وجهة نظر

قراءة في شعار “صوتنا فرصتنا لمواصلة الإصلاح”

قبل التفصيل في بعض دلالات شعار حزب العدالة والتنمية، “صَوتنا فرصتنا لمواصلة الإصلاح”، يُمكن تسجيل ملاحظة سَريعة تتعلق بوجود حرف الصاد في كل كلمة من كلمات هذا الشعار، ولا أدري هل انتبه إلى ذلك من أشرف عَلَى وَضع الشعار أم لم يهتم بذلك ؟
بَعْض الخُصُوم الظرفاء، سَيَقُولُون بأن هَذَا الحَرف يدل عَلى “الصيد”، بمعنى أن الحزب ينصب شباكه لاصطياد أكبر عدد ممكن من الناخبين والناخبات، غير أن هؤلاء يُمكن الرد عَلَيهم بأن حَرف الصاد يوجد أيضا في كلمة “صيدلية”، وهي المَحل الذي يقصده الناس لشراء الدواء، كما أن عبارة “صاد الناسُ بالمعروف”، ترد – كما جاء في بَعْض مَعاجم اللغة العربية – بمَعْنى تأَلَّفهم وجذبهم نحوه. وهذا ما تسعى جميع الأحزاب إلى القيام به خلال الحَملات الانتخابية.

من المُلاحَظات السريعة، أيضا استهلال الشعار بـ (صوتنا فرصتنا) باستعمال صيغة “النحن”، وفي ذلك تقريب للمَسَافة بين المُرْسِل (الحزب)، والمُرْسَل إليه (الناخب)، وهي التفاتة ذكية من وَاضعي الشعار الذين تفادوا اسْتَعمال صيغة المُخاطب “صوتكم فرصتكم”، التي تُوحي بوُجُود مَسَافة بين الطَرَفين، وتخلق حَوَاجز تُعيق عَمَلية التواصل السياسي.

في إحدى الجلسات الشهرية بمجلس النواب، أكد عَبد الإله ابن كيران، أن الصوت هو السلاح الوحيد الذي يمكن أن يستعمله المُواطن عندما تتاح له فرصة التغيير التي لا تأتي إلا مَرة وَاحدة كل خمس سنوات عن كل ولاية برلمانية، وبعد مرور ست سنوات على مُستوى الجماعات الترابية. ربما لهذا السبب ربط حزب العدالة والتنمية في شعاره الصوت بالفرصة، على غرار شعار “صوتنا فرصتنا ضد الفساد والاستبداد” الذي رفعه في انتخابات 25 نونبر 2011، والذي كان شعارا جاذبا تجاوب معه أزيد من مليون ونصف من كتلة الأصوات الصحيحة المُعبرعنها، فلماذا تم التراجع عن شعار بهذه الحمولة القوية، واستبداله بشعار “لاَيت” ؟ هَل اختفى الفساد والاستبداد بشكل نهائي ؟

مهما كانت الشعارات جذابة، فهي غير كافية لوحدها لقيادة عملية الإصلاح، ولا يُمكن اختبار نية أصحابها إلا عند دخولهم إلى الفران والاكتواء بناره. ولهذا فإني أزعم أن شعار “صوتنا فرصتنا مواصلة الإصْلاح”، أقوى وأصْعب من شعار “صَوتنا فرصتنا ضد الفساد والاستبداد”، ذلك لأن الإصلاح عَملية إجرائية معقدة بتعقيد الفساد تتطلب جهدا كبيرا، بينما الوُقوف ضد الفساد والاسْتبداد وترديد الشعارات ضده، وفي أقصى الحالات نصب المشانق للمُفسدين ورميهم في السجون، سيخلق الفتنة في البلاد، وفي ذلك مخالفة للقاعدة التي أسس عَليها حزب العدالة والتنمية أطروحته في المُشاركة السياسية وهي “الإصلاح في ظل الاستقرار”، وهذا لايعني التصالح مع المفسدين والمستفيدين من الريع، ولكن يجب الاعتراف بأن حلبهم لثروات البلاد راجع إلى وجود وضع مختل في الصفقات العمومية والتوظيف في الإدارات العمومية واستغلال المقالع والنقل العمومي والقضاء وغيرها من المرافق العمومية.

وهذا يقتضي مراجعة المنظومة التشريعية، وهذا ما نجده في الجُزء الثاني من شعار حزب العدالة والتنمية الذي تولى قيادة التجربة الحكومية خلال الخمس السنوات، وقام أو أسهم في مَجموعة من الإصلاحات التي شهدتها بلادنا، وأصبحت معروفة بالنظر إلى المنهجية التشاركية التي اعتمدتها من خلال أطلاق حوارات وطنية، بعضها استغرق سنة كاملة، ومن بين ذلك الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة، وإصلاح المنظومة القانونية للمجتمع المدني، أيضا نشر لوائح المستفيدين من مأذونيات النقل والمقالع، ودفاتر تحملات التلفزيون العمومي، وإصلاح صندوقي المقاصة والتقاعد، كما يجب أن نستحضر ظروف المرحلة التأسيسية التي تولى فيها حزب العدالة والتنمية تدبير الشأن العام، إذ تطلب ذلك تنزيل أزيد من عشرين قانونا تنظيميا مكملا لدستور المملكة، واقتضى ذلك أحيانا إجراء مشاورات ماراطونية، واستقبال مذكرات جمعيات المُجتمع المدني.

قد يقول بعض الخصوم الظرفاء، لقد منح الشعب المغربي فرصة في انتخابات 2011 لحزب العدالة والتنمية، لمواجهة الفساد والاستبداد، فلماذا يعود هذا الحزب مرة أخرى لطلب فرصة جَديدة ؟ قراءة الشعار لا تُوحي بأن حزب العدالة والتنمية يطلب فرصة أخرى، بل إنه يَندمج في صيغة “النحن” مع الناخبين ليخبرهم بأن مَحَطة الانتخابات تأتي مرة كل خمس سنوات، والذي يَهم هو التصويت على من يُريد الخير للبلاد، ومُواصلة الإصلاح، وعدم التراجع عن المكتسبات التي تحققت سواء على جميع المستويات.. أجرى حزب العدالة والتنمية، بعد خمس سنوات من تَجْربة حكومية حافلة، تعديلا على شعاره، لأنه وَجَد نَفْسه أمام مُنجز حُكومي جَوهره الإصلاح، فلا معنى من الاحتفاظ بشعار “ضد الفساد والاستبداد” الذي رفعه الشارع إبان الحراك الشعبي في 20 فبراير، لان الاشتغال داخل المؤسسات الدستورية له منطق آخر، لا يعني بالضرورة تقديم تنازلات، بل يتوافق مع أطروحة الحزب التي تدعو إلى المُشاركة في البناء الديموقراطي، الذي يحتاج إلى زمن سياسي يتعدى الزمن الحكومي، وفاعلين في الحقل السياسي والمدني والاقتصادي يؤمنون بأن المغرب بإمكانه أن يكون دولة صاعدة.