونبر استطاع إخوان “عبد الإله بنكيران” الولوج لرئاسة الحكومة التي لا تعني حسب مقتضيات الدستور وصول الحك٬م فشخصت الحركة واقعها ودخلت في تحالف حكومي مع قوى متعددة فكريا وإيديولوجيا (حزب الاستقلال _حزب التقدم والاشتراكية وحزب الحركة الشعبية) فبعدما دخلت الحكومة بشعار “صوتنا فرصتنا ضد الفساد والاستبداد “غير الحزب من استراتيجيته٬ تجنبا لإفساد الجو العام وتحقيق الأمن والاستقرار وعدم الدخول في لعبة “شد الحبل” بين القوى المختلفة فاضطرت للدخول في تحالف جديد بعد انسحاب” الاستقلال” وتعويضه” بحزب التجمع الوطني للأحرار” والبقاء في سفينة الوطن٬ مخالفة لما كان مرسي وجماعته راغبون في تنفيذه بنفس ثوري إصلاحي لا يستسلم للضغوطات٬ وهدا ما جعل العدالة والتنمية تبدو كحزب منافق سياسيا رغم نجاته من فخاخ الاستئصال السياسي لتتعارض تجربة العدالة والتنمية السياسية مع حزب الحرية والعدالة المصري .

خلاصة الكلام٬ شكلت تجربة الإسلام السياسي علامة فارقة في تاريخ الأقطار العربية والإسلامية ٬ استطاع أن ينفد لأعماق المجتمع فانتصر عمله الدعوي بامتياز وبعمل مؤسساتي يقام له ويقعد٬ ليصبح بدلك تيار الإخوان من الحركات المناهضة الشهيرة غير أن الحركات الإسلامية لم تفهم الدرس بعد فتمايز أداءها السياسي بصورة قد تكون محافظة متشددة لا تقبل أسلوب التشخيص المرحلي٬ وبين فصيل يجيد التشخيص المرحلي ولو على حساب منطلقاته الفكرية ليبقى الدين واجهة للسجال السياسي للفصيل الثاني الذي تاجر به لأبعد الحدود ففقد شرعيته الشعبية٬ وبين الفصيل الاول الدي لم يصدق انه دخل عالم السياسة فظن انه يسير مجالس دعوية لا سياسية فأصيب بقذائف متوالية لفلول الدولة العميقة٬ فكسب تعاطف الشعب وحكم على مستقبله السياسي بالموت انه بكل اختصار أوهام الحركات الاسلامية مما يجعل التفكير في دولة حداثية ديمقراطية مبنية على فصل السلط ودرء الخلافات الإيديولوجية شر لا بد منه !